رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

نبيل عمرو يكتب: قطار الفشل الفلسطينيّ يتوقّف على محطّة بكين

نشر
الأمصار

منذ انقلاب حماس على السلطة الذي فضّلت تسميته بالحسم، إلى آخر لقاء استضافته الصين وأسفر عن اتّفاق على لقاء آخر، فشلت جميع التدخّلات التي قامت بها دول ذات نفوذ قويّ في الشأن الفلسطيني، وأولاها مصر، التي تملك المفتاح الوحيد لغزّة، والسعودية التي جمعت طرفَي الانقسام تحت ظلال الكعبة، وروسيا التي جمعتهما أكثر من مرّة على الرغم من انشغالاتها في حربها الكبرى على أوكرانيا، وتركيا الدولة الإقليمية العظمى التي آوت إخوان مصر، ورعت إخوان فلسطين وحافظت على علاقات وطيدة مع فتح من خلال رئيسها محمود عباس. ولا ننسى الجزائر ذات النفوذ التاريخي على الحالة الفلسطينية بكلّ مكوّناتها، وقطر التي حاولت جمع عباس مع قيادة حماس أثناء الحرب.

 

الجميع حاول

هؤلاء جميعاً حاولوا وفشلوا، أزعم وأنا كنت قريباً من كلّ هذه المحاولات أن لا أحد من المتدخّلين إلا وكان حريصاً على النجاح إن لم يكن بفعل علاقته المميّزة مع الفلسطينيين فبفعل تجنّب الفشل الذي لا يليق بدول عظمى.

لقد استنكفت كلّ الدول عن إعادة المحاولة، ولكلّ منها أسبابه القوية، إذ توصّلت إلى نتيجة حاسمة، وهي أنّ الاستثمار في إنهاء الانقسام الفلسطيني مضيعة للوقت والجهد واستيراد لفشل محقّق.

الدولة العظمى الزاحفة نحو المنافسة على زعامة الكون، هي الآن صاحبة المحاولة الجديدة، وربّما ما دعا المتفائلين إلى تعليق الآمال على نجاح ربّما يأتي على يدها، نجاح بكين في الوساطة بين السعودية وإيران، فمن قدر على أمر كبير كهذا فلمَ لا يقدر على أمر أصغر، وكأنّ النجاح يتمّ بالاستنساخ!

كلمة سرّ النّجاح

الصين التي تصدّت لملفّ الانقسام المتعثّر على مدى ستّ عشرة سنة، لا بدّ أن تكون درست المحاولات التي سبقتها، ووضعت يدها على أسباب فشلها، فلا أسرار في الأمر، إذ إنّ لعبة الانقسام والتدخّلات الفاشلة كانت جميعاً تتمّ بزفّة على الهواء وتبريرات صاخبة يسوقها كلّ طرف.

بكين

كانت كل محاولة تفضي إلى تطوير الانقسام، إلى أن بلغ حدّ الانفصال، بل والعداء المتبادل. الصين كدولة جدّية لا ترتجل سياساتها دون أن تشبعها بحثاً وتمحيصاً، أقدمت على مبادرتها في هذا الشأن ربّما بطلب من الطرفين أو من أحدهما، وإذا كانت لا تضمن النجاح التامّ في ما فشل فيه كثيرون فهي لن تخسر إذا ما استثمرت فيه، ومعروف عن الصين أنّها وهي تزحف نحو قمّة العالم تستثمر في كلّ شيء، وتحاول جمع المتناقضات في قبضة واحدة، فلسطين وإسرائيل حيث الموقف التقليدي للأولى والاستثمار الاقتصادي للثانية، وبكين دائماً تفتح أبوابها للأصدقاء الفلسطينيين في حوار هادئ لا يضرّ لو استمرّ إلى أجل بعيد.

العاصمة الصينية التي ستستضيف لقاءات ذات مسمّيات عديدة… “موسّعة وصريحة وناضجة” إلى آخر هذه المسمّيات التي دمغت بها مئات اللقاءات السابقة، تعرف جيّداً كلمة سرّ النجاح في هذه المعضلة الطويلة الأمد. وهي ببساطة فلسطينية بامتياز، فالذين تحاوروا في ما يزيد على مليون ساعة، وأصدروا أكثر من ألف ديوان شعر عن مزايا الوحدة ومساوئ الانقسام، وتسابقوا في إظهار الحرص على المصالح العليا للشعب والقضية، صمد انقسامهم أمام حروب إبادة شنّتها إسرائيل عليهم في الضفة وغزة والقدس، وليس آخرها حرب الإبادة التي تكابدها غزة مادّياً وتواجهها الضفة مصيرياً.

الحقيقة التي يدركها كلّ من لا تزال لديه قدرة على متابعة معضلة الانقسام، أنّ العالم كلّه لن ينجح إذا لم ينجح الفلسطينيون أوّلاً، ونجاح الفلسطينيين هو أن يتّفقوا فيما بينهم دون حاجة إلى وسيط أو راعٍ، فما يتعرّضون له يكفي ويزيد.

دون ذلك لا بكين ولا قبلها روسيا ولا قبلهما أو بعدهما كلّ العواصم ستستطيع شيئاً.

أخيراً… الاستثمار في مصالحة الفلسطينيين بضاعة قليلة الكلفة، لكنّها قويّة الصدى، وهذا ما يغري كثيرين بالإفادة منه، وبكين ليست استثناءً في هذه المعادلة.

*المقال نقلًا عن موقع أساس ميديا