رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

زيد الحلي يكتب: جورج قرداحي ... عذرا

نشر
الأمصار

حفل شهر رمضان المبارك الحالي ، بوجود العديد من برامج المسابقات في الفضائيات ، هدفها التشويق وتقديم الهدايا المالية والعينية للمشاركين فيها ، بشكل ترفيهي معتمدة على دور مقدميها في حركة الوجه  بطريقة الإثارة ، وقد حازت تلك البرامج على اعجاب المشاهدين  ، وحققت تفاعلاً ملحوظاً ، وحصدت متابعة واسعة من الجميع ، وعززت روح التنافس بتقديم المعلومة بشكل تحفيزي.
ولستُ هنا بصدد تقييم مستوى تلك البرامج ، إنما اشير الى نقطة احزنتني كثيرا لمستها في احد تلك البرامج ، وهو برنامج ( الملياردير) الذي يقدمه الاعلامي المعروف جورج قرداحي من قناة الرابعة وبرعاية ( كي كارد )  ومع تقديري للهدف الانساني الواضح للبرنامج  المتمثل بتوفير الهدايا المالية للمشاركين من خلال اسئلة بسيطة ، فلم يخرج متسابق في البرنامج إلا بحوزته مليون دينار ، والقلة من وصل الى ٣٠ مليونا .. اما النقطة  المؤلمة التي لمستها على مدار حلقات البرنامج حتى يوم امس ، هو المستوى المتدني في ثقافة المشاركين ، رغم ان البرنامج كما يبدو ، اختص باستضافة  نخبة من المستويات الدراسية المهمة ( بكالوريوس ، ماجستير ، دكتوراه ) للمشاركة فيه ، واظن ان ادارة البرنامج  ارادت من ذلك  تقديم ساعة تلفزيونية ملآى بمعلومات مفيدة بطريقة لطيفة ومميزة تدل على مكانة ووعي تلك "النخب" المجتمعية ،  لكن الذي حدث كان انتكاسة ، حيث تبين ان أولئك  لا يمتلكون المعلومات العامة ، والادهى من ذلك ، ان بعضهم لم يجب على اسئلة بسيطة باختصاص شهادته، وغير متسلحين بالمعارف والمهارات الثقافية البسيطة التي تعينهم على النجاح  في دورة الحياة ،  وقد لمس المشاهد استغراب السيد قرداحي من خلال تعبيرات وجهه ، حيث كانت هذه النخبة تتعثر في اجابات على اسئلة ( بسيطة للغاية)  مثل في  اي بلد يوجد ( ملعب الشعب الدولي ) او ( اين يقع تمثال  شهزراد وشهريار) وأحد المشاركين لم يفرق بين شارع ابي نؤاس وشارع المتنبي ، وغيره توقف كثيرا عند سؤال البرنامج عن مدينة ( نيودلهي) وهل هي عاصمة الهند ! ..الخ .
اما موضوع الاسئلة الثقافية والتاريخية والرياضية ، فالحديث عن اجوبتها ، يدخل في خانة الجهل المطبق ، وحين استذكر برنامج " صندوق السعادة " الذي كان يقدمه المرحوم فخري الزبيدي من تلفزيون بغداد في ستينيات القرن المنصرم ويستضيف بسطاء الناس ، فأنني ادور في ساحة الاستغراب ، واسأل عن حالة الازدراء المعرفي الذي نعيش الان ! 
ان الحالة التي شاهدناها في البرنامج ، هي صورة جهل مركب مراوغ خفي مقنّع بالشهادات والعناوين الزائفة. وتشكل جهل وتجهيل ، وينبغي على الجهات التربوية عندنا ، الادراك  ان الخوف في المستقبل ليس من الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة…. بل الخوف من أمية الأكاديمي الذي ينبغي انه وصل إلى درجة عالية من التعليم والثقافة ..
وهنا اقترح ، واظن ان اقتراحي ، سيواجه بضحكة استهزاء من قبل وزارة التعليم العالي ، لكني اطرحه برغم ذلك ، وهو ان تكون هناك ساعة اجبارية من الوقت ، بين يوم وآخر ، او كل ثلاثة ايام حسب ظروف الاقسام في الكليات الرسمية والاهلية تخصص للقراءة العامة من خلال استعارة كتب حسب رغبة الطالب من مكتبة القسم او الكلية ، وتكون مطالعة حقيقية بأشراف الاساتذة ، فمن المعيب ان يتخرج الطالب من الجامعة ، ولا يعرف بديهيات المعرفة العامة ، ولاسيما البسيطة منها في الثقافة او العلوم الانسانية او الصرفة ، فقطار الحياة يسير بسرعة كبيرة ..
فـ "يا رجال العلم يا ملح البلد *** من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟!

 

نقلا عن صحيفة الزمان الدولية