رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

رائد العزاوي يكتب: في ذكرى انفجار المرفأ.. إذا صاحت بيروت لبت بغداد النداء

نشر
الدكتور رائد العزاوي
الدكتور رائد العزاوي أستاذ العلاقات الدولية

في ذكرى انفجار مرفأ بيروت وفيما قبلها كان حراك الشارعين العراقي واللبناني، يحمل مقاربات كثيرة ومعقدة، فالعراق ولبنان يعانيان من تخندق طائفي سياسي، وكلاهما يعانيان من منظومة سياسية دفعت إلى إفقار البلدين اقتصاديا، ورهنت تلك الطبقة مقدرات العراق ولبنان، بيد دولة ولاية الفقيه عبر أذرع إيران التي استطاعت أن تكن عقبة أمام محاولات الشارعين لاسترداد القرار الوطني، فقد سعت إيران إلى التأكيد على دورها كلاعب رئيسي في المشهدين، توضيح هذا الدور باعتباره ضروريًا لبقاء حزب الله وحركة أمل في لبنان وحزب الدعوة وحركة بدر والعصائب وأذرعها العسكرية التي شكلتها كالميليشيات مسلحة جاهزة لتخويف وإرهاب الشركاء السياسيين في كلا المشهدين، من خلال ما يسمى (سلاح المقاومة) الذي ثبت بأن بنادق هذا السلاح أجهزت على معارضي إيران في البلدين.

 

ولعبت جملة العوامل الجيوسياسية دوراً رئيسياً في مصالح إيران بكل من لبنان والعراق، وخصوصًا في العراق حيث العامل اﻷمني أو الاقتصادي، أو حتى الديني، باعتبار الوجود الشيعي (العربي) فيها منافسٌ رئيسي لمثيله الإيراني، وصراع مدينة قم الإيرانية مع نظيرتها العراقية النجف، مستمرٌ منذ تحوّل إيران الصفوية إلى الشيعية، كأول تمظهر للدولة الشيعية في التاريخ اﻹسلامي خارج العالم العربي.

 

سعت إيران بدأب إلى منع عودة العراق القوي الذي يشكّل لها تهديداً من كافة الوجوه، بعد أن انتصر العراق في حرب الثمان سنوات في القرن الماضي، ثم التدخل اﻷميركي في إسقاط صدام حسين، كانت إيران الرابح اﻷكبر من سقوط النظام عام 2003، والجائزة الكبرى التي حصلت عليها إيران أيام قيادة أوباما التي ضحت بالعراق من أجل تمرير الاتفاق النووي، ورؤية أوباما وفريقه السيء بأن لا حل إلا ببقاء ديمومة (الإسلام السياسي) الشيعي الإيراني أو السني المتمثل بجماعة الإخوان المسلمين.

 

وإذ أدركت طهران أن بغداد فقدت موقعها كعاصمة (سُنية وعروبية)، ولم تعد تشكّل لها تهديداً عسكرياً، كان عليها ضمان بقاء العراق ضمن نفوذها، عبر أصدقائها في السلطة العراقية، من جانب ثان، لعب العراق، بالنسبة لطهران، دور العازل بينها وبين السعودية العدو القريب ومصر العدو البعيد، كمنافسين إقليمين في النطاق العربي، والحاجز اﻷساسي بوجه تصدير (الثورة) إلى دول العالم العربي (السودان وليبيا واليمن بالإضافة إلى بعض دول الخليج العربي).

 

وفي ظل الوضع العام للنظام السياسي العراقي (البرلماني)، فإن إسقاط حكومة عادل عبد المهدي مرت بصعوبة عبر البرلمان بعد أن وقف الجنرال سليماني ضد الاستقالة، ثم نجاح الحراك في دفع البرلمان إلى تغير قانون المفوضية المشرفة على الانتخابات وقانون الانتخابات ذاته، وإن لم يكن في مجمله ملبي لطموحات الشارع الثائر، ومن الواضح أن طهران التي استثمرت الكثير من المال والجهد في العراق، وحولته إلى تابع لها سياسياً واقتصادياً لن تسمح للتشرينين  بخسارة موقع استراتيجي أساسي في سياساتها اﻹقليمية، وأيضا إيران تدفع ولازالت لتجد شخصية سياسية بديلة .

 

لكن اختيار رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، وما قام به من خطوات كبيرة في أحداث توازن واضح لعلاقة العراق بإيران من جهة وعلاقة العراق بالمحيط العربي من جهة أخرى، ومن ثمة خسارة إيران لـ “سليماني” وانكفائها على مشاكلها الداخلية، وانكشاف عورات سلاح المقاومة، الذي اتضح أنه في لبنان عبارة عن سلاح ابتزاز وفي العراق كذلك وفي اليمن وسوريا، ومن ثمة صحوة الشارع الشيعي أربكت صانع القرار في داخل إيران.

 

في لبنان اتهم حلفاء إيران وعلى رأسهم حزب الله الحراك الشعبي، وحذر من أن مطالب إسقاط النظام الحالي ستخلق “فراغاً سيؤدي إلى الانهيار والفوضى”، لذلك لابدّ من إصلاح النظام السياسي من داخله، ولم يؤدي فشل الحريري في تشكيل حكومة إلى إضعاف الاحتجاجات في لبنان بل بالعكس، غير أن مشكلة حزب الله بأن له “دولته الخاصة” التي لا تتشابك في التمويل المالي أو الاقتصادي، مع أي من مؤسسات الحكم اللبناني، فلديه شبكة اتصالاته وتجارته الخاصة، وهذا يعني إجمالاً أن تأثير المتظاهرين سيكون منصباً على نقطة واحدة هي نزع سلاح الحزب، وأيضاً يسعى الحزب عبر شريكه جبران باسيل زعيم التيار الوطني الحر لإعادة حكومة قادرة على الحافظ على مصالحه ومصالح إيران، خصوصًا عقب اختيار حسان دياب الذي سيحاول ضمان عدم تفكيك دولة حزب الله وحلفائها، غير أن اللاعب الأهم وهو الشارع اللبناني ما يزال صوته الأعلى وصداه في بغداد، والعكس صحيح فإذا صرخ المتظاهرون في بغداد “إيران بره بره” يعني ذلك “بيروت تبقى حرة”.