رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

أدهم إبراهيم يكتب: الإسلام السياسي والتدين الشكلي 

نشر
الأمصار

تم الترويج للدين السياسي بشكله الحالي بعد الاحتلال  الامريكي للعراق عام 2003  ، وبدعم  من بعض الانظمة الاقليمية، برزت احزاب وجماعات طائفية ومتطرفة، ليس في العراق حسب بل في المنطقة العربية كلها، وجاء تسييس الدين في سياق سلبي لتنفيذ مآرب واطماع سياسية داخلية وخارجية. 

وقد تسبب ذلك في تمزيق نسيج المجتمعات العربية وتفتيت وحدتها بالتأكيد على النعرات الطائفية والمذهبية وبالتالي تخريب البلدان لتسهيل السيطرة عليها ، ونهب ثرواتها وتنفيذ مخططات استعمارية بوجه جديد من خلال وكلاء محليين محميين بشعارات ومقدسات زائفة.

وقد حقق الإسلام السياسي طموحات المهووسين والطامعين بالسلطة والثروة على حساب جموع الشعوب المظلومة والمضطهدة ، فتم تشويه الاسلام كدين هداية ورحمة ، وقدمه بوجه طائفي او جهوي متطرف هدفه القفز على السلطة ، ووسيلته القتل والتغييب وارهاب معارضيه .

ولضمان استمراره في الهيمنة ، ونهب الثروات ، عمل الاسلام السياسي على اخضاع الجمهور لمنظومات غوغائية تركز على الشكليات والطقوس الدينية كبديل عن روح الدين وجوهره ، واستطاع تحشيد قطاعات واسعة تؤمن بالخزعبلات والخرافات من خلال الفتاوى المشبوهة والمنابر ، والفضائيات ، ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة .

ومن هنا برزت ظاهرة شيوع الايمان الشكلي في اغلب الدول العربية والاسلامية .

ان التركيز على الشكليات والمبالغة بالطقوس الكثيرة على حساب الجوهر ، قد غيب عقول كثير من الناس وابعدهم عن مصالحهم وجردهم من هويتهم الوطنية وكرامتهم .

فاصبح شيوع الإيمان الشكلي عند العرب والمسلمين المعاصرين ظاهرة مقلقة ، ويعد من أهم التحديات التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية في العصر الحديث. حيث يزداد عدد المسلمين الذين يمارسون شعائر الدين دون وعي حقيقي بجوهرها أو إيمان راسخ بمعناها .

يعرّف الإيمان الشكلي بكونه إيمانًا سطحيًا لا يتجاوز حدود المظاهر الخارجية، مثل أداء العبادات والشعائر والطقوص دون فهم عميق لمعانيها أو شعور روحي حقيقي. ويُظهر صاحب هذا الإيمان التزامًا شكليًا وظاهريا بالدين دون أن يتغلغل في حياته اليومية أو يؤثر على سلوكه وممارساته داخل محيطه الاسري والمهني والاجتماعي .

يعكس انتشار الإيمان الشكلي نطاقًا واسعًا من التعامل مع الخرافات والطقوس  الدينية والمناسبات الاستعراضية المتزايدة . حتى شكل الالتزام بها عند البعض حجر الزاوية في هويتهم وحياتهم الى درجة التعصب والغلو . 
 غالبًا ما يعطي هؤلاء الأفراد الأولوية للطقوس والشعائر التي يعتبرونها جزء من الدين ، وماهي منه .

ومن الأسباب التي ساعدت على الالتزام بهذه الممارسات الشكلية على حساب جوهر الدين ، كثرة الفتن والتحديات، مثل الحروب والفقر والفساد، مما يُؤدّي إلى شعور بعض المسلمين باليأس والابتعاد عن الدين الحقيقي .

وكذلك  انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي ساهمت في نشر أفكار خاطئة عن الإسلام، مما يُؤثّر على إيمان بعض المسلمين ويجعلهم أكثر عرضة للإيمان الشكلي .

اضافة الى غياب القدوة الحسنة، حيث لا يرى الكثير من المسلمين نماذج حية تجسد قيم الإسلام الحقيقية ، وخصوصا من النخب السياسية او الشخصيات الفاعلة في المجتمع المدني .

وعلى العكس من ذلك، تتبنى شريحة مثقفة من المسلمين نهجًا أكثر مرونة في ممارسة الشعائر الدينية، ودمج عناصر التقاليد مع النظرة الشخصية والقيم المعاصرة.  ويتجلى هذا الاتجاه بشكل خاص بين الأجيال الشابة التي نشأت في مجتمعات مفتوحة ، حيث يمنحون الأولوية للسلوك الأخلاقي والعدالة الاجتماعية والروحانية الشخصية على الالتزام الصارم بالطقوس والممارسات الدينية .

ان إلهاء الناس المساكين والمغفلين والجهلة بممارسة وخرافات وطقوس ما أنزل الله بها من سلطان , يهدف الى صرف الانظار عن الاهتمام بالقضايا الأساسية لهم ، كالمطالبة بحقوقهم المشروعة وبالمساواة والعدالة ، وحرية التعبير ، وإبداء الرأي في القضايا العامة ... وابعادهم عن ادراك حجم السلب والنهب المنظم ، والتسلط الظالم .

 ان التدين الشكلي والمظهري يسبب ازدواجية الشخصية ، ويشكل خطرا داهما للمجتمعات ، حيث يعتبر حاضنة للعنف ،ويتسبب في مشاكل نفسية متعددة ، اضافة الى الانحلال الاخلاقي .
كما انه يتنافى مع السلوك الانساني السليم ، والمصالحة مع النفس ، ويؤدي الى التطرف والمغالاة ، بعيدا روح التسامح وتقبل الغير ، ويدفع الى العنف الفكري والسلوكي الذي يعد من اهم اسباب خراب المجتمعات والدول .

واخيرا ، فإن ظاهرة الإيمان الشكلي تُعد ظاهرة خطيرة يجب معالجتها بشكلٍ جذري، من خلال تعزيز التربية الدينية السليمة ، ونشر الوعي بقيم الاسلام الحقيقية وتوفير القدوة الحسنة بعيدا عن الخزعبلات والتزييف .