رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

عميد ركن يعرب صخر يكتب: مغالطات [ نقطة التحول]

نشر
الأمصار

عندما نستمع لبعض المحللين على قنوات فضائية محددة عن مجريات المعارك وتقلبات مشاهدها وتوالي أحداثها في غزة، وتفسير مآلاتها ومعاني مؤدياتها.. صرنا نراجع أنفسنا في ما عرفناه ونشك في علوم وأصول ما علمناه ودرسناه وخبرناه.

لا أدري في هذا المحلل المفوه بليغ التعبير شديد التأثير، أيقول ما يراه أم ما يتمناه؟ المحلل عندما يتكلم بالمثالية يخطيء، وعندما يتكلم بالواقعية يصيب حتى وإن أخطأ، ذلك لأنه احترم الحقيقة. وأنا للأمانة أتمنى ما يتمناه، لكن واقع الحال في غير الأماني والأقوال.

سبق لي أن فندت في مقال سابق تعبير فريد لهذا المحلل: [المسافة الصفرية] وبينت أنه تعبير خاطيء بشرحي المهني والتقني أنه [القتال المتقارب]؛ ذلك أن المسافة الصفرية هي تقليدية بدائية تتناسب فقط مع المحاربين بالسيف والترس، أي حروب الجيل الأول البائدة. ومعها بذات المقال، كنت قد عددت مقاييس الربح والخسارة.

اما الآن؛ فهناك نقطة تعرض لها هذا المحلل سأتناولها بالواقعية والتجرد، وهي [نقطة التحول] التي أخطأ بها خطأ" كبيرا"؛ حيث شرح أن انسحاب بعض القوى الإسرائيلية من بعض النقاط هنا أو هناك هو نقطة تحول لصالح حماس، فسرها بعدم قدرة القوات المهاجمة (الإسرائيلية) على الاستمرار. وذهب به الإنفصال عن الواقع أن يغالي ويزيد، أنه نقطة تحول على المستويات الإستراتيجية والعملياتية والتكتية.

١- "استراتيجيًا": العمق البري بخطوط الإمداد واللوجستية وتوزع وانتشار القوى وتشابكها وتناغمها مع قوى البحر والجو ضمن خطة عسكرية إسرائيلية  شاملة، لا تزال فعالة ومؤثرة. وزد عليها استراتيجية التحييد والردع في الشمال مع لبنان وسوريا، ما يدل على استراتيجية عامة معدة لكل الجبهات. فالعدو اذا كان مأزوما" لا يفتح جبهات أخرى، ونراه على العكس كيف يضرب يوميا" هنا وهناك. إذا أين نقطة التحول؟

٢- "عملياتيًا": غزة أصبحت غزتين بعد أن استمكن العدو في شمالها وفصلها عن جنوبها، ويتغلغل في جيوب محددة وانتقائية ويأخذ وقته. يفشل احيانا" وينجح احيانا"، ومن فشله في الأولى ياخذ الدرس للثانية. خسارته للآليات والمعدات والأرواح صحيح، لكنه ليس خسارة المعركة، وهذا من بديهيات المعارك المخاضة ما بين جيش نظامي وقوى مقاومة لا متماثلة Non state actors غير مقيدة بأسس تنظيم ونظام قتال. وللعلم مهما فقد الإسرائيلي من عتاد وسلاح فترسانته ضخمة و الأميركي داعمه بكل الأشكال والأنواع. وللعلم أيضا"؛ بالمفهوم القتالي العملياتي، لا 'يعتد بخسارة الأرواح إلا إذا تعدت ١٠% من العديد المنضوي مباشرة" في القتال. وللأسف لم تتخط هذه النسبة عند الاسرائيلي ٣% تقريبا" حتى الآن.. فأين نقطة التحول؟

٣- "تكتيًا"؛ وهنا فصل الخطاب، فأنا كمهاجم إذا تقدمت نحو نقطة وتراجعت عنها بعد خسارة أرواح ومعدات، لا يعني أنني توقفت، بل اعد العدة لهجوم ثاني وثالث.. لأني استطلعت هذه البقعة مسبقا" بالنار، وبت عارفا" بحاميتها وطبيعتها وحجمها ومداخلها ومخارجها ونقاط قوتها ونقاط ضعفها.. وهذا إسمه قتال تراجعي تكتيكي سبقه استطلاع تحضيرا" لهجوم أكثر فاعلية، أريح قبله الجنود وأطبب بالإصابات وأقيم خطة المرحلة واستبدل الجنود إذا لزم. إذا لا وجود لما يسمى نقطة تحول، ولا تصح إلا عندما يصبح المدافع مهاجما" والمهاجم يكون قد أقلع كليا" عن فكرة الهجوم.. وهذا ما لا نراه.

بالمقابل؛ لا حاجة لنا في سرد خسائر المدافعين والمكان والبنية التحتية في غزة، وهي تدمي القلوب، مهولة قاسية كبيرة و ماثلة للعيان.

فكيف تحدثوني عن نقطة تحول أراها نقطة تطور لصالح العدو علينا وليست لنا؟ وإلى متى نبقى نغتال الحقيقة ونبني على التهيؤات والخرافات؟