رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: هل تغيرت معادلة الحرب والسلام في اليمن؟

نشر
الأمصار

ضرب المنطقة زلزال سياسي وجغرافي في 2011 لتزرع أحلاما جديدة بالحرية انطلقت شرارتها من تونس لم يتوقع أحد حدوثها وعدد من الحكومات لم تتمكن من التعامل مع هذا الزلزال والذي شمل تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا استثمرتها جماعات تابعة لمشروعين في المنطقة، ولم تتمكن بعض الحكومات من التعامل مع هذا الزلزال كما في سوريا وليبيا بشكل خاص لكن السعودية استطاعت حماية البحرين وإنقاذ مصر بدعم الجيش والشعب المصري في ثورته في 2013.

عجز علي عبد الله صالح في إدارة الثورة في اليمن واستعان بالسعودية، واستجابت لرغبات الشعب اليمني ونجحت في نقل السلطة عبر مبادرة خليجية إلى حكومة جديدة يحتفظ فيها علي عبد الله صالح بصلاحية تعيين 50 في المائة من الوزراء وتمنحه حصانة كاملة من الملاحقة القضائية إلى جانب دعوة إلى حوار وطني بين القوى السياسية الرئيسية في اليمن، بدأت أولى جلساته في 18 مارس 2013 بالعاصمة صنعاء استمر لمدة عشرة أشهر حتى 25 يناير 2014 بعد ثورة استمرت لمدة عام، خلص الحوار إلى إعادة هيكلة البرلمان ومجلس الشورى لتكون مناصفة بين الشماليين والجنوبيين، وفي حل قضية صعدة دعت الوثيقة لحظر وجود مليشيات مسلحة، وتسليم الأسلحة للدولة وبسط نفوذها على كافة اليمن، واتفق الأعضاء على أن تكون اليمن دولة اتحادية من 6 أقاليم وهي: إقليم حضرموت، وإقليم عدن جنوبا، وإقليم الجند، وإقليم تهامة، وإقليم آزال، وإقليم سبأ شمالا، وعلى أن تكون صنعاء وعدن لها وضع خاص وغير خاضعة لسلطة أو إقليم.

لكن الحوثيون اعترضوا طريق أحمد عوض بن مبارك بعدما انتهت مسودة الدستور ويريد تسليمها للحكومة الشرعية تم خطفه في 17 يناير 2015 بعدما استولى الحوثيون على صنعاء في 21 سبتمبر 2014 وتم اقتحام مقر الفرقة الأولى مدرع التي يقودها علي محسن الأحمر وسيطرو اعلى مؤسسات أمنية ومعسكرات ووزارات دون مقاومة من الأمن والجيش.

تدخلت السعودية في مارس 2015 دعما للشرعية ووقف التدخل الإيراني الداعم للحوثيين لأنها لن تقبل بفرض إيران واقع جيوسياسي جديد في المنطقة يحمل في طياته معادلة جيوسياسية جديدة للنفوذ الإيراني في اليمن يقابله نفوذ جيوسياسي تركي في قطر، فتصبح السعودية محاصرة من مشروعين مدعومين من الولايات المتحدة والغرب، هما ولاية الفقيه والعثمانية الجديدة التي تبنت الخلافة الإسلامية عبر أتباعها في المنطقة، خصوصا بعدما استطاعت السعودية إيقاف المشروعين في البحرين ومصر، مما يخلق اختلال في موازين الأمن الإقليمي.

ولم تدخل السعودية اليمن إلا لدعم الشرعية وتحييد إيران،وبعد شهرين من الدخول أعلنت السعودية عن هدنة إنسانية في 12 مايو 2015 لمدة خمسة أيام لتثبت للعالم أنها لم تدخل سوى لدعم الشرعية بعدما انقلب الحوثي على الحكومة الشرعية بدعم قوات علي عبد الله صالح والتدخل الإيراني، ورست سفن في أربعة موانئ يمنية الحديدة وعدن والمكلا والمخا، إضافة إلى دخول 18 قاطرة من منفذ الوديعة محملة بالمواد الغذائية والطبية، لكن بسبب تعنت الحوثي في تعز والضالع وعلى الحدود السعودية لم تتمكن السعودية من تمديد الهدنة، كذلك في يونيو أعلنت الأمم المتحدة عن مفاوضات مباشرة بين الحكومة الشرعية والحوثي في جنيف استدعى وقف النار لكن سرعان ما انهارت المحاولة بانهيار الطاولة بعدما اشترط الحوثي التحاور مع السعودية بشكل مباشر في حين اشترطت الشرعية أن يكون قرار مجلس الأمن 2216 مرجعا أساسيا للمفاوضات.

كذلك احتضنت الكويت أولى محاولات المفاوضات خارج اليمن بين الجانبين في عام 2016 لكن تخلف الحوثي عن الحضور بالتنسيق مع علي عبد الله صالح حول أولويات نقاط القرار الخمس التي تتعلق بالتوقف عن اتخاذ أي قرار عسكري يقوض عملية السلام، وسحب القوات العسكرية الحوثية التي دخلت صنعاء 2014، والالتزام بالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني ومن ثم الانخراط في عملية سياسية برعاية مجلس التعاون الخليجي في الرياض، لكن الحوثي طلب تنفيذ الشق السياسي قبل سحب قواته من صنعاء مما عجل بانهيار المفاوضات والهدنة.

كان سبب الأزمة علي عبد الله صالح الذي تحالف مع الحوثي ومكنهم من دخول صنعاء في صيف 2014 ظنا منه انه يستعيد حكمه، لكن ما حدث العكس استفاد الحوثي من الأسلحة التي يسيطر عليها إلى أن تم التخلص منه بعدما أعلن عن فض تحالفه مع الحوثي فاتجه الحوثي إلى تفجير منزل علي عبد الله صالح في 4 ديسمبر 2017 مما أسفر عن مقتله.

بعد عامين عندما أرادت الشرعية من تحرير الحديدة تدخل المجتمع الدولي واستبدل هذا التحرير باتفاق استكهولم في ديسمبر 2018 نتج عنه اتفاق لإنقاذ الحوثي وتجميد جبهة الحديدة وأصبحت ساحة تهريب للحوثيين، وحدثت هدنة في أبريل 2020 عندما انتشرت جائحة كورونا، وهدنة أخرى في مارس 2021.

هذا يثبت أن السعودية لم تدخل اليمن سوى دعم الشرعية وحاولت حل الأزمة اليمنية بكافة السبل الممكنة لكنها واجهت المجتمع الدولي الذي يرفض دحر الحوثيين الذين انقلبوا على الشرعية، ورفعهم بايدن من قائمة الإرهاب، ضمن مسار ابتزاز السعودية للحصول على تنازلات سياسية في عدد من الملفات العالقة بين الجانبين، رغم ذلك يرفض الحوثي الجلوس على طاولة المفاوضات مع الشرعية ويصر على أن السعودية طرف، بينما الطرف الآخر هي الشرعية اليمنية.

زاد الأزمة اليمينة تفاقما عندما قرر الانتقالي الجنوبي السيطرة على العاصمة المؤقتة عدن لتدخل في اقتتال مع الحكومة الشرعية لكن استجاب الانفصاليون لدعوة التحالف لوقف النار فورا بعدما هددت السعودية استخدام القوة العسكرية لفرض وقف فوري لإطلاق النار إذا لم يستجيب الجانبين، لكن المجلس الانتقالي الجنوبي أصدر بيانا حدد فيه موقفه المرحب بالمبادرة السعودية للسلام التي أعلنت في مارس 2021 في إطار دعمه الدائم لكل جهود السلام.

نزعت السعودية أكثر من نصف مليون لغم منذ عام 2018، وبلغ حجم مساعداتها للشعب اليمني حاجز 17.3 مليار دولار، منها 3.5 مليار قدمت عبر مركز الملك سلمان للإغاثة، هذا الانفاق الكبير من أجل دعم الشعب اليمني وأن الدعم ليس مقتصر فقط على السياسيين بل يهدف هذا الدعم تخفيف المعاناة عن الشعب اليمني ويلبي احتياجاتهم.
بعد زيارة وفد الحوثي الرياض بوساطة عمانية ولقائهم وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان في 20/9/2023 بشأن السلام في اليمن والتوصل إلى خارطة طريق لدعم مسار السلام في اليمن، وحرص السعودية على الوقوف مع اليمن وشعبه، وحرصها الدائم على تشجيع الأطراف اليمينة للجلوس على طاولة الحوار، للتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم في اليمن تحت إشراف الأمم المتحدة، رحب بذلك مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ عن ترحيبه بزيارة وفد الحوثي إلى الرياض لإنهاء الصراع الدائم منذ 8 سنوات بعد 5 أشهر على زيارة وفد سعودي إلى صنعاء لبحث عملية السلام.

ينظر البعض إلى أن استعراض الحوثي العسكري في صنعاء في ذكرى انقلابهم التاسع يبعث برسائل متناقضة لكنها إلى الداخل قبل الخارج من أنهم قوة ردع خاصة بهم بعد لقائهم وزير الدفاع السعودي وانتهاء الحرب، وهو ما يمثل أيضا اعترافهم الضمني بالرياض وسيطا وليس طرفا كما كانوا يصرون على ذلك، مع إعلان إسدال الستار عن التحالف والشراكة التي جمعتهم مع المؤتمر الشعبي العام تحت ضغط الحرب ومقتضياتها السياسية، يظنون انهم قطفوا ثمار مغامراتهم السياسية واستطاعوا تحييد السعودية وأنهم خرجوا منتصرين بعد تحويل الحرب إلى حرب داخلية، ظنا منهم أن السعودية ستتخلى عن الشرعية، لكنهم لا يعترفون أنهم خسروا أوراقا كثيرة داخليا وخارجيا،ولم تعد إيران تدعم الحوثي، ولم تعد تواصل تهريب لهم الأسلحة، كذلك الداخل سيتخلى عن الحوثيين لأنهم أمام تحد كبير على الصعيد الداخلي خصوصا في مناطق سيطرتهم على الصعيد الاقتصادي والمعيشي والخدمي بعدما كانوا يبررون أنهم مشغولون بالحرب ستضغط عليهم تلقائيا الجلوس على طاولة المفاوضات لأن أي حرب يمنية يمنية لن تتدخل القوى الإقليمية ولم تعد تسخدمهم القوى الدولية ورقة كما كان في السابق، وسيفقد الحوثي مشروعية حربه كما كان يدعي سابقا، لأن الدول الإقليمية ستكون دول وسيطة فقط لرأب الصدع بين الأطراف اليمنية، أي أن معادلة الحرب والسلام في المنطقة اختلفت.