رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

بين "القبة الحرارية" و"النينو".. الدول العربية مازالت تعاني من أضرار التغير المناخي

نشر
الأمصار

يشهد العالم في الآونة الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة، وذلك نتيجةً لتغير المناخ الذي أصبح من أهم القضايا التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين.

و تتسبب درجات الحرارة المرتفعة في العديد من المشكلات الصحية والاقتصادية والبيئية، والتي تؤثر على جميع دول العالم، ولكن بشكل خاص على دول العالم العربي التي تقع في منطقة ذات مناخ جاف وحار.

وفي هذه الأيام تشهد الدول العربية موجة ملتهبة عرفت بـ"القبة الحرارية"، لكن تظل الدول الأكثر تأثراً بها بلاد الشام والعراق ومصر وشمال السعودية.

حيث  يتساءلون عن سبب ارتفاع الحرارة إلى هذا الحد، وهل تعمل الدول على وضع خطط واتخاذ إجراءات للتقليل من هذه الحرارة والتأقلم معها؟

 

ما هي القبة الحرارية

القبة الحرارية هي امتداد إلى مرتفع جوي في طبقات الجو العليا، على ارتفاع خمسة كيلومترات عن سطح الأرض، وإحدى هذه الطبقات تعرف بـ"الستراتوسفير"، وتكون درجات الحرارة فيها متدنية على عكس طبقة الجو الدنيا والمعروفة بـ"التروبوسفير" ودرجات حرارتها مرتفعة، والفرق الحراري بين الطبقتين يؤدي إلى تشكل هذه الموجة من منطقة الضغط العالي.

وفق هذه الظاهرة الجوية يصعد الهواء الساخن من الأسفل إلى الأعلى فيصطدم بمنطقة الضغط الجوي العالي ويبقى فيها، ولأن الشمس تزيد من سخونته تدفعه منطقة الضغط الجو العالي للأسفل وعندها يتعرض لضغط أكبر ويصغر أكثر مما يزيده سخونة وكثافة.

ظاهرة النينو

وذلك بالإضافة إلى ظاهرة النينو، التي قالت عنها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، "إن ظروف النينو تطورت في المناطق الاستوائية بالمحيط الهادئ للمرة الأولى منذ سبع سنوات، لتمهد الطريق لحدوث ارتفاع محتمل في درجات الحرارة العالمية وأنماط الطقس والمناخ المضطربة".

وتحدث ظاهرة النينو في المتوسط كل سنتين إلى سبع سنوات، وتستمر النوبات عادة من تسعة إلى 12 شهراً، وهي نمط مناخي يحدث بشكل طبيعي ويقترن بارتفاع درجات حرارة سطح المحيط في وسط وشرق المناطق الاستوائية بالمحيط الهادئ، ولكنه يحدث في سياق تغير مناخي ناجم عن الأنشطة البشرية.
 

 

تأثير درجات الحرارة المرتفعة على الصحة

ويتأثر الجو حيث تتسبب درجات الحرارة المرتفعة في العديد من المشكلات الصحية، والتي قد تكون خفيفة أو شديدة، ومن أبرزها:

 الإجهاد الحراري
 ضربة الشمس
 الجفاف
 الحروق الشمسية

 أمراض الجهاز التنفسي

 أمراض القلب والأوعية الدموية
 الموت

 

تأثير درجات الحرارة المرتفعة على الاقتصاد

تتسبب درجات الحرارة المرتفعة في العديد من المشكلات الاقتصادية، والتي قد تؤدي إلى خسائر كبيرة في الإنتاج والصادرات، ومن أبرزها:

 تقليل الإنتاج الزراعي
تلف المحاصيل
انخفاض الإنتاج الحيواني
زيادة الأعباء على قطاع الطاقة
تعطيل حركة النقل
زيادة الطلب على الرعاية الصحية

تأثير درجات الحرارة المرتفعة على البيئة

تتسبب درجات الحرارة المرتفعة في العديد من المشكلات البيئية، والتي قد تؤدي إلى تدهور جودة الهواء والماء والتربة، ومن أبرزها:

 تفاقم ظاهرة التصحر
 انقراض النباتات والحيوانات
 زيادة انتشار الأوبئة
 تلوث الهواء والماء والتربة

إجراءات دول العالم العربي

و في الدول العربية فتعمل بعضها وبخاصة المقتدرة منها مالياً كدول الخليج العربي على زراعة أرض الصحراء عبر تقنيات حديثة، فبعضها ينجح والآخر لا يكتب له النجاح في وسط هذه الظروف.

في ظل هذه الموجات تعمل كل حكومة عربية منفردة على اتخاذ بعض الإجراءات للحد من تأثير الحرارة في المواطنين والمزروعات والحيوانات، وتعد كل هذه الإجراءات آنية ولحظية ولا تكفي في ظل معلومات تنبئ بمزيد من الحرارة عبر السنوات المقبلة، فالأمر يحتاج إلى خطط واضحة ومستدامة تعمل على حل المشكلة بشكل جذري.

فمثلاً يرفع الأردن الحصص المائية لمواطنيه للشرب وإرواء الأرض والحيوانات. وذكرت وكالة الأنباء الأردنية أن وزارة الصحة وجهت مديري الصحة والمستشفيات لاتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية اللازمة لرفع الجاهزية والاستعداد للتعامل مع أي حالات مرضية قد تنتج من ارتفاع درجات الحرارة، وبشكل خاص أقسام الإسعاف والطوارئ، مشددة على وجوب حفظ الأغذية والأشربة مبردة.

بينما في العراق الذي تزداد فيه موجة الحر بسبب جفاف نهري دجلة والفرات وحرمانه من مياهه التي تروي أراضيه، فمع ارتفاع درجات الحرارة يحصل الموظفون على إجازة ويطلب منهم البقاء في منازلهم، وبخاصة الفئات الأضعف مثل كبار السن داخل المنازل وأيضاً يوصى المواطنين بوضع أوعية مليئة بالماء تحت الأشجار لكي تشرب الطيور والحيوانات.

يعمل المواطن العراقي على الاستعداد الجيد بتأمين "المراوح وأجهزة التكييف"، ويقوم بإغلاق الطابق العلوي في منزله خلال موجات الحر.

وفي مصر وجهت اللجان المتخصصة بالثروة الزراعية مجموعة من التوصيات، ومن أهمها تقريب فترات الري للمحاصيل، وإضافة مركبات البوتاسيوم مع الري أو "رش بعض المحاصيل الحقلية وبعض المركبات الكيماوية مثل سيليكات البوتاسيوم أو سيليكات الألمنيوم أو مادة بيورشيد وهي من كربونات الكالسيوم العضوية فكل ذلك يعمل على انعكاس الحرارة وخفض معدل النتح".

لبنان كذلك يواجه تحديات جراء موجات الحر والجفاف، مما أثر بشكل كبير في أمنه المائي والغذائي، فقد قالت مصلحة الأرصاد الجوية "إن درجات الحرارة الحالية اعتيادية، حيث تصل في الساحل إلى 38 درجة وتتخطى الـ40 درجة في البقاع، والناس يشعرون بالحرارة لعدم توفر وسائل التبريد التي اعتادوا عليها، وهذا الاعتدال بالحرارة سببه وجود سلسلتين جبليتين، كما أن البلد بجوار البحر وإليه يصل تيارات شمالية وشمالية غربية وليس من الجنوب شبه الصحراوي".

توصيات منظمة الصحة

تقول منظمة الصحة العالمية إن "ارتفاع درجة حرارة الجسم جراء التعرض لمحيط تتجاوز درجة حرارته المعدلات الطبيعية يؤثر بالسلب في قدرة الجسم على ضبط درجة الحرارة الداخلية مما يمكن أن يسفر عنه مجموعة من الأمراض، منها التشنجات والإجهاد وضربة الشمس وسخونة البدن".

وباعتبارنا كائنات ذات معدلات حرارة ثابتة فإن أجسامنا تحارب من أجل الحفاظ على درجة الحرارة الداخلية حول 37 درجة سيليزية، فعندما ترتفع درجة حرارة المحيط فإن الجسم يحاول أن يفقد الحرارة، وتساعد آلية التعرق في خفض درجة حرارة الجسم، لكن جدوى ذلك تقل بشكل ملحوظ إذا ظلت درجة حرارة المحيط كما هي أو كانت أعلى من درجة حرارة الجلد.

تشكل درجات الحرارة فوق 37 سيليزية خطورة، وفي الأيام التي تزيد فيها درجات الحرارة على 30 درجة سيليزية، ينبغي اتخاذ تدابير وقائية، وتلعب الرطوبة دوراً. ففي ظل ارتفاع معدل الرطوبة يتعذر إفراز العرق ومن ثم خفض درجة حرارة الجسم، ويمكن أن يموت الناس في غضون ساعات قلائل إذا تخطت درجات حرارة المحيط حاجز 38 إلى 42 درجة في ظل معدلات رطوبة مرتفعة، وفشل الجسم في التكيف مع تلك الظروف.

دفع هذا منظمة الصحة العالمية إلى وضع توصيات تستهدف الحد من ارتفاع درجات الحرارة، وكذلك تقليص كمية الوقت المقضي في أنشطة خارج المنزل تحت الشمس مباشرة، والمطالبة باستهلاك كميات كبيرة من المياه والحصول على فترات راحة متقطعة، كما أوصت بتجنب الحرارة والبقاء بعيداً من الشمس وعدم التعرض لها بين الحادية عشرة صباحاً والثالثة مساء.

وطالبت بالمحافظة على درجات حرارة الغرف منخفضة عبر استخدام المظلات أو عبر الاستعانة بمواد عاكسة خارج النوافذ، وغسل الجسد بماء بارد، إضافة إلى شرب كمية كبيرة من السوائل وتجنب الإفراط في الكحول، وكذلك ملابس واسعة وخفيفة وقبعة ونظارات شمسية إذا كان الشخص ينوي الخروج من المنزل، كما طالبت الناس بالسؤال عن بعضها فهناك ممن قد لا يكون في مقدورهم العناية بأنفسهم.

عصر الغليان العالمى

من جانبه، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، من أن الأرض باتت الآن في عصر الغليان العالمي، لقد انتهى عصر الاحترار المناخي العالمي، فى الوقت الذى أكد فيه العلماء أن يوليو الحالي أكثر الشهور المسجلة سخونة على الإطلاق، حيث ضربت تداعيات موجة حر فاقمها الاحترار المناخي العالمي أجزاء من أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية هذا الشهر، إضافة إلى حرائق غابات أتت على مساحات من كندا وجنوب أوروبا.