رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

ندوة دولية في المغرب توصي بقيم الوسطية لتحقيق التنمية في إفريقيا

نشر
الأمصار

أجمعت العروض التي قدمها العلماء المفتون الحاضرون في المغرب في الندوة العلمية الدولية التي تناولت موضوع “ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي والمناقشات التي أعقبتها على جعل مضمون الرسالة الملكية السامية بمثابة خريطة طريق للعمل مستقبلا في خدمة الإفتاء الشرعي المنضبط، ولا سيما ما جاء فيها بخصوص التوجيهات الآتية:

التزام مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة الدائم بالأهداف التي رسمها لها مؤسسها الملك محمد الساس حفظه الله، وعلى رأسها توحيد وتنسيق جهود العلماء المسلمين من المغرب وباقي البلدان الإفريقية الإسلامية للتعريف بقيم الإسلام السمحة ونشرها وترسيخها”.

وأوصت هذه الندوة، التي نظمتها بمدينة مراكش مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، بالقيام بمبادرات من شأنها تفعيل قيم الوسطية والاعتدال والاجتهاد في كل إصلاح تتوقف عليه عملية التنمية في إفريقيا واستيعاب التراث الغني المتمثل فيما رسخه السلف الصالح عبر القرون من الروابط المتينة ومتعددة الأبعاد بين المملكة المغربية وبلدان إفريقيا والتواصل بين إمارة المؤمنين بالمغرب وبين مشيخات طرق التصوف في البلدان الإفريقية الذي امتد عبر قرون ولا يزال.


ومن توصيات هذا اللقاء العلمي، الذي اختتمت أشغاله اليوم الاثنين، أن المسؤولية التي يتحملها علماء الدين على الدوام مسؤولية عظمى وقد ازدادت أهميتها وخطورتها في هذا العصر، وهي أمانة جسيمة أمام الله وإزاء الناس الذين ينظرون إلى العلماء على أنهم المرجعية الوثقى في تبليغ دين الله أولا، وفي حسن تنزيل مقاصده على أحوال الناس ثانيا وأن العلماء مطالبون بالتأثير الإيجابي في الناس بأن يبينوا لهم محاسن الوسطية والاعتدال وأن يقوموا مقابل ذلك بنفي التأثير السلبي للأصناف المتطرفة الجاهلة في عقول الأبرياء، لاسيما أن هؤلاء المنحرفين يدرجون جل كلامهم عن الدين في صنف الإفتاء والفتوى لما لها من القدسية في أذهان الناس.

وأكد العلماء المفتون الحاضرون في الندوة العلمية الدولية على ضرورة إنشاء إطار مؤسسي للتواصل بين العلماء والفقهاء والمفتين لمواكبة التحديات المستجدة المرتبطة بتطور الحياة الاجتماعية والحضارية، والتمييز بين الفتوى التي تمت مأسستها في هيئة علمية مختصة تفتي في الأمور ذات الصلة بالحياة العامة وبين ما يقوم به العلماء كأشخاص بإرشاد الناس وبيان الأحكام الدينية المقررة؛ وهو ما ينبغي الأخذ به في كل بلد من البلدان الإفريقية، وهو جعل الفتوى في الشأن العام موكولة لمؤسسة جماعية من العلماء العدول الوسطيين الذين يلتزمون بثوابت بلدهم ومذهبهم الشرعي وبإدماج الواقع المعيش في الدين الذي ابتكر فيه علماء المملكة المغربية مفهوم ما جرى به العمل، ومعناه مراعاة الممارسات الثقافية الفضلى للناس وعدد من عوائدهم الاجتماعية ومصالحهم الدنيوية المنسجمة مع توجيهات الدين.

وخلصت المداخلات والمناقشات إلى أهمية تبادل الأنظار، لا سيما فيما يتعلق بفقه الواقع وتدوين نتائج البحوث في مختلف أنواع الحوامل الإلكترونية المتاحة، والاستعانة بالخبراء من خارج الاختصاص في العلوم الشرعية؛ وإشراك النساء العالمات في كل جوانب هذه المبادرة المتعلقة بضبط الفتوى وغيرها، لأن النساء في ديننا شقائق الرجال؛ واستغلال حسنات التواصل لضمان الاستمرار في التداول حول موضوع الندوة، ولتبادل التجارب بين البلدان الإفريقية، مع الاحتفاظ بحق كل بلد في مراعاة خصوصياته.

وفي ختام البيان الختامي لأشغال الندوة نفسها، توجهت مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بنداء أخوة وتراحم إلى كل المتدخلين من خارج إفريقيا في الشأن الديني لبلدان هذه القارة حتى يكفوا عن التأثير على العقيدة التي اختارها الأفارقة بفطرتهم، وهم أحرص الناس على التحقق بتوحيد الله على أساس اجتهادات كبار علماء السنة، وكذا الكف عن التأثير على المذاهب الفقهية السنية التي شكلت عبر القرون ثوابت الممارسة الدينية عند أهل البلدان الإفريقية؛ فإن فَعَلَ هؤلاء المتدخلون ذلك نجوا وأنجوا من الفتنة التي أمر الله تعالى المؤمنين المخلصين باتقائها، ونحن نرى في عصرنا ما يجره هذا التأثير على المسلمين الذين هم أحوج ما يكونون إلى السلم واليقين وإظهار الإسلام على ما ينبغي أمام العالم. والداعي إلى هذا النداء الأخوي هو أن الإفتاء على الثوابت السنية للأفارقة قد عانى من التدخل الذي جر بعض أبناء هذه البلدان إلى التطرف والإرهاب وإراقة دماء الأبرياء.

يذكر أن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة أعلنت أنها ستنشر وتترجم بمختلف اللغات الرسمية للمؤسسة أعمالَ الندوة في أقرب وقت على مختلف أنواع الحوامل الإلكترونية، وستنشئ موقعا إلكترونيا باسم “مجمع المفتين الأفارقة” لكي يستمر عليه التداول بين أهل الاختصاص لما فيه من تنوير وتفهيم الناس في أمور دينهم.