رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

وفد قادة القوى المدنية السودانية.. زيارات مكوكية للخروج من نفق الأزمة بالبلاد

نشر
الأمصار

بدأ وفد قادة القوى المدنية السودانية والذي ضم  القوى المدنية والمهنية في السودان، جولة إقليمية تهدف إلى إنهاء الحرب المندلعة بين الجيش والدعم السريع منذ 15 أبريل/ نيسان 2023، قبل أن تتحول إلى قتال أهلي ضارٍ في ظل الاحتقان الاجتماعي الذي يتفاقم يومًا عن الآخر.

وعقد وفد قادة القوى المدنية السودانية الذي ضمَّ نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني خالد عمر يوسف، والقيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي – الأصل إبراهيم الميرغني، ورئيس الحركة الشعبية – التيار الثوري الديمقراطي ياسر عرمان، والقيادي في التجمع الاتحادي وعضو مجلس السيادة السابق محمد الفكي سليمان، ووزير العدل السابق نصر الدين عبد الباري، وعضو المجلس السيادي السابق محمد حسن التعايشي، ورئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر، ورئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس، وممثل تجمع المهنيين طه إسحاق؛ لقاءً مع رئيس أوغندا يوري موسيفيني.

وقال خالد عمر يوسف إن الوفد المدني قدّم لموسيفيني، خلال الاجتماع الذي عُقد في 3 يوليو/ تموز الحالي، شرحًا وافيًا لأوضاع السودان الإنسانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية المتردية عقب الحرب، وخطورة استمرارها.

وأكّد وفد قادة القوى المدنية السودانية  وفقًا ليوسف، أهمية وقف الحرب وايجاد حل سياسي شامل وعادل، يقود إلى جيش قومي ومهني وحُكم ديمقراطي وسلام مستدام.

تفاصيل


وستشمل   جولة وفد قادة القوى المدنية السودانية  تشاد ومصر والسعودية وجنوب السودان، حيث ينقسم الوفد إلى فريقَين، أحدهما توجّه إلى أنجمينا لإجراء محادثات مع الرئيس المؤقت محمد إدريس ديبي، لحثّه على التدخل لوقف الحرب وتفعيل المبادرة الأفريقية.

ويتوجه الفريق الثاني إلى الرياض لبحث استئناف التفاوض مع طرفَي القتال، على أن يلتقي الفريقان في جوبا ومنها يتوجهان إلى القاهرة.

يتيح التحرك الخارجي لوفد قادة القوى المدنية السودانية إسماع الدول المؤثرة في الشأن السوداني والعربي والأفريقي صوتًا آخر، غير صوت طرفَي النزاع اللذين يكثفان جولاتهما الخارجية لحشد الدعم لصالحهما.

وغادر رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي، بابكر فيصل، البلاد لبدء جولة إقليمية في إطار الجهود السياسية والدبلوماسية، مع حلفائه من القوى السياسية والمدنية في سبيل مناهضة الحرب والعمل على إنهائها بعملية سياسية، تفضي إلى جيش مهني قومي واستعادة الاستقرار وضمان إكمال الاستحقاق المدني الديمقراطي.

ومعظم القوى المدنية التي بدأت الجولات الخارجية منضوية تحت ائتلاف الحرية والتغيير، وجميعها موقّعة على الاتفاق الإطاري في خواتيم العام الفائت، والذي كان على وشك تطويره إلى اتفاق نهائي وتسليم السلطة إلى المدنيين، لكن الحرب قطعت هذا الطريق.

وظلت هذه القوى تتمسّك بالحياد في الحرب الحالية وتطالب بإنهائها سلميًّا، ما جلب إليها انتقادات وصلت إلى اتهامها بموالاة قوات الدعم السريع، خاصة أن الأخيرة تتحدث عن أنها تقاتل من أجل استعادة الانتقال المدني.

الضغط في اتجاه إنهاء الحرب


بداية، لا يستطيع وفد قادة القوى المدنية السودانية مع استمرار الاشتباكات العسكرية وتمدُّدها في مناطق واسعة، تشمل العاصمة الخرطوم وإقليمَي كردفان ودارفور، التحرك بحرّية داخل البلاد، بجانب مخاوف استهدافهم في ظل كثافة دعوات تصفيتهم، ما جعلهم يحاولون ممارسة ضغوط فعلية من الخارج.

أيضًا، يتيح التحرك الخارجي للقوى المدنية إسماع الدول المؤثرة في الشأن السوداني والعربي والأفريقي صوتًا آخر، غير صوت طرفَي النزاع اللذين يكثفان جولاتهما الخارجية لحشد الدعم لصالحهما.

لم تستطع القوى المدنية تجاوز صدمة اندلاع الحرب وفشلت في استحداث ائتلاف رافض لها، إلا أن تحركاتها الخارجية تشير إلى أنها بدأت تدرك أنها تتعامل مع معطيات وواقع جديدَين.

ويرجّح ألّا تتعلق جولة القوى المدنية الخارجية بتفعيل وساطة السعودية-أمريكا ومبادرة الهيئة الحكومية المعنية بالتنمية “إيقاد”، إنما تتعداها إلى ابتدار عملية سياسية شاملة، بعد تأكُّدها من عدم فعالية الوساطة السعودية-الأمريكية التي لم تشهد اختراقًا كبيرًا في سبيل التمهيد لحلّ الخلافات بين الجيش والدعم السريع بالطرق السلمية.

واقتصرت محادثات الوساطة غير المباشرة على توقيع عدد من اتفاقيات وقف إطلاق النار مؤقتًا، ما يجعل هذه القوى تبحث عن تفعيل مبادرة “إيقاد”، إذ إن الأوضاع الداخلية في السودان تمضي بقوة نحو حرب أهلية.

وتجدُ مبادرة “إيقاد”، وهي منظمة إقليمية، دعمًا من الاتحاد الأفريقي، حيث تبنّاها مجلس الأمن والسلم الأفريقي في 25 يونيو/ حزيران، في اجتماع رفيع حضره ممثلون من أمريكا والمجموعة الأوروبية.

وتتضمن المبادرة عقد لقاء مباشر بين قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، يبحث وقف إطلاق النار الدائم، يعقبه جعل العاصمة الخرطوم منطقة منزوعة السلاح، ومعالجة الأوضاع الإنسانية والدخول في عملية سياسية لتسوية الخلافات.

وفوّضت منظمة “إيقاد” لجنة رباعية من دول جنوب السودان وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا، لتنفيذ مبادرتها ومعالجة الأزمة في السودان، لكن رفض الجيش ووزارة الخارجية لرئاسة كينيا اللجنة الرباعية حال دون بدء تنفيذ المبادرة.

ويُتوقع، نظرًا إلى تطورات الأوضاع في السودان بنحو كارثي، أن تجري “إيقاد” تعديلًا في رئاسة كينيا للجنة الرباعية واستبدالها بجنوب السودان، وربما يشمل التعديل استبعاد عقد لقاء مباشر بين قائدَي الجيش والدعم السريع، والاستعاضة عنه بإطلاق تفاوض بين قادة القوتَين لبحث وقف إطلاق النار الدائم، ومن ثم ابتدار العملية السياسية.

فعالية التحركات الخارجية

ومع تعثر وساطة السعودية وأمريكا، يُتوقع أن تحظى مبادرة “إيقاد” بدعم إقليمي ودولي ربما، كآخر محاولات الحل السياسي لإنهاء الحرب، إذا سوّقت لها القوى المدنية في جولاتها الخارجية بفعالية كبيرة.

وصحيح أن القوى المدنية، خاصة الموقّعة على الاتفاق الإطاري، لم تستطع تجاوز صدمة اندلاع الحرب، وفشلت في استحداث ائتلاف رافض لها، إلا أن تحركاتها الخارجية تشير إلى أنها بدأت تُدرك أنها تتعامل مع معطيات وواقع جديدَين.

ربما ما يعيب جولات القوى المدنية أنها بدأت قبل أن تقدِّم رؤية واضحة حول أسباب اندلاع الحرب وطرق معالجة الخلافات، إذ إنها لا تزال تعتقد أن القتال نشب بتحريض من نظام الرئيس المعزول عمر البشير، كما أن أوضاع السودان تمضي نحو مزيد من التعقيد بإشراك المدنيين في القتال واصطفاف القبائل بجانب طرفَيه.

عدم مشاركة القوى المدنية في الجهود الإقليمية والدولية الخاصة بإيقاف الحرب يعني عسكرة الفضاء العام

ويتطلب هذا التعقيد خارطة طريق محلية لحلّ أزمات السودان الشائكة، بدلًا من دعم مبادرات إقليمية تستهدف إنهاء الحرب دون معالجة مجمل أوضاع البلاد، بما في ذلك التحقيق في الفظائع والانتهاكات التي يرتكبها طرفا النزاع.

وتشمل هذه الفظائع القتل وتعريض حياة المدنيين للخطر، وقصف المنازل والمنشآت المدنية والاختفاء القسري والعنف الجنسي المتصل بالنزاع، إضافة إلى احتلال المنازل والمشافي واتخاذها ثكنات للجند وقواعد لإطلاق النار.

ورغم أن تحركات القوى المدنية الخارجية ذات فعالية في المضيّ قدمًا لإنهاء الحرب سلميًّا، إلا أن وفدها لم يشمل الحركة الاحتجاجية التي تعمل الآن على رصد الانتهاكات وتقديم المساعدات الإغاثية للسكان الأشد ضعفًا في الأحياء السكنية.

غير أن عدم مشاركة القوى المدنية في الجهود الإقليمية والدولية الخاصة بإيقاف الحرب يعني عسكرة الفضاء العام، إذ إن الدول تهتمّ بطرفَي الحرب وتسعى إلى سماع وجهات نظرهما حيال تطورات الأوضاع ومساعي المبادرات، وبالتالي جعل القوى المدنية بعيدة عن هذه الجهود.