رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

هل ينتظر البنوك المركزية المزيد من التشديد النقدي لمواجهة التضخم؟

نشر
الأمصار

تُعرف سياسة التشديد النقدي -التي يسبب التوتر والضغط للعديد من الجهات الاقتصادية- باسم "سياسة نقدية انكماشية"، وهي تمثل مجموع الإجراءات التي تتبعها البنوك المركزية لتقليل الطلب على النقود.

ويرجع السبب وراء توجه البنوك المركزية لإتباع سياسية التشديد النقدي إلى محاولة إبطاء النمو الاقتصادي المفرط، وتقييد الإنفاق العام المتسارع، والحد من التضخم.

تشير العديد من التوقعات إلى أن أغلبية البنوك المركزية ستواصل حملة التشديد النقدي حتى نهاية النصف الأول من عام 2024، مما يعني مزيدا من الضغوط على النمو الاقتصادي.

أسواق العالم تترقب نشر محضر اجتماع الفدرالي وتوقعات باستمرار التشديد النقدي

تترقب الأسواق العالمية مساء اليوم الأربعاء، نشر محضر اجتماع الفيدرالي الأميركي المنعقد بتاريخ 13-14 يونيو الماضي، والذي خرج بقرار الإبقاء على أسعار الفائدة من دون تغيير.

الفدرالي الأميركي

إذ يقدم المحضر الأسباب التي دفعت الفدرالي للإبقاء على أسعار الفائدة من دون تغيير، عقب 10 زيادات بدأها في مارس 2022، لتستقر عند نطاق 5-5.25%.

كما يتضمن المحضر توقعات الفدرالي للاقتصاد الأميركي للفترة المقبلة، خاصة التضخم وسوق العمل، ونمو الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يرسم خريطة لأسواق المال لما تبقى من العام.

ولا يبدو أن الفدرالي الأميركي أنهى مرحلة التشديد النقدي، إذ أكد أن بإمكانه رفع أسعار الفائدة مرتين بمجموع 50 نقطة أساس، للاجتماعات الأربعة المتبقية خلال 2023.

وفشلت جهود الفدرالي ومن خلفه البنك المركزي الأوروبي، وعديد البنوك المركزية الرئيسة حول العالم، في كبح التضخم الجامح من خلال رفع أسعار الفائدة.

وأضحى الاقتصاد العالمي اليوم يواجه التضخم من جهة، وارتفاع كلفة الاقتراض من جهة أخرى بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، وهو ما قد يقوض النمو الاقتصادي، خاصة في الولايات المتحدة ودول منطقة اليورو.

وقالت وكالة بلومبيرغ في تقرير نشرته، اليوم الأربعاء، إن غالبية البنوك المركزية ستواصل حملة التشديد النقدي حتى نهاية النصف الأول من 2024، مما يعني مزيدا من الضغوط على النمو الاقتصادي.

وذكرت أنه في الوقت الذي تخفف فيه الصين أسعار الفائدة وشروط الإقراض، فإن بقية الأسواق من الهند إلى جنوب أفريقيا، وصولا إلى أوروبا والولايات المتحدة، تحاول كبح التضخم بالتضييق على الاقتصاد.

وترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة حتى تصبح كلفة الإقراض أعلى، وبالتالي يتراجع الطلب على الاقتراض، وهذا يدفع نحو خفض ضخ السيولة بالأسواق، وبالتالي تراجع الاستهلاك ثم تراجع الإنتاج، وصولا لتراجع الأسعار.

وقد أصبح التضخم نارا تأكل الجميع أو كما وصفه خبراء بـ"اللص الشريف" من شرق الأرض إلى مغربها، ما يدفع البنوك المركزية إلى خوض حرب بسلاح أسعار الفائدة.

وحسب التوقعات يؤدي التضخم العنيد الذي يبقي المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين في حالة تشديد، إلى مزيد من فصل السياسة النقدية العالمية (زيادة التشديد) في الأشهر المقبلة حيث يشق بقية العالم طريقه الخاص.

مع ارتفاع آخر في أسعار الفائدة متوقع من قبل الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي لشهر يوليو، وبعض أقرانهم على مسار مماثل، يُظهر مقياس إجمالي لتكاليف الاقتراض ذروة تزيد عن أربعة عقود، عند 6.25%.

لكن هذا الرقم الإجمالي الأعلى، يخفي صورة قاتمة أكثر مما اعتاد العالم عليه مؤخرا. بدأ صانعو السياسة الصينيون في التخفيف الشهر الماضي، في حين أن البنوك المركزية من الهند إلى جنوب أفريقيا للولايات المتحدة، تتشدد.

وأمام التشديد النقدي الغالب في معظم البنوك المركزية حول العالم، فإن الاقتصاد العالمي في منعطف خطير، على جانبي المحيط الأطلسي.

يواجه المسؤولون، لا سيما في بنك إنجلترا، فشلهم حتى الآن في إحداث تأثير كبير بما يكفي في توقعات التضخم - تمامًا كما يتوقف الآخرون ليروا ما إذا كان التشديد حتى الآن قد يحتاج إلى مزيد من الوقت حتى يصبح ساريا.

أكثر من 10 زيادات على أسعار الفائدة في عديد من البنوك المركزية بقيادة الفيدرالي الأمريكي، إلا أن التضخم لا يستجيب كما يجب حتى اليوم، وهذا يهدد سوق الإقراض العالمي الذي يعيش تكاليف مرتفعة.

مهما كانت الحالة، لا يزال صانعو السياسة النقدية حول العالم يميلون إلى الاستمرار في رفع أسعار الفائدة، مثل أولئك في الاحتياطي الفيدرالي، الذين يدخلون مرحلة أكثر ترددا حيث يراقبون بشكل متزايد تأثيراته في النمو الاقتصادي.

إلى متى سيستمر التشديد النقدي؟
تظهر توقعات وول ستريت أن التضخم الأساسي لن يشهد أي هبوط ملحوظ خلال العام الجاري، وبالتالي، من غير المرجح إجراء تخفيضات في أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة حتى منتصف عام 2024.

ويتطلع مسؤولو مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى مواصلة رفع أسعار الفائدة على الرغم من التوقف الأخير بعد 10 ارتفاعات متتالية، حيث يحاولون إبطاء الاقتصاد الأمريكي المرن وسوق العمل الساخن لتهدئة التضخم.

شدد صانعو السياسة على أن هناك الكثير من عدم اليقين بشأن توقعات معدل الفائدة حيث يقومون بتقييم مدى تأثير الإخفاقات المصرفية الأخيرة على ظروف الائتمان، مما يزيد من ثقل البيانات الواردة.

ومن المرجح أن يدفع التضخم الأساسي الثابت لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة، إلى رفع النطاق المستهدف لسعر الأموال الفيدرالية بمقدار 25 نقطة أساس أخرى في اجتماع يعقد بالأسبوع الأخير من الشهر الجاري.

وفي أوروبا، فعلى الرغم من رفع أسعار الفائدة بمقدار 400 نقطة أساس في غضون عام، فإن الرسالة الواضحة من البنك المركزي الأوروبي هي أن التضخم لم يهدأ بعد وبالتالي، هناك المزيد من زيادات أسعار الفائدة.

تم الإعلان مسبقًا عن زيادة أخرى على أسعار الفائدة في شهر يوليو الجاري، والأصوات التي تطالب بوقف مؤقت بعد ذلك، يتم إغراقها من قبل الصقور الحريصين على مزيد من التشديد النقدي.

ولكن يخشى آخرون العواقب الاقتصادية للزيادات الإضافية في أسعار الفائدة، إذ تشير بيانات الأنشطة الأخيرة إلى ضعف النمو في منطقة اليورو التي تضم 20 دولة، بقيادة ألمانيا.

وتتوقع بلومبرغ إيكونوميكس زيادتين إضافيتين بمقدار 25 نقطة أساس في يوليو وسبتمبر 2023؛ وسيؤدي ذلك إلى ترك معدل الفائدة على الإيداع مرتفعا عند 4%.