رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

ملك المغرب: الحوار بين الأديان رافعة أساسية لتجنيب البشرية شرور الفتن والمعاناة

نشر
الأمصار

أكد ملك المغرب الملك محمد السادس أن الحوار بين الأديان وتكريس التعايش الإيجابي في ما بينها والتفاهم والتعاون حول أهداف إنسانية سيكون رافعة أساسية لتجنيب البشرية شرور الفتن والأوجاع والمعاناة.

الحوار والتعايش

وأبرز الملك، في رسالة وجهها اليوم الثلاثاء إلى المشاركين في المؤتمر البرلماني الدولي حول “حوار الأديان.. لنتعاون من أجل مستقبل مشترك” الذي ينعقد بمراكش بين 13 و15 يونيو الجاري، أنه لن يتسنى بلوغ ذلك إلا إذا “ربطنا القول بالفعل، وحرصنا على تجديد مفهوم الحوار بين الأديان، وتحقيق نقلة نوعية في الوعي الجماعي بأهمية الحوار والتعايش، وبمخاطر الاستمرار في منطق الانغلاق والتعصب والانطواء”.

كما أعرب العاهل المغربي عن تطلعه إلى أن يقدم مؤتمر مراكش، الذي “يجمع لأول مرة البرلمانيين، باعتبارهم مشرعين وممثلين لشعوبهم، وعددا كبيرا من القيادات الدينية ومن العلماء والخبراء والباحثين المرموقين من شتى بقاع العالم”، ردا عقلانيا ورزينا ومقنعا على نزوعات التعصب والكراهية والازدراء بالأديان، ومعاملة الناس حسب ديانتهم أو مذهبهم أو عرقهم أو بشرتهم، مضيفا في هذا الصدد أن تنوع مواقع المشاركين وخلفياتهم السياسية والفكرية والدينية يشكل عاملا حاسما لتحقيق هذا الطموح.

وقال الملك في هذه الرسالة، التي تلاها راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب، إنه “إذا كان البرلمانيون منكم يملكون سلطة المصادقة على التشريعات التي تيسر الحوار وتدرأ خطابات الانطواء والتعصب وتزجرها، فإن لمسؤولي المؤسسات والقيادات الدينية وظيفة التوجيه والتوعية، وإعمال سلطاتهم الروحية، للتأطير والتحذير من الانزلاقات التي تعصف بالتعايش والحوار المثمر بين الأديان”.

بالموازاة مع ذلك، أعرب الملك محمد السادس في هذه الرسالة عن تطلعه إلى أن يتوج المؤتمر بخطط عمل تضطلع “المكونات الثلاثة التي تمثلونها بأدوار حاسمة في إعمالها، على صعيد كل بلد وعلى الصعيد الدولي”.

وأكد الملك، في هذا الصدد، أهمية إحداث آلية مختلطة، ينسق أعمالها الاتحاد البرلماني الدولي، وتسعى إلى جعل الحوار بين الأديان هدفا ساميا مشتركا بين مكونات المجموعة الدولية، لافتا إلى أنه ينبغي الدفاع عن هذا الهدف في المحافل الدولية واعتباره أحد معايير الحكامة الديمقراطية في الممارسة البرلمانية ومن مؤشرات احترام التعددية والتنوع الثقافي.

وأبرزت الرسالة الملكية أن ترسيخ مبدأ العيش المشترك باعتباره حصنا ضد التطرف وليس مطية له، إلى جانب احترام الأديان الأخرى، يحتاج إلى جهد بيداغوجي تربوي تضطلع به المدرسة والجامعة ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية وفضاءات النقاش العمومي المسؤول، معربة عن الأمل في أن تتضمن الوثيقة التي ستتوج أعمال هذا المؤتمر اقتراحات عملية لتحقيق هذا الهدف.

وبعدما ذكر الملك عددا من المؤشرات السلبية على مستقبل العلاقات بين الأديان والحضارات، أكد أن الأمر يتطلب تعبئة جميع الطاقات المؤمنة بالمساواة بين الديانات والحضارات وبين أبناء آدم، لقلب هذه المعادلة، واعتماد السياسات التي من شأنها وقف هذا التراجع الخطير في الوعي البشري.

وأبرز الملك محمد السادس أن المؤسسات التي يمثلها المشاركون في هذا المؤتمر توجد في صلب المعركة النبيلة من أجل التفاهم والتسامح والتعايش، من خلال العمل المؤسساتي والتوعوي والتربوي، لافتا إلى أن التعصب لا يوجد في الأديان أو في الكتب الدينية، وإنما تحكمه المصالح التي يخفيها هذا التعصب.

وأكدت الرسالة الملكية أن الصورة القاتمة التي يعيشها العالم اليوم بخصوص صراع المعتقدات لا يمكن أن تحجب الجوانب الإيجابية والمضيئة والمبادرات المقدامة التي تسعى إلى تعزيز جسور التواصل، وترسيخ قيم التسامح والتفاهم والعيش المشترك بين مكونات المجتمع الدولي وبين أتباع ومعتنقي الديانات المختلفة.

وقال الملك في هذه الرسالة: “وإننا لجد سعداء بأن تكونوا، أنتم المشاركين في هذا المنتدى جميعكم، جزءا من هذه النخب السياسية، ومن القيادات الدينية ومن المثقفين والمفكرين، الذين يؤمنون بأن الاستخلاف في الأرض، كما أراده الله عز وجل، هو من أجل التعارف والتعاون والعيش المشترك، في إطار الاختلاف الديني والعقدي، الذي هو مسؤولية وأمانة تقع على عاتق البشرية جمعاء”.

التميز المغربي

كما أكد الملك محمد السادس أنه بالارتكاز على التميز المغربي في التعايش الديني والاعتدال، فإنه من الطبيعي أن يكون المغرب من بين البلدان المبادرة إلى تأسيس آليات دولية للحوار الحضاري وأخرى للتصدي للإرهاب والتشدد والتطرف.

وفي هذا الصدد، ذكر الملك الرسالة الموجهة اليوم الثلاثاء إلى المشاركين في المؤتمر البرلماني الدولي حول “حوار الأديان.. لنتعاون من أجل مستقبل مشترك” الذي ينعقد بمراكش بين 13 و15 يونيو الجاري بالمنتدى العالمي لتحالف الحضارات الذي عقد دورته التاسعة في نونبر 2022 بمدينة فاس، بكل ما تجسده هذه المدينة التاريخية من عراقة حضارية وتعايش ديني.

وبنفس العزم والتصميم، أضاف الملك محمد السادس، ساهم المغرب في تأسيس آليات أخرى، ويساهم في تعزيز مكانتها وأدوارها، ويحتضن ملتقياتها، كما هو الشأن بالنسبة للمؤتمر الدولي لحوار الثقافات والأديان، ومؤتمر “حقوق الأقليات الدينية من الديار الإسلامية”.

ولم يفت الملك التذكير بالمساهمة الحاسمة والفعالة للمغرب في تأسيس وهيكلة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، الذي تولت المملكة رئاسته المشتركة لثلاث فترات، من 2015 إلى 2022، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بسياسات إرادية “تمليها علينا مسؤولياتنا والتزاماتنا إزاء المجتمع الدولي بكل مكوناته”.

وبعدما أشار إلى أهمية التعايش والحوار، والتشبث بقيم الاعتدال والتسامح ونبذ كل أشكال التعصب والكراهية والتطرف، وكذا ضرورة إعمال سياسات تيسر بلوغ هذه الأهداف، أعرب العاهل المغربي عن اعتزازه بما تحقق في مجال تدبير الحقل الديني في المملكة، وبأداء المؤسسات التي سهر على إحداثها لهذا الغرض، بما في ذلك تلك المنصوص عليها في الدستور.