رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. دريد عبدالله يكتب: ميناء الفاو وطريق التنمية المستدامة.. بين الواقع والخيال

نشر
الأمصار

مما لا شك فيه ان كل العراقيين بكل اطيافهم يودو لبلدهم النمو والازدهار فهذا ما سوف يعود عليهم وعلى الأجيال اللاحقة بالاستقرار والرفاهية التي يستحقها هذا البلد الذي يملك من الموارد ما لا يعد ولا يحصى.

منذ عام 2003،انصب تركيز كل الحكومات المتتالية على هدف رئيسي واساسي وهو شراء ولاء الحاضنة الشعبية للأحزاب من خلال تحويل الدولة الى دكان كبير مترهل فازدادت اعداد موظفيه من 750الف عام 2003حتى وصلت الى 4.5 مليون عام2023 مما ضاعف الميزانية التشغيلية على حساب الاستثمارية فقلت الأخيرة من 35% عام 2004 حتى اقل من 14% هذه السنة مما جعل تطوير البنى التحتية ،المهترئة اصلاً، تعيش وضعاً لا يحسد عليه البلد ومما فاقم المعاناة الحرب على داعش والحرب الاهلية التي دمرتا اكثر من 40% من بنيته التحتية وقتها مع فساد طاغٍ وسوء إدارة غريب وضعت العراق ومدنه و خدماته وبناه التحتية في آخر جداول الدول عالمياً .

جاء مشروع ميناء الفاو الكبير عام 2012 من وزارة النقل والمواصلات مع عرض استثماري لمدة25سنة للجهات الدولية، ليجدد عزوف المستثمرين الدوليين عن الدخول في استثمارات طويلة الأمد في بلد غير مستقر حيث رُفضَ 21 عرضاً من الوزارة لجهات من اسيا وأوروبا وامريكا لاستثماره.

استمر الوضع على حاله الى قبل جائحة كورونا لتحشّد بعض الجهات النفس الشعبي باتجاه فكرة (المشروع المخّلص) والذي سينهي معاناة البلد ويحوله الى (جنة عدن) أخرى معززة بحجج وأرقام واحصائيات تجذب اهتمام المواطن البسيط اليائس من الوضع الحالي الى وضع لم تستطع موارد النفط الضخمة من الوصول اليه.

فتطورت السرديات الشعبوية طوال 3سنوات بشكل درامي مثير من فكرة ميناء ضخم هو العاشر عالمياً الى رابط مع (طريق الحرير الصيني) الى ممر (لطريق التنمية) مع مئات المليارات من الواردات وتشغيل الملايين من القوى العاملة واسكان مئات آلاف العوائل فيه ومما زاد الطين بلة تبنى الحكومات المتعاقبة لبعض هذه السرديات.

لكن ما هي حقيقة ما قيل وما يقال؟ فلنبدأ

 لو وقفت امام ميناء الفاو الكبير سترى قسمين من المحطات(Terminals)وهي اليمينية T1واليساريةT2المخصصتان لمناقلة الحاويات بطول 16كم و بعدد (30و20رصيفاً) على التوالي (بطول300الى500م للرصيف) وبعدد كلي لأرصفة الميناء لمناقلة الحاويات 50رصيفاً سيتم الانتهاء منها حتى سنة 2040 بقدرة مناقلة تصميمية نهائية حوالي7.5مليون حاوية سنوياً(أي لكل رصيف عدد 2رافعة من نوع STSبسعة للمناقلة150الف حاوية سنوياً) ولا يمكن نهائياً زيادة أي مواصفة من المذكورة انفاً (وحتى ولو برصيف واحد)كون الميناء محاصر بكاسري أمواج من جهات ثلاث ويحده من الجنوب (20 رصيفاً لمناقلة البضائع و الحبوب)ومن الشمال(مجمع البتروكيماويات وارصفته)ومن الشمال الشرقي(منصات تصدير و استيراد النفط والمشتقات النفطية و خزاناتها)ومن الشرق القاعدة البحرية للبحرية العراقية.

ان تسلسل ميناء الفاو عندك اكتمال تطويره حتى عام 2040(تبعاً لحجم المناقلة التصميمية لها) سيكون بالمركز(بعد ال20) من 34 ميناء هي الموانئ التي تقع في الخليج (على فرض بقاء تلك الموانئ حتى ذلك الوقت بلا تطوير)حيث سيعمل فيه ما لا يزيد عن 3000 موظف اكثر من نصفهم أجانب بواردات سنوية لن تتخطى 600مليون دولار(60%منها تكاليف تشغيلية).

كان من الأولى تطوير الست موانئ الحالية وتحسين كفاءتها وتطوير بناها التحتية الضعيفة بدلاً من استحداث ميناء سابع لا تستطيع الدولة بقدراتها الحالية من انشاء سوى 10% منه.

اما السكك الحديدية السريعة من الفاو نحو الحدود التركية بطول 1100كم فليس لدى العراق منها حتى الوقت الحاضر ولا(1متر) كون تكاليف مدها تعادل 5 اضعاف تكاليف مد السكك الحديد العادية حيث تصل تكلفة انشاء هكذا شبكة على الجانب العراقي الى 25 مليار دولار والذي يستلزم ما لا يقل عن 10سنوات لإكمالها (بفرض توفّر التمويل اللازم).

المشاريع الاستراتيجية في أي بلد تحتاج الى دراسات جدوى لتبنيها ومن ثم الى خطط متوسطة وطويلة المدى لإكمالها وهذا ما ينقص العراق.