رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

"طوب أبو خزّامة".. مدفع رمضان العراقي الشاهد على إرث بلاد الرافدين الشعبي

نشر
الأمصار

يُعد مدفع الإفطار والذي ولد منه تقليد مدفع رمضان العراقي أبرز الموروثات التاريخية المقترنة بقدوم شهر رمضان المُعظم حول العالم، ولطالما كانت عبارة "مدفع الإفطار.. اضرب" من الأمور الجالبة للسعادة الغامرة في نفوس الصائمين، إيذانًا لهم بالإفطار، مع حلول نسمات آذان المغرب.

ومن المعروف أن أنماط مدفع الإفطار تتفاوت بين دولةٍ وأخرى، وإن اتفقت فيما بينها جميعًا على أن بداية ظهورها يعود إلى القرن التاسع عشر، ومن قبيل المصادفة، حينما أراد السلطان المملوكى خشقدم أن يجرب مدفعًا جديدًا وصل إليه، لتنطلق آنذاك قذيفة عن طريق الخطأ تزامنًا مع آذان المغرب، ما جعل الأهالي يباركون للوالي على ذلك الاختراع المُبتكر ظنًا منهم بأنه تعمد إطلاق المدفع حينها، ولكن سرعان ما انتقل ذلك التقليد إلى سائر الدول العربية والإسلامية، ومن بينها دولة العراق.

فمع نهاية القرن التاسع عشر، وصل تقليد مدفع رمضان إلى العراق وأصبح يوجد مدفع رمضان العراقي، فأصبح مدفع الإفطار المسمى "طوب أبو خزّامة"، من معالم بغداد الهامة، وبمثابة ذاكرة خالدة شاهدة على عراقتها الممتدة منذ آلاف السنوات، ولكن شاءت الظروف أن ينتهي أثر مدفع الإفطار، في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ولعل ذلك يعود إلى أصوات انفجارات العبوات الناسفة، التي جعلت المواطن لا يقوى على التمييز بين صوت مدفع الإفطار، وأصوات الانفجارات.

ومن المتعارف عليه أن مدفع رمضان العراقي أو مدفع "طوب أبو خزّامة" كان منصوبًا في ساحة الميدان وسط بغداد، ويرجع تاريخه إلى زمن السلطان العثماني مراد خان، والذي جاء به خلال حربه مع السلطان عباس الصفوي، ومن الطريف أن المدفع ظل في مُخيلة الكثيرين صاحب كرامات، فكان العامة يتوافدون عنده ولا سيما النساء، فكانت تجلب عنده الشموع، نظرًا للروايات التاريخية التي ارتبطت بالمدفع حول كونه فأل حسن باعث على الأقدار الطيبة، ومع مرور السنوات تُركت عدة مدافع، من بينها "أبو خزّامة" بساحة الميدان في بغداد بالقرب من وزارة الدفاع عام 1967.

كانت وزارة الدفاع تكلف رعيلا من فصيل المدفعية بموجب كتاب من رئاسة الجمهورية بتنفيذ إطلاقة الفطور، التي تستخدم فيها قذيفة خلب (صوتية) من أجل مدفع رمضان العراقي.

وكان الرعيل المدفعي ينصب خيمة على مدى أيام رمضان ليبقى مقيما إلى جانب المدفع بشكل مستمر على مدى أيام الشهر.

وقد بلغ ارتفاع منصة مدفع رمضان العراقي متران، بالارتكاز على عجلتين كبيرتين، وكان مصنوعًا من النحاس الأصفر والحديد، فيما بلغ طوله 457 سم، ومحيط جسمه بالمؤخرة بلغ 210 سم، وعند الفوهة 152 سم، وعليه زخارف كثيرة ومتنوعة، قوامها أشكال أربع سمكات صغيرة، وأربع نجوم، وبالخلف ترتسم عروتان مقوستان، منقوشًا على المؤخرة منه شبه ذنب ينتهي بكتلة مخروطية الشكل، بينما تواجد شق في فوهته، وكان المواطنون على اعتقاد بأنه محل خزامته.

وقف مدفع رمضان العراقي بعد عام 2003، بسبب الوضع الأمني في البلاد وتواجد القوات الأميركية، ما جعل الحكومة العراقية تمتنع عن ممارسة هذا التقليد، ويعتقد الكثيرين أن وجود عدد كبير من الفضائيات ومكبرات صوت في الجوامع، لم يعد وجود المدفع ضروري للإعلان عن موعد الفطور في بلاد الرافدين.