رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

العميد الركن يعرب صخر يكتب: تغيرات الجيواستراتيجا في قيادة العالم

نشر
الأمصار

الفكر الرؤيوي السعودي يفرض تغيرا في جيواستراتيجيا قيادة العالم/ تراجع أميركي، تقدم صيني.

بداية"؛ لا بد لنا من الوقوف عند معاني ومدلولات بعض المصطلحات التي تدور هذه الدراسة في جوانب كثيرة حولها؛
- الجيوبوليتيك أوالجيوسياسة: علم دراسة تاثير الأرض بحدود محددة ببرها وبحرها وجوها على السياسة، مقابل مسعى السياسة لوضع خطط الاستفادة من مميزاتها. أي تأثير السياسة على الجغرافيا.

- الجغرافيا السياسية: تأثير الجغرافيا بحدود محددة على السياسة، أي أن طبيعة الأرض أو الحيز بأهمية الموقع والمناخ والثروات المادية والاولية والبشرية.. تفرض نفسها على رسم سياسة او خطة منيعة تصونها وتحفظها وتستفيد منها.  مثلا": الفرق بين الأرض الخصبة والغنية والأرض الجدبة المقفرة، يفرض جغرافيا سياسية بمدى النفع والأهمية.

- الاستراتيجيا: الخطط التنفيذية الشاملة.
- التكتيك: تفاصيل تنفيذ الاستراتيجيات.
- الجيواستراتيجيا: وضع الخطط للاستفادة من الأهمية الجيوسياسية للأرض أو الحيز على نطاق واسع يشمل القارة اوالقارات والمضائق والممرات والمحيطات والأجواء.
تطور هذا المفهوم ابان التنافس الأميركي السوفيتي ليصبح خطة السيطرة وقيادة العالم، لكن لم تنجح به وتطبقه سوى أميركا في الثلث الأخير للقرن العشرين.

تشكل هذه الوثيقة استقراء" تتبعيا" وتقصيا" لمسار السياسة الأميركية في العالم عامة والشرق الأوسط خاصة" والخليج العربي بالأخص. هذه السياسة التي قامت على استراتيجيات متصلة وفقا" لعقيدة كل رئيس، تختلف هنا وتتفق هناك تبعا" للظروف والتغيرات والمهددات. التركيز هنا على تقلباتها في منطقتنا بدءا" بالاهتمام ثم بالتشبث ثم بالتخلي الجزئي ثم محاولات العودة.

تبعا" لذلك وتوازيا" معه؛ نتقصى كيف تغيرت السياسات الخليجية وأهمها السعودية من معتمد كلي على أميركا إلى الاستقلالية التدريجية وصولا" لفرض واقعها وفق رؤيتها فرض على أميركا أن تغير ولكنها حتى الآن تكابر.

الواقعية والمصلحية وتقلب الظروف العالمية بفعل العولمة، استحضرت الصين كفاعل عالمي جديد بديل، تلقفته السعودية لتمكين رؤيتها في تحقيق تنمية مستدامة قائمة على بعث الرخاء ورفاه الشعوب والتطور والتقدم ومواكبة الحداثة.. ونبذها للنزاعات والحروب.

استقراء تاريخي لسياسات أمريكا

بانتهاء الحرب العالمية الثانية وويلاتها، انكفأت أوروبا تداوي جراحها وتلملم أشلاءها، تاركة" الساحة العالمية لفاعلين عالميين جديدين أميركا والإتحاد السوفيتي، بعد أن كانت أوروبا هي المهيمن طوال قرون. وبذلك شهدنا نظاما" عالميا" جديدا" قائما" على ثنائية قطبية، ونشوء الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم مترادفة" بنشوء أول قانون دولي منصوص.

سرعان ما بدأ السباق على قيادة العالم بين القطبين الجديدين، الراسمالية و الشيوعية، عبر أعداد خطط الجيواستراتيجيا. بادرت أميركا عبر خطة الاحتواء Containment التي أعدها جورج كينان وتبناها الرئيس الأميركي ترومان ١٩٤٨ لاحتواء الإتحاد السوفيتي بنشر قيم الديموقراطية وحرية التجارة والاقتصاد والانفتاح ومنع الشمولية والفكر الشيوعي من التسلل إلى مناطق التأثير الجيوسياسي في العالم التي تمثل بؤر تأثير ومصالح حيوية لأميركا.

تلا ذلك في الخمسينات خطة او عقيدة الرد الشامل على كل تهديد شيوعي أينما حدث في العالم، وقد مثلت أزمة الصواريخ الكوبية ١٩٦٢ خير تطبيق لهذه العقيدة، قبل أن يحسمها فن إدارة الأزمات بتخلي السوفييت عن الصواريخ في كوبا مقابل تخلي أميركا عن صواريخ برشينغ في تركيا.

ثم برز الشرق الأوسط عامة والخليج العربي خاصة كساحة نفوذ لما يختزن من ثروات الطاقة المحفز الأول للنفوذ والسيطرة، ولما يمثله كعقدة ثلاث قارات رابطا" الشرق بالغرب، اضافة" لكونه مهد الديانات ومسقط الرسالات، وبالتالي تجسيد هذا الشرق كقلب العالم. على ذلك؛ تأسست عقيدة كارتر ١٩٧٨ المرتكزة على ان أمن الخليج هو مصلحة أميركية حيوية، أي الحماية الأميركية التوية التي جزمت بالرد العسكري الفوري على أي تهديد لدول الخليج والنفط وإمدادات الطاقة البحرية والبرية.

المتغير

لقد شكل عام ١٩٧٩ تحولا" في النظرة الإستراتيجية الاحتوائية الاميركية ومفصلا" طارئا" في توجهات الجغرافيا السياسية الاسيوية، فقد: ١- تغير وجه إيران ٢- اجتياح الإتحاد السوفيتي لأفغانستان ٣- الإتفاق الأميركي الصيني الإقتصادي والتجاري (نيكسون - بينغ)، بالترافق مع سياسة الاحتواء المؤسسة منذ ترومان ١٩٤٧ والتي بدأت تؤتي ثمارها بعهد ريغان بضعضعة الشيوعية، حتى بدأ العام ١٩٨٩ بانهيار الإتحاد السوفيتي.

نظام عالمي جديد بأحادية القطب
أتت سياسة ريغان القائمة على دفع الاتحاد السوفيتي إلى سباق حرب النجوم، في الثمانينات، اتت أكلها، فانهار السوفييت ١٩٨٩ ونجحت خطة الاحتواء.

انفردت أميركا بالأحادية القطبية وتسلحت بعقيدة بوش /محاربة الإرهاب لضرب أفغانستان ثم العراق في حرب الخليج الثانية مستغلة" غياب أي منافس عالمي أو احتجاج دولي، وذلك للتقرير في كل الكرة الأرضية وللتحكم بالطاقة منبعا" وممرا" وامدادا"، رافق ذلك ابتكارها للنفط الصخري، ما حقق لها مخزونا" واكتفاء" ذاتيا" للنفط والغاز لخمسين سنة قادمة....
كل هذا وسواه على مدى عقد نهاية القرن ٢٠ وعقد بداية القرن ٢١ حتى ولاية أوباما قد خفض الإهتمام الأميركي بهذه المنطقة، وتغيرت العقيدة الأميركية فيه من [أمن الطاقة- أمن الخليج- أمن إسرائيل] إلى فقط أمن إسرائيل كثابت دائم لا يتغير.

لكن ماذا نتج عن ذلك؟ تولد تهديد إقليمي جديد وهو ايران، التي بفعل ضرب أميركا لطالبان عن شمالها والعراق عن يمينها، شرعت لها كل الأبواب وفتحت لها الساحات لتعبث وتنشر الفوضى. ومتابعة أحداث ما تلا ذلك، تبين أن هذا التمكين الايراني لم يكن إلا لتثبيت أمن إسرائيل؛ كيف؟ عبر إشغال الدول العربية بقلق جديد يصرفهم عن إسرائيل وبذات الوقت إشغال إيران بالعرب والعكس بالعكس. أكثر من ذلك؛ لتقديم إسلام بديل عن إسلام أصيل تتم محاولات تشويهه ووسمه بالارهاب والتطرف عبر ما يسمى القاعدة وداعش. هذا ما أتت به الأوبامية واتفاقها النووي مع إيران لتغليبها على العرب وتبديد ثروات المنطقة بالنزاعات المستدامة. والأهم من كل ذلك، كي تنسحب أميركا جزئيا" من الشرق الأوسط للتفرغ للعقيدة الجديدة Asia pacific لاحتواء الصين.. 
العولمة تفرض نظام عالمي متعدد القطبية
بفعل العولمة منذ التسعينات المصاحبة بالتطور التقني الهائل والسريع وتقارب المسافات وكسر الحدود بين القارات والدول لحرية التجارة والتنافس الاقتصادي.. ركبت دول مهمة على قطار العولمة لتعبر إلى الفاعلية العالمية مرتكزة على قدراتها الاقتصادية وامكاناتها التجارية وتقدمها التقني وثرواتها البشرية، أبرزها الصين والإتحاد الأوروبي واليابان وألمانيا وعودة الدب الروسي.. وغيرها، لنجد أنفسنا أمام عالم متعدد الفواعل ودول عظمى تضرب الساحة العالمية باقدامها تريد حجز أدوارها في القيادة العالمية.
كل ذلك هدد فرادة القيادة الأميركية وكسر مبدأ الجيواستراتيجيا القائم على التحكم الجيو سياسي Geopolitics وقدرات التأثير العسكري والكتلة النقدية والناتج القومي GDP، لتتجلى جيو استراتيجيا جديدة قائمة على الجيو اقتصاد Geo economics متقدما" على التأثير الجيوبوليتيكي والقدرات المالية… وقد تزعمت الصين السبق سريعا" في هذا المنحى.

الواقعية


فقهت الدول العربية وبخاصة دول الخليج، أن أمن الخليج لم يعد مصلحة أميركية حيوية بعد انتصار الرأسمالية على الشيوعية وأقول نجم الإتحاد السوفيتي، وأن الصراع الحديث هو اقتصادي تجاري مع التنين الصيني النجم الدولي الصاعد، والمصلحة الحيوية الثابتة فقط هي "أمن إسرائيل". 

والمسار الذي اتبعه أوباما خلال ولايتين يدلل بوضوح على التغيير الجيواستراتيجي والاهتمامات الأميركية العالمية، وقد أعلنها في خطاب الأمة كعقيدة جديدة "آسيا الباسيفيك" أو "الارتكاز الآسيوي" Asian Pivot والتي بمقتضاها تتصدر منطقة شرق آسيا لتغدو الأولوية الأولى بظل الصعود الصيني، ما يستتبع انسحابا" مهما" من مستنقعات الشرق الأوسط وممارسة سياسة شرق أوسطية جديدة، بإتباع أوباما السياسة الناعمة عكس السياسة الصلبة لسلفه بوش، عدم التدخل المباشر في الأزمات، تغذية حروب الوكالة، تشريع الأبواب أمام إيران لتنوب عن إسرائيل في إشغال الساحات العربية وشرذمة حكوماتها عبر تقوية ميليشيات وقوى محلية Non State Actors لتشتيت الأهداف الإقليمية والعربية والهائها وانهاكها بصراعات محلية لدوام تجارة السلاح والحفاظ على أمن إسرائيل.

أجرى أوباما الإتفاق النووي المشؤوم مع إيران ورفع عنها العقوبات ووكلها بالعراق ولم يمنعها في سوريا ولبنان واليمن ولم يضرب الأسد بوردة بعد جرائمه ضد الانسانية المثبتة وهجماته الكيماوية على شعبه.

ومع قدوم ترامب، أعلنها في خطابات الترشح للرئاسة ومارسها على أرض الواقع بعد انتخابه: " التدخل الأميركي المباشر في الشرق الأوسط وتقويض الأنظمة فيه كان خطأ" كبيرا"، ولن نتدخل إلا بحالتين: انهاء داعش، تهديد أمن إسرائيل والمصالح الأميركية الحيوية، و"أن نزعة المغامرة الأميركية في الشرق الأوسط قد إنتهت". 

إلى ماذا يؤشر ذلك؟ إنه عودة العقيدة الانعزالية الاميركية التي أسسها "مونرو" منذ ١٥٠ عام، وانتهت بدخولها الحرب العالمية الثانية. و بانقضاء أولى سنوات العقد الأول من القرن ٢١ وانتفاء المهددات العقائدية لها، واستحواذها على المقدرات العسكرية والاقتصادية والمالية والتجارية والتكنولوجية الأولى عالميا" دون منازع لعقود قادمة، نزعت أميركا نفسها (وليس كليا") عن أزمات الشرق الأوسط ووسط آسيا مع المحافظة على اساطيلها في كل المحيطات ومعابرها ونقاط الارتكاز لها في اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا لاحتواء الصين في بحر الصين...وبدأت تعود لانعزاليتها Isolation، لتتفرغ للسيطرة على مجالها الحيوي في  كل القارة شمالا" وجنوبا"، وتتربص التنين الصيني.

الأزمة الروسية الأوكرانية وهاجس الطاقة يعيدان الخليج العربي محط اهتمام
شد الحدث الروسي الأوكراني أنظار العالم وصار النزاع المستجد حديث الساعة، لما له من مخاطر مرتقبة على السلم والأمن العالمي، ولما قد ينتج عنه من تشظيات قد تطال بتأثيراتها كل أوروبا لا بل كل العالم، في حال تطور النزاع وطال ما قد يجر معه الدول إلى تكتلات و اصطفافات، وبالتالي تغير حاد في الخرائط الجيوسياسية وتقلب مهم في بقع النفوذ والسيطرة.
كل تلك العوامل مجتمعة تهيء أمامنا مستجدا" طارئا"، وهو حقيقة أننا بصدد تقولب نظام عالمي جديد!!! 

إذا علمنا أن روسيا هي الأولى عالميا" في احتياطي الغاز تليها إيران ثم قطر وكازاخستان، وأن أوروبا المغالية والمتكتلة في العقوبات على روسيا، تعتمد على الغاز الروسي بمعدل وسطي يبلغ 50% من حاجتها وتدفع لها يوميا" 650 مليون$ مقابل الغاز، وأن روسيا عقدت مع الصين إتفاق بيعها الغاز بمبلغ 118 مليار$ سنويا" وأن الصين لديها احتياط نقدي 3 تريليون$ تستطيع شراءه كله وتساهم في تخفيف وطأة العقوبات عليها. وبما ان أميركا تحتل المركز الأول في مخزون النفط والغاز للخمسين سنة القادمة… إذن نجد أن أوروبا هي وحدها كمن يطلق النار على قدميه.

  لا شك أن بإمكانها الدفع للشراء فهي عملاق اقتصادي، وهي إلى جانب ذلك بدأت منذ 3 عقود في اللجوء إلى انبعاثات صفر لقاء اعتماد الطاقة البديلة (شمس ورياح وحتى نووي) لكنها لا تؤمن أكثر من 20%. فإذا انقطع الغاز الروسي ينقطع عنها 50% من مصادر الطاقة، أميركا قائد الناتو الذي تنضوي فيه أوروبا تساعد بقدر لكن إلى حين، النرويج قد تزيد قليلا" في الاستخراج، وبريطانيا كذلك ستزيد الحفر في بحر الشمال… يبقى من أين المصادر البديلة وكيف تتنوع؟ إنه الشرق الأوسط خزان الطاقة والوقود الأحفوري.

أمام هذه الوقائع، يعود الشرق الأوسط للبروز في دائرة الإهتمام الدولي البالغ، ويعود إليه الالتفات الأميركي كأولوية قصوى. 

ومع أن الغاز الروسي لا يزال يتدفق ولا نعرف متى تقفل الصنابير، وبما ان الغرب على رأسه USA وبالذات الإتحاد الأوروبي (28 دولة) قرروا مقاطعة مصادر الطاقة الروسية في قرار لا رجعة عنه، وفق خطة 2030 تؤمن فيه المصادر البديلة… ينصب اهتمامهم الآن على منطقتنا كاعتماد أول ورئيسي للتعويض. فيما خص الغاز هناك الجزائر، ليبيا، مصر، قطر وإيران، بما يؤمن 25-30% (إجمالي الاستيراد السابق والجديد) إذا ضمن ذلك ايران؛ لكن لا يعتمد توصيله كله على الأنابيب كما جرت عادته من روسيا بل عبر الناقلات البحرية بمعظمه. لذلك سوف نشهد ازدهارا" مهما" في مضيق هرمز وقناة السويس ومردودات مهمة كذلك.

ومن الطبيعي كذلك أن يعود العالم للاعتماد أكثر على الوقود الأحفوري (نفط، غاز، فحم حجري)، وأوروبا التي كانت تروج لانبعاثات صفر بواسطة الطاقة النظيفة (شمس، رياح..)، سوف تصرف النظر عن ذلك الآن. ويصبح الخليج العربي والعراق الملاذ والخلاص.

عامل مساعد مستجد


شكلت بداية العام ٢٠٢٠ تحولا" عن الإنعزال في العقيدة الأميركية، وبفعل الأزمة الروسية الأوكرانية وهواجس الطاقة، ورؤية تمدد التنين الصيني،  بدأت اميركا تنحو قليلا" باتجاه إعادة نفسها كلاعب أساسي في الشرق الأوسط. لماذا؟ اولا" لأن إيران تخطت حدود الدور المرسوم لها في العراق وسوريا، وثانيا" التمترس الروسي على سواحل المتوسط بالحلف مع إيران، وثالثا" الحلف المشترك الروسي- الصيني. والأهم من ذلك كله تمدد التنين الصيني في كل المعمورة وتركيز اهتمامه الآن على المنطقة، ما يشي بأن خطة الاحتواء الاميركية التي نجحت مع السوفييت، يبدو أنهالنتنجح مع الصين، لا بل إذا بالصين تحتوي اميركا.. والاكثر اهمية إصرار ترامب على إستعادة الهيبة والقيادة العالمية التي فرط بها سلفه. أضف لذلك الفتك بقاسم سليماني محرك الفتن الفارسية أينما حل...كله إشارات بالعودة الأميركية.  وقبل كل ذلك عودة العقوبات الصارمة وتمزيق الإتفاق النووي لاخضاع إيران لاتفاق جديد بشروط أميركية قاسية أو قصم ظهرها في العراق وسوريا واليمن ولبنان.

 ويبدو أن لبنان بات في عين الإهتمام الأميركي العنيد(اكتشافات الغاز على سواحله). وبالتالي شمال المتوسط روسي وجنوبه أميركي.

بايدن استمرار لأوباما


بايدن الخلف والذي يمثل الاستمرارية الخطيرة والتجديد الأخطر لمسار أوباما، تابع هذا التحول عن الإنعزال بفعل هاجس الطاقة الجدي والمستجد جراء الأزمة الروسية الأوكرانية وتهدد أوروبا الحديقة الأمامية لأمريكا في ملعب الجيواستراتيجيا العالمية، وكونها قائد الناتو فلا مهرب لها دون التدخل المباشر والتفتيش عن مصادر بديلة عن الغاز الروسي، ولا بديل عن الخليج قلب الشرق الأوسط.

لكن ما العمل وكان بايدن قد استبق قبل هذه الأزمة بالتهجم على السعودية ورفع صفة الإرهاب عن الحوثيين وأعلن أنه سيعيد إحياء الإتفاق النووي مع إيران؟

من نعم الله عليك حاجة الناس إليك، هذا ما استغلته القيادة السعودية خير استغلال ولم تقدم لبايدن ما أراده كرد فعل ندي على فعل أميركي قد سبق..

انعطاف رؤيوي واعد

في التفكير الإستراتيجي الخليجي 
بعد كامب ديفيد والسلام المصري الإسرائيلي فوق الطاولة ومكافاتها بسيناء، وقبلها الاتفاقيات الكيسنجرية الأسدية الإسرائيلية تحت الطاولة بوقف النزاع ومكافاتها بلبنان...لم تعد الأمور كما قبلها أيام الملك الفذ فيصل. وبعد القضاء على العراق آخر قوة عربية وبروز إيران كمهدد إقليمي ورعاية أميركا لها أو على الأقل عدم التعرض الأميركي لها لا بل وعقد الإتفاق النووي معها ثم سحبه ثم إعادة إحيائه. 

وبعد ثبوت النية الأميركية بمنع العرب من النهوض وتغذيتها لكل صنوف التشويه للإسلام الأصيل، واعتمادها البراغماتية المغالية المتنافية في احيان كثيرة مع قيم الديموقراطية شعار أميركا الخادع… وبعد أن باتت الشركات العملاقة العابرة للقارات بفعل العولمة وأولها شركات السلاح والطاقة صارت تتدخل وتؤثر في صنع القرار القائم على النفعية المادية والمصلحة المجردة بعيدا" عن مباديء وقيم الأمم المتحدة والضمير العالمي….

كلها وغيرها إشارات من شأنها أن تدفع بالقادة الخليجيين وعلى رأسهم السعودية، نظرا" لتغير الاهتمامات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، لتغيير كل التوجه الإستراتيجي الخليجي عبر نسج تخطيط استراتيجي جديد ورسم أهداف ومرامي قومية فاعلة ونظرة واستشراف مستقبلي واعد، وعلى ضوئها لتحديد الصديق من العدو.
ان التخطيط الإستراتيجي السليم والرؤيا وبعد النظر، بعد الخداع والابتزاز الأميركي، وتمادي الخطر الفارسي وفروعه، يحتم على دول الخليج والقوى العربية المخلصة أن تتنادى لوضع البدائل وأن تتداعى لتفكر عن نفسها ولنفسها وتخطط لذاتها وفق رؤاها، لاستباق المستقبل القاتم وغيومه المتلبدة.

وهذا ما نراه ونلمسه يوميا" بثبات وتؤدة، إذ بتنا نرى السعودية مقررا" ليس اقليميا" فحسب، بل وعالميا" مؤثرا" مطلوب منه ويحسب له ألف حساب.

تبقى كلمة اخيرة؛ البنيان والعمران ورفاه الإنسان.. قمة النجاح وغاية التقدم، يدون في سجلات التاريخ.. لكن وبفعل التهديد اليومي والخبث المحيط والمكر المستدام والقلاقل واهتزاز الاستقرار، في منطقة تشكل مركزا" لتصادم القوى ودائم اللا إستقرار.. فحرب أيام معدودات تهدم كل شيء. لذلك ومن الملح ولا بد من بناء الإنسان المقاتل الدائم الجهوز؛ حيث أن التزود بأسباب القوة والقدرة والامكانيات، والتهديد بها مع صدق النية باللجوء إليها، هي أول وسائل الردع لصون الاعتبار وحفظ البنيان والعمران.. 
.. ومن أراد السلم فعليه الإستعداد الدائم للحرب.