رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

بعيدا عن روسيا.. ألمانيا تتسلم أول شحنة غاز مسال من الشرق الأوسط

نشر
الأمصار

عندما أغلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صنابير الغاز عن أوروبا، بسبب تداعيات الحرب على أوكرانيا، كانت ألمانيا تخشى أكثر من باقي دول القارة أن تواجه شتاء قاسيا مظلماً لا كهرباء فيه.

وسارع الوزراء لتأمين الإمدادات البديلة، مدركين تماماً أن الاعتماد الكبير على الغاز الروسي قد ترك هذه الدولة الصناعية كالريشة في مهب الريح.

لكن بعد بضعة أشهر، ومع تلألؤ الأضواء في أسواق عيد الميلاد، هناك شعور بالتفاؤل المبدئي. يبدو أن استراتيجية ألمانيا التي وُضعت على عجل بهدف الاستغناء عن الغاز الروسي تعمل بنجاح، على الأقل في الوقت الحالي.

الغاز الطبيعي المسال

والغاز الطبيعي المسال هو غاز طبيعي يتم تبريده بطريقة معينة ليصبح على شكل سائل لتقليل حجمه وتسهيل نقله، ثم يتم تحويله مرة أخرى إلى شكل غاز عند وصوله إلى وجهته.

وعلى الرغم من أن ألمانيا تشتهر بالبيروقراطية الشديدة، إذ عادة ما يستغرق هذا النوع من المشاريع سنوات طويلة، لكن السلطات تخلصت من الروتين هذه المرة لتسهيل إنجاز هذا المشروع في أقل من 200 يوم.

وقد تسلمت ألمانيا اليوم أول شحنة غاز طبيعي مسال من الشرق الأوسط في إطار محاولات أكبر اقتصاد في أوروبا لتنويع مصادر إمدادات الطاقة بعيدا عن روسيا وذلك عقب الحرب الأوكرانية.

وأعلنت "أدنوك" الإماراتية، وشركة "آر دبليو إي ايه جي" الألمانية، عن تسليم أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال من أبوظبي إلى محطة البهافن العائمة لاستيراد الغاز الطبيعي في مدينة برونسبوتل الألمانية.

وتعتبر الشحنة التي يبلغ حجمها 137 ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، والتي تم إنتاجها من منشآت "أدنوك للغاز" في جزيرة داس في أبوظبي، الشحنة الأولى التي سيتم استخدامها في التشغيل التجريبي لمحطة استيراد الغاز الطبيعي العائمة في مدينة برونسبوتل الألمانية، وأول شحنة من الغاز الطبيعي المسال يتم تصديرها إلى ألمانيا من الشرق الأوسط، بحسب البيان.

شحنة الغاز الطبيعي التي تم تسليمها لألمانيا، اليوم، تكفي لإنتاج ما يقارب 900 مليون كيلوواط / ساعة من الكهرباء، أي ما يكفي لتزويد ربع مليون منزل ألماني بالكهرباء لمدة عام، وفقا لما جاء في البيان.

وقال آندريه شتراكه الرئيس التنفيذي لشركة (آر.دبليو.إي) للتوريد والتجارة "نحن سعداء بأن تكون أدنوك إلى جانبنا كشريك قوي حيث نعمل معا لضمان أمن إمدادات الطاقة في ألمانيا بقدر الإمكان".

وتتضمن استراتيجية ألمانيا متعددة التوجهات للتأقلم مع غياب الغاز الروسي مساع لزيادة الواردات من دول الجوار الأوروبية عبر خطوط أنابيب غاز بحر الشمال وحملات لترشيد استهلاك الغاز وبناء مخزوناتها منه.

ونقل البيان عن أحمد العبري الرئيس التنفيذي بالإنابة لشركة أدنوك للغاز قوله "تؤكد أدنوك للغاز استعدادها لتوفير المزيد من شحنات الغاز الطبيعي المسال الذي يمثل وقودا انتقاليا مهما إلى شركائنا (آ.دبليو.إي) والقطاع الصناعي في ألمانيا".

وسيبدأ تشغيل ست وحدات عائمة لتخزين الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله إلى الحالة الغازية في المجمل هذا العام في ألمانيا، على أن يتم استبدالها في السنوات المقبلة بمحطات أرضية لإعادة تحويل الغاز المسال إلى الحالة الغازية عند تشغيلها.

علاوة على ذلك، تعتزم (آر.دبليو.إي) ونظراؤها بناء محطات لاستيراد الأمونيا الخضراء والهيدروجين لتحويل المواقع الساحلية لاستيراد وإنتاج وقود منخفض الكربون.

كيف نجحت ألمانيا في وضع حد لاعتمادها على الغاز الروسي؟

ألمانيا والإمارات

حضر المستشار الألماني مع رئيس دولة الإمارات، حفل التوقيع على اتفاقية شراكة استراتيجية في مجال أمن الطاقة وحماية المناخ وتسريع تنفيذ المشاريع المشتركة. كما ستزود الإمارات ألمانيا بشحنات عاجلة من الغاز المسال والديزل.

في سبتمبر 2022، شهد رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والمستشار الألماني أولاف شولتس، مراسم توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية جديدة في مجال تسريع أمن الطاقة والنمو الصناعي، تهدف إلى تسريع تنفيذ المشاريع ذات الاهتمام المشترك بين البلدين في مجالات أمن الطاقة والحد من الانبعاثات والعمل المناخي.

وقد وقع على الاتفاقية التي جرت مراسمها في قصر الشاطئ، سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، والمبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي والعضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" ومجموعة شركاتها، وفرانتسيسكا برانتنر وكيلة وزارة الاقتصاد الاتحادية في ألمانيا.

وأبرمت "أدنوك" اتفاقية لتوريد الغاز الطبيعي المسال لشركة "آر دبليو إي RWE" الألمانية، تقوم "أدنوك" بموجبها بتصدير أول شحنة غاز طبيعي مسال إلى ألمانيا وتسليمها في أواخر 2022 لاستخدامها في التشغيل التجريبي لمحطة استيراد الغاز الطبيعي العائمة في مدينة برونسبوتل الألمانية.

كما خصصت "أدنوك" وفقاً للاتفاقية شحنات إضافية من الغاز الطبيعي المسال لعملائها في ألمانيا، وهي التي تم تسليمها اليوم

ووقّعت "أدنوك" كذلك عدداً من الاتفاقيات مع عملاء من ألمانيا من بينهم استياج جي إم بي إتش وشركة اوربيس ايه جي لتصدير شحنات تجريبية من الأمونيا منخفضة الكربون، التي تعد وقوداً ناقلاً للهيدروجين يلعب دوراً محورياً في الحد من الانبعاثات في القطاعات التي يصعب الحد من انبعاثاتها.

يذكر أن أول شحنة تجريبية من الأمونيا منخفضة الكربون من إنتاج أبوظبي وصلت إلى ميناء هامبورغ في أكتوبر الماضي.

ووفقاً لبرنامج التعاون في أمن الطاقة ومسرعات النمو الصناعي، ستقوم دولة الإمارات وألمانيا باستكشاف مزيد من الفرص لتسريع النمو وتعزيز التعاون في جميع مجالات سلسلة القيمة لقطاع الهيدروجين.

من جانبها ستقوم شركة أبوظبي لطاقة المستقبل كمصدر، بتكثيف جهودها لاستكشاف المزيد من الفرص المتاحة في أسواق طاقة الرياح بشمال أوروبا وبحر البلطيق في ألمانيا لزيادة الإنتاج من مصادر الطاقة المتجددة إلى 10 غيغاوات بحلول 2030، ويخضع ذلك إلى تلبية المتطلبات والشروط التنظيمية في الإمارات وألمانيا.

تعزيز وترسيخ الشراكة الاستراتيجية

ووفق ترسيخ التعاون، قامت "أدنوك" بتسليم مباشر كأول عملية لشحنة من الديزل من إنتاجها لألمانيا  في سبتمبر 2022، والتوصل لاتفاق مع شركة "فيهلم هوير" على شروط توريد ما يصل إلى 250 ألف طن شهرياً من وقود الديزل خلال عام 2023.

ووقت توقيع الاتفاقيات بين ألمانيا والإمارات، قال المستشار الألماني شولتس، بهذه المناسبة: "أرحب بالتوقيع على إعلان النوايا المشترك  بشأن تسريع أمن الطاقة والنمو الصناعي الذي سيمكننا من تسريع تنفيذ المشاريع الاستراتيجية التي تركز خاصة على الطاقات المتجددة والهيدروجين والغاز الطبيعي المسال والعمل المناخي".

وقال الوزير الجابر: "يسرنا التوقيع على هذه الاتفاقية التي تسهم في تعزيز وترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الصديقين، والتي شهدت تطوراً متسارعاً على مدى السنوات الماضية.. وفيما نعمل على مواكبة التحول في قطاع الطاقة،  تلتزم "أدنوك" بمواصلة الاستثمار وتسريع تنفيذ المشاريع  التي تهدف إلى ضمان أمن الطاقة و الحد من الانبعاثات ودعم العمل المناخي ضمن جهودها المستمرة لترسيخ مكانتها مزوداً موثوقاً و مسؤولاً للطاقة منخفضة الانبعاثات".

ورحب روبرت هابيك نائب المستشار الألماني وزير الاقتصادية وحماية المناخ بما رأه من تسريع في تنفيذ المشاريع المشتركة في مجال العمل المناخي وأيضا الحد من الانبعاثات وأمن الطاقة، معربا عن تطلعه إلى التعاون الوثيق في مجال طاقة الرياح البحرية ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى والهيدروجين في دولة الإمارات وألمانيا.