رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

رنوى العمصي تكتب: عندما تستخدم الثقافة كاداة للعنف بين المثقفين .

نشر
الأمصار

هناك حالة في أوساط المثقفين العرب، تزداد وضوحا في بلاد أكثر من سواها؛ وأعجز عن تسميتها. هي أن تكون الثقافة والمعرفة أداة لممارسة عنف سلبي على الآخرين. أو تكون، سلاحًا في يد المثقفين أنفسهم يشهرونه في وجوه بعضهم البعض، لبلوغ نشوة الذات العملاقة وكسب جولات أشبه بعركات الشوارع التي تستوجب، من حين لآخر، مواجهة دامية تؤكد "لفتوّة" الحارة أنه لا يزال كذلك. 
أعطيك مثالا. يميل نحوك "المثقف الكبير" فيقول: ألم تقرأ هذا الكتاب؟ ولا يكون السؤال هنا غرضه الكتاب على الإطلاق، وإنما تقزيم الشخص الموجّه نحوه السؤال. ويكون من حسن فطنة السائل أن يسدد رميته في أبعد زاوية في مساحة معرفتك، ما يجعلك ترتبك وتقول بتشكك وقلق: لا والله!! 
فيتعملق السائل ويسدد نحوك ضربات ثقافية قاضية لا علاقة لها بالمعرفة ولا برغبة تنويرك، وإنما بربح جولة من العنف النفسي تجاهك. وملء فراغ نقص ما، بظهر في صورة التعملق المرضي للذات المثقفة المنتفخة.
هناك تكتيك آخر في هذا السياق، وفكرته أن يحشو "المثقف الكبير" حديثه بتعبير من نص شهير، نظرية، أو أي مادة مركبّة ومعقّدة بعض الشيء. يأتي على ذكرها من دون أن يشرحها. يقولها ثم يتوقف لثوانٍ ناظرًا إلى عينيك ليتبيّن إن كنت تعرف ما يقول. إن كنت تعرف، تكون اجتزت اختباره، الأول وليس الأخير. أو إن كنتَ لا تعرف فيكون عليك أن تمضي لشعورك بالخجل وتتلقى اللكمات أو الضربات السابق ذكرها.. 
أظن أننا، جميعا، بالرغم من محاولاتنا الاستعانة بالمعرفة للقفز فوق واقعنا الصعب، وبالرغم من اعتقادنا أننا بتعميق المعرفة لا يمكن أن نرتكب عنفًا كالذي يتكرر في الشوارع، لسنا بعيدين عن ممارسة العنف بطرق أخرى، التلذذ والشعور بالرضا والامتلاء على إثر ممارسته على الآخرين.
لقد التقيت علماء قرأوا كل قصاصة كُتبَت في مجال تخصصهم، واطلعوا اطلاعا مبهرًا على المجالات الأخرى. وهؤلاء، عندما يكونون حقيقيين وأسوياء، ينصتون لمحدّثهم ويسألون كما الأطفال. وهم على معرفتهم، يقولون: "لا أعرف" أكثر بكثير من قولهم: "أعتقد بأن..". 
الخلاصة، المعرفة بيد معتلّ نفسي، مثل السلاح بيد مجنون. والإنسان واسع الاطلاع ليس معصوما من التصرف "كفتوّة" أو أحمق فقط باستخدام أدوات أخرى.

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة يعبر عن وجهة نظر الموقع.