رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب : الإرهاب المعاصر أفرزته أيديولوجيات خمينية وإخوانية

نشر
الأمصار

كانت هناك نظرتان تهيمنان على أوروبا مع بداية القرن العشرين، النظرة الجيوبولتيكية التي أدت إلى حربين عالميتين دمويتين في أوروبا، والنظرة المالتوسية 1798 ( التي ترى أن نمو عدد السكان سيفوق النمو الغذائي وفق متوالية هندسية ) التي قادت أوروبا إلى الاستعمار، ونشأ الإسلام السياسي مع تمدد الاستعمار الغربي إلى المنطقة العربية وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين في مصر، وجرى تعميم النظرة إلى الحركات الإسلامية كمنتج واحد لخطاب واحد من دون إبداء الاهتمام الكافي بالخلفيات السياسية لكل واحد من هذه الحركات.
كان الدين المسيحي مهيمنا على أوروبا في العصور الوسطى، وكان يكفي أن يكون الأوروبي مسيحيا لكي ينعم بكل الحقوق، بينما غير المسيحيين كانوا مضطهدين، لكن في المقابل في المنطقة العربية كان المسيحي واليهودي يعامل كالمسلم وله كافة الحقوق، وشكل الحدث الأبرز في أوروبا الإصلاح الديني منذ القرن السادس عشر بالإضافة إلى عصر النهضة، لكن فتح الباب أمام تشكل النزعات القومية من ألمانية وإنجليزية وفرنسية وغيرها كانت وقودا للحروب في أوروبا.
ووجدت أوروبا تفكيك الحدود الأوروبية يعني إسالة كثير من الدماء، فلم تسقط ألمانيا مطالبها بالأراضي التي خسرتها لكل من بولندا وروسيا بعد الحرب العالمية الثانية إلا في عام 1970، ووجدت معالجتها بالفيدرالية كعلاج للتوجهات الانفصالية، وما نلاحظه من مطالبة بوتين بالأراضي الروسية في أوكرانيا أو إعطائه ضمانة أمريكية بعدم توسع الناتو ورفض الضمانة الأوروبية وهو ما قاد إلى حرب في أوروبا صبت فقط لصالح أمريكا، وهو ما نجد فشل النظام السياسي القائم على الطائفية خصوصا في لبنان والعراق، وزادتها تأزما التدخلات الإيرانية والتركية، أيضا بعض الأحزاب القومية تحولت إلى تنظيمات إرهابية، والمصيبة أن الانقلابات العسكرية سميت نفسها بالثورة.
عانى الغرب من تزايد معدلات الهجرة التي هيجت مشاعر الهوية القومية غذتها الحروب في منطقة الشرق الأوسط التي تسبب فيها الغرب نفسه، ما يعني أن العالم موعود بخريطة جديدة لتوزيع الأعراق البشرية في العقود المقبلة، وتأتي البلدان العربية والإسلامية نتيجة الفشل الاقتصادي، ونتيجة الحروب المصدرة إلى تلك المنطقة عبر دعم الغرب حركات الإسلام السياسي، حيث تعتبر الثورة الخمينية الابن الشرعي للغرب، وكذلك بقية حركات الإسلام السياسي، إذ يعتبر كل لاجئ من 122 إما لاجئا أو نازحا داخليا أو طالب لجوء، فالثورة الإيرانية شردت مليوني لاجئ عبر العالم، وسبق أن ارتبط اللجوء والنزوح معا بالفلسطينيين منذ عام 1948، واليوم ارتبط بالحروب في العراق وسوريا واليمن وليبيا.
ما جعل الغرب يلجأ إلى الهجرة الانتقائية، واتهام برامج اللاجئين السوريين بالإضرار بمصالح أمريكا، يدل على استعداد لانتهاك المعايير الدولية خصوصا وأن الميكافيلية ترتبط بالأنظمة الديمقراطية الحديثة التي تسيس الأخلاق، بينما في التراث الإسلامي مفهوم الأمان مرادف لصفة اللاجئ، وحادثة الهجرة إلى الحبشة أول عملية لجوء جماعية دفع اليها المسلمون بسبب الاضطهاد الديني.
تغررت الشعوب العربية بتيارات الإسلام السياسي وانتخبتهم في مصر وتونس والأردن والمغرب والكويت وفي غيرها من الدول، فيما أغلب عناصر حركات الإسلام السياسي مستعدون للعب على كل الخيوط، فهم سياسيون براغماتيون ويتبعون الغاية تبرر الوسيلة، وهم في الدين متطرفون إرهابيون ويلعبون على خيوط المجتمع والقبيلة والمال، بل انطلقت إيران في العبث بالداخل العربي، بدءا باستغلال القضية الفلسطينية والمتاجرة بها ومحاولة إبعادها عن السعودية ومصر بعد إبعاد تياراتها اليسارية واليمنية عن القيادة الفلسطينية المعترف بها عربيا ودوليا واستبدالها بقيادة من حركات الإسلام السياسي.
سبق أن حذر الإسلام من التطرف ففي حديث ذي الخويصرة التميمي وهو حديث متفق عليه، وأوضح لنا الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج منه قوم يقرؤون القران لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، وفي حديث آخر متفق عليه لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد، وهم يخرجون على فرقة من الناس، وكلما خرج منهم قرن قطع يخرج آخرهم مع الدجال.
وقاتلهم الإمام علي رضوان الله عليه في معركة النهروان المشهورة، بعدما أقام الحجة عليهم، وهم يتحدثون دائما عن جور الولاة واستخدام أموال المسلمين، ولم يشفع عندهم ذو النورين عثمان بن عفان الذي هاجر هجرتين واشتر الجنة مرتين، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم في عثمان رضي الله عنه ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، ويكذبون الكذبة ويصدقونها، وهم أهل مكر وخديعة، ولعبوا بين الإمامين علي رضوان الله عليه وعثمان، عندما اتهموا الإمام علي رضوان الله عليه أنه يريد البيعة لنفسه.
وحينما سأل الخليفة عثمان رضي الله عنه الخارجين عليه ماذا رأيتم في صهر رسول الله قالوا وجدنا خمسة، أتم الصلاة في مكة ولم يقصر، وحرق المصحف، وأنه ولى قرابته، وولى الصغار وترك كبار الصحابة، وحمى الحمى لا يقربه أحد، رد عليهم الإمام علي رضوان الله عليه الذي اتهموه الخوارج أنه يريد البيعة لنفسه، فقال لهم تزوج في مكة وهو مقيم، وحمى الحمى، حماها للمسلمين وليست له، وما حرق المصحف ما اختلف فيه، وأثبت الذي كان قد عرضه على الرسول صلى الله عليه وسلم، وتولية القرابة مثلهم مثل الآخرين، ولم يولي أحد غير عادل، وقد ولى الرسول صلى الله عليه وسلم ابن زيد على المهاجرين والأنصار.
وخرج الخوارج على الإمام علي رضوان الله عليه كما خرجوا على ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال لهم ما تنقمون على ابن رسول الله وصهره وخليفته، فقالوا حكم الرجال في دين الله، قاتل ولم يسب، ولم يغنم في معركة الجمل الشهيرة، وهم لا يعترفون دائما إلا بالقسمة الثنائية، ولا يوجد لديهم حل ثالث، فاعتبروا الإمام علي كافر، فتم الرد عليهم تحكيم الرجال في قتل الصيد، وكذلك في المرأة وزوجها، وقال لهم عبد الله بن عباس هل تقبلون أن يسبي أم المؤمنين، أما ترونه كفرا ( فأزواجه أمهاتهم)، وفي صلح الحديبية عندما أتى سهيل بن عمرو عندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الإمام علي بمحو اسم رسول الله، فأقام الإمام علي رضوان الله عليه الحجة قبل قتالهم بعدما رجع عدد منهم، لكن البقية عند القتال أصبحوا يصيحون الرواح على الجنة.
بعد نهايات خطابات الإخوان والسرورية في السعودية وأدواتهم، وتحطم حراكهم بقرارات تاريخية، بعدما صنفتهم السعودية في 2014 جماعة إرهابية، وهي الجماعة التي حاولت إحداث تغيير اجتماعي بغية التأثير السياسي، تنبع من الأيديولوجيا، وواجهت السعودية كل محاولات دينية مسيسة، بل واجهت الدولة بكيانها السياسي تلك العتبات، وحققت نجاحها، لكن اتجه التنظيم إلى حشد جمهوره عبر استغلاله خلال السنوات الأخيرة منصات التواصل الاجتماعي، ودعمه قنوات تلفزيونية، وتأسيس أخرى للنيل من أي تقارب لدول الاعتدال العربي، خاصة السعودية ومصر، واليوم يعتبر الكونغرس الإخوان تهديد للأمن القومي.
فحظر الجماعات المتطرفة والإرهابية لم يعد كافيا فمصادر فكر التطرف والكراهية راسخة، وممكن لها في الشأن الديني العام والرسمي والتعليم والثقافة السائدة، وستظل احتمالات الكراهية تطل علينا بين الفينة والأخرى، يمارسها أشخاص نيابة عن الجماعات.


* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة يمثل وجهة الموقع