رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

في تصريحات وصفت بالمفاجئة.. هل يسلم الدبيبة "المسؤولية التاريخية"؟

نشر
الأمصار

شهد التنافس بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية بليبيا عبد الحميد الدبيبة ورئيس الحكومة المعينة من قبل مجلس النواب فتحي باشاغا مراحل عديدة، آخرها اشتباكات مجموعات مسلحة موالية لكل منهما أمس السبت في العاصمة طرابلس خلّفت عشرات القتلى والجرحى.

وظهر هذا التنافس بين الدبيبة وباشاغا في الحوار الوطني الليبي في جنيف بسويسرا عام 2021 بترشحهما لرئاسة الحكومة في لائحتين متنافستين.

وتواجه حكومة عبدالحميد الدبيبة اتهامات، بتعنتها في تسليم السلطة بعد إعطاء البرلمان الثقة لحكومة "الاستقرار" برئاسة فتحي باشاغا في مارس/آذار الماضي، أصر رئيس الحكومة التي انتهت ولايتها في يونيو/حزيران الماضي مرارًا على أنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة.

الدبيبة: جاهزون لإجراء الانتخابات.. وهذا عام وحدة المؤسسات الليبية

قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة، اليوم الاثنين، إن حكومته جاهزة لإجراء الانتخابات، مؤكدا على أن هذا العام سيكون "عام الانتخابات ووحدة المؤسسات".

وحذر الدبيبة في كلمة، بثتها منصة (حكومتنا) التابعة للوحدة، من أن هناك ما وصفها بأنها "محاولات دنيئة لإغراقنا في مستنقع الصراع السياسي".

كما أضاف: "لن ندخر جهدا في الحفاظ على الدم الليبي ووحدة وسيادة ليبيا مهما كلفنا ذلك".

عبد الحميد الدبيبة 

كان قد قدم عبد الحميد الدبيبة أوراقه ترشحه للانتخابات الرئاسية في ليبيا، وجاء ترشح الديبية، الذي لا يزال على رأس عمله رئيسا للوزراء، على الرغم من وجود مادة في قانون الانتخاب، الذي أقره البرلمان الليبي وسط اعتراضات عليه، تشترط توقف من يشغل منصبا رسميا عن عمله لمدة ثلاثة أشهر قبل موعد الانتخابات إذا كان راغبا بترشيح نفسه، وبهذا ينضم الدبيبة إلى قائمة أبرز الأسماء التي قررت خوض السباق الانتخابي لرئاسة البلاد.

وتمكن الدبيبة من إحداث تغييرات في الوضع المعيشي للمواطن، منذ أن تولى منصبه في 16 مارس/ آذار الماضي، ضمن سلطة انتقالية مؤقتة مهمتها الأساسية قيادة البلاد إلى الانتخابات.

وقد شكل انتخاب رجل الأعمال البارز رئيسا للحكومة الانتقالية في 5 فبراير/ شباط الماضي مفاجأة للكثيرين، ورأى فيه البعض دليلا على قدرة رأس المال على تجاوز الخنادق والاختلافات السياسية.

فالدبيبة، هو المهندس المنحدر من أسرة ثرية من رجال الأعمال، سبق أن عمل وتولى إدارة مؤسسات إبان حكم النظام الليبي السابق؛ ووصفه البعض بأنه كان من المقربين من العقيد معمر القذافي، لكنه تمكن من المحافظة على أعماله ونشاطاته التجارية في أعقاب إسقاط نظام القذافي، وبنى مجموعة تجارية لها فروع في مختلف أنحاء العالم.

وجاء انتخاب الدبيبة في ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي عقد في سويسرا برعاية الأمم المتحدة، حيث كان من بين 75 شخصية ليبية شاركت في جلسات الحوار والمفاوضات السياسية طوال الأشهر التي سبقت انتخابه.

وقد حسمت قائمته التنافس بحصولها على 39 صوتا من مجموع 73 صوتا، في حين ضمت القائمة الخاسرة رئيس برلمان الشرق عقيلة صالح، ووزير الداخلية القوي في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا، الذي كان الكثير من التكهنات يرى أنه الأوفر حظوظا.

وينحدر الدبيبة من مدينة مصراتة الواقعة على الساحل الليبي على بعد نحو 200 كيلومتر إلى الشرق من العاصمة طرابلس. فقد ولد فيها عام 1959 في أسرة يعمل الكثير من أبنائها في التجارة وقطاع الأعمال.

عائلة الدبيبة

وكانت عائلة الدبيبة واحدة من العائلات التي استفادت كثيرا من فورة المشاريع الصناعية والاقتصادية التي شهدتها المدينة، في أعقاب الفورة النفطية وارتفاع أسعار النفط إبان حكم نظام معمر القذافي.

وقد دخل الدبيبة العمل في قطاع البناء والمقاولات، وبنى أسس ثروته منها في هذه المرحلة إلى جانب ابن عمه علي الدبيبة، وتدور بعض الشكوك بشأن ثروتيهما إذ تشير تقارير إلى أن "تحقيقات قد فتحت بحقهما في ليبيا ودول أخرى بتهم تتعلق بالاختلاس".

ودرس دبيبة تقنيات التخطيط والبناء في جامعة تورنتو الكندية وتخرج منها حاملا شهادة الماجستير في هذا التخصص.

وتولى عددًا من المناصب الرسمية في فترة حكم القذافي من بينها إدارة الشركة الليبية للتنمية والاستثمار الحكومية، وأشرف على عدد من مشاريع البناء فيها؛ من بينها بناء مشروع ألف مسكن في مدينة سرت، مسقط رأس القذافي.

أزمة ليبيا

ويذكر أن ليبيا تعيش أزمة سياسية منذ تعثر الانتخابات في ديسمبر الماضي (2021) وحتى الآن، بسبب عدم توافق الأطراف السياسية على الأساس الدستوري لهذه العملية الانتخابية، نتيجة خلافات حول شروط الترشح للرئاسة.

ويتفاقم الانقسام في ليبيا مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس انبثقت من اتفاق سياسي قبل نحو عامين (مقالة من البرلمان) يرأسها عبد الحميد الدبيبة الرافض لتسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، والثانية برئاسة فتحي باشاغا عيَّنها البرلمان، فبراير الماضي، وتتخذ من سرت (وسط) مقراً مؤقتاً.

وحضّ الممثل الأممي في ليبيا عبد الله باتيلي، الأسبوع الماضي، القادة السياسيين في البلاد على تجنب أي تصعيد من شأنه تهديد وحدة ليبيا واستقرارها الذي وصفه بـ"الهش"، وناشد في بيانه الليبيين كافة أن يجعلوا من عام 2023 بداية عهد جديد للبلاد عبر إجراء انتخابات حرة ونزيهة.

ودعت السفارة الأمريكية الأطراف كافة للاتفاق على قاعدة دستورية، مطالبة باعتماد "آليات بديلة" بحال الفشل في التوصل لاتفاق، معربة عن "القلق"، وذلك في ذكرى مرور عام على تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة نهاية 2021.

ومع تعثر البلد الأفريقي في المضي قدمًا نحو انتخابات برلمانية ورئاسية، تنهي حالة الانقسام المؤسسي، حاول مجلسا النواب وما يعرف بـ"الأعلى للدولة" إحداث اختراق في أزمة القاعدة الدستورية، التي سيجرى على أساسها الاستحقاق الدستوري، إلا أنها لم تفض إلى تفاهمات نهائية -حتى الآن.

ووافق البرلمان الليبي على مشروع لجنة خريطة الطريق، الذي يمثل الخطوط العريضة للمرحلة الانتقالية الجديدة، وصولا إلى إجراء الانتخابات الرئاسية التي تعذر إجراؤها في ديسمبر الماضي.

وعقدت اللجنة التي شكّلها البرلمان الليبي في يناير الماضي، العديد من اللقاءات مع القوى السياسية؛ من أجل التوصل لصيغة تفاهم والخروج من حالة الانسداد السياسي الذي تعيشه ليبيا، على شكل خريطة طريق.

ونصت المادة الأولى على "اعتماد خريطة الطريق المقدمة من اللجنة المشكلة من مجلس النواب الليبي بحيث يجرى الاستحقاق الانتخابي في مدة لا تتجاوز 14 شهرا من تعديل الإعلان الدستوري".

وجاء في المادة الثانية أنه "على اللجنة المشار إليها في المادة الأولى التشاور مع لجنة مجلس الدولة لتقديم الصيغة النهائية بشأن التعديل الدستوري، متضمنا تحديدا دقيقا للمدد المطلوبة للاستحقاق الانتخابي، في مدة لا تتجاوز الزمن المحدد في المادة السابقة، وذلك للتصويت عليها في أجل لا يزيد على أسبوع بالتزامن مع منح الثقة للحكومة الجديدة".

أما المادة الثالثة فتنص على أنه "بعد الاستماع لمشاريع المترشحين لرئاسة الحكومة، تحال الأسماء إلى مجلس الدولة لتقديم التزكيات المطلوبة بشأنهم، على أن يكون التصويت في جلسة الخميس الموافق 10 فبراير الجاري".

وأخيرا المادة الرابعة وجاء بها "على لجنة خريطة الطريق تقديم تقريرها النهائي وذلك في مدة شهر.

وتعليقا على تلك الخطوط، أكد المحلل السياسي الليبي محمد الدوري، أن تلك المدة تعد كبيرة للغاية، الجميع يطالب بانتخابات في وقت قريب، فالوضع الحالي في البلاد لا يحتمل الاستمرار لتلك المدة.

وأكد الدوري لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الشارع الليبي لا يريد سوى الانتخابات في أقرب وقت، وتلك المطالب ساندتها التصريحات الدولية من واشنطن وأوروبا التي طالبت بضرورة التوصل لموعد قريب والحفاظ على الزخم الحالي.

وأضاف الأكاديمي الليبي أن الوضع الراهن يتأزم، متوقعا رفض حكومة الوحدة الوطنية تسليم السلطة لحكومة جديدة غير منتخبة وفقا لخريطة الطريق المتفق عليها دوليا، والتي تتجه نحو الموت السريري بشكل فعلي نتيجة تصرفات الكيانات والأجسام السياسية في الداخل الليبي.

وشهدت الجلسة نقاشات حول المدة الزمنية المحددة إلى حين عقد الانتخابات، حيث تفاوت آراء النواب بشأن المدة المحتاجة سواء 14 شهرا أو أقل من ذلك، في حين ذهب آخرون إلى الحاجة لمدة تزيد على عامين.

وأشار رئيس مجلس النوابب، عقيلة صالح، إلى أن الأمر مرتبط بتقديرات الأجهزة المعنية بتنظيم الانتخابات وهي المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ومصلحة الأحوال المدنية التي طلبت تلك الفترة لإزالة أسباب القوة القاهرة التي حالت دون عقد الاستحقاق ديسمبر الماضي.

وفي السياق قالت الناشطة الحقوقية حرية بويمامة: "إن ما يحدث تلاعب بإرادة الشعب الليبي بمعنى الكلمة، مطالبة بضرورة إجراء الانتخابات في غضون أشهر قليلة وليس بعد أكثر من عام ونصف".

وأضافت الناشطة الحقوقية لموقع "سكاي نيوز عربية": "الشارع لن يصمت أمام تحركات الكيانات السياسية الحالية التي لا تريد الوصول للصندوق الانتخابي؛ من أجل الحفاظ على مناصبها".

ومن جانبه، قال الباحث السياسي الليبي محمد قشوط، إنه كان على تواصل مع أحد أعضاء لجنة خريطة الطريق بالبرلمان.

وأكد أن اللجنة ستعكف خلال هذه الفترة على حسم ملف الدستور، حيث ستشكل لجنة أغلب أعضائها خبراء قانون واقتصاديون وحكم محلي، وستراجع مشروع الدستور المقدم مسبقا، وستغيّر المواد الجدلية فيه، ثم سيُعرض على البرلمان.

وحول المواد التي تتعلق بمجلس الدولة، قال قشوط: إن التواصل معه "كتشاور غير ملزم فقط"، في إشارة إلى الاتفاق السياسي الذي حدد الدور "الاستشاري" للمجلس، ودون أن يتعدى ذلك إلى التدخل للموافقة أو الرفض على أي من المسارات المحددة في الخريطة.

وأضاف أنه يبقى أمام النواب حسم ملف تشكيل حكومة جديدة تدعم من القوى الفاعلة على الأرض، وبالفعل استوفى مرشحان لمنصب رئيس الوزراء الشروط المطلوبة للترشح، وهما فتحي باشاغا وخالد البيباص، وسيختار من بينهما الأعضاء الأنسب لتشكيل الحكومة الجديدة.