رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: واشنطن تحذر القادة الإفريقيين من انخراط الصين في القارة الأفريقية

نشر
الأمصار

أعلن الرئيس الأمريكي السابق ترمب انسحاب بلاده بشكل نهائي من اتفاق الشراكة بين المحيط الهادئ TPP الذي تم توقيعه في عام 2015 بين اثنتي عشرة دولة من الدول الأعضاء بالمنتدى الذي استمرت المفاوضات منذ 2008، ويضم إلى جانب الولايات المتحدة كلا من استراليا، بروناي، كندا، شيلي، اليابان، ماليزيا، المكسيك، نيوزيلندا، بيرو، سنغافورة، فيتنام، لتسريع التكامل الاقتصادي وتحرير التجارة فيما بينها، هدفت هذه الاتفاقية من أجل الهيمنة الأمريكية على آسيا وجلب شركاء متنوعين تحت جناح الاقتصاد الأكبر في العالم من أجل مواجهة تنامي تأثير الصين، وفكرتها أن تخفض الدول الضرائب على السلع ستدفع الولايات المتحدة أسعارا أقل على الواردات، وتستفيد من العمالة الرخيصة في الخارج (يراه ترمب نفس النموذج السابق الاستفادة من العمالة الصينية الرخيصة من أجل رفاهية المجتمعات الغربية عبر العولمة الذي ساهم هذا النموذج في صعود الصين على حساب هيمنة الولايات المتحدة كقطب آحادي برز بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، مما يساهم في تقليص القطب الأوحد لذلك هو يعارض العولمة)، لذلك عندما انسحب ترمب قبل التنفيذ قال ما فعلناه أمر عظيم لعمال أمريكا.

اعتبر الاتفاقية معارضون كونها دبلوماسية أمريكية، وليست اقتصادية، لكبح التأثير الصيني، التي تمثل 40 في المائة من الناتج المحلي العالمي الإجمالي، ونحو 25 في المائة من التجارة العالمية، لكن ترمب اعتبرها منذ الانتخابات من أنها كارثة تهدد مصالح الولايات المتحدة، لكن معاداة ترمب العولمة اصطدمت بالواقع، مع تنامي الفائض التجاري لصالح الصين، وعجزت أمريكا في كبح واردات الصين العملاق، ووقعت الدول ال11 في مارس 2018 في جانبي المحيط الهادئ بعد سنة من انسحاب ترمب لتنشيط التجارة بينهم، سميت بالشراكة الشاملة غبر المحيط الهادئ، وعندما أراد ترمب العودة للاتفاقية بشروط لصالح أمريكا، لكن اليابان وبقية الدول أعلنت أنه من الصعب تغيير بنود الاتفاقية.

كانت تراقب الصين الارتباك الأمريكي والتقلب، ما جعلها تسارع إلى توقيع أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم في 15 نوفمبر 2020 بين 15 دولة في آسيا والمحيط الهادئ تحمل اسم الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة RCEPوتضم الدول المشاركة 10 من أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا بالإضافة إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وأستراليا، وستغطي الاتفاقية سوقا ما يقرب من 2.2 مليار نسمة، أو ما يقرب من 30 في المائة من سكان العالم، بإجمالي ناتج محلي يبلغ 26.2 تريليون دولار أي حوالي 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتمثل 28 في المائة من التجارة العالمية بناء على أساس أرقام 2019، واقترحت الاتفاقية لأول مرة عام 2012، انسحبت الهند من المحادثات في 2019 جراء قلقها حيال المنتجات الصينية زهيدة الثمن الذي سيفسح المجال لدخولها للبلاد ، ولكن الاتفاقية ترحب بالهند في أي وقت باعتبارها شريك إقليمي مهم.

فالاتفاقية تعد بديلا تقوده الصين لمبادرة واشنطن التجارية التي لم تعد مطبقة حاليا، ويرسخ الاتفاق طموحات الصين الجيوسياسية الإقليمية الأوسع حيال مبادرة حزام والطريق الهادف إلى توسيع النفوذ الصيني عالميا، ووسيلة للصين لوضع قواعد التجارة في المنطقة، بعد تراجع دور الولايات المتحدة فيها خلال عهد الرئيس ترمب السابق، وسيكون للشركات متعددة الجنسيات الأمريكية الاستفادة من اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة عبر فروعها في عدد من البلدان المنضوية فيه.

يبلغ ناتج الولايات المتحدة عام 2021 نحو 23 تريليون دولار وناتج الصين نحو 17.46 تريليون دولار، وتبلغ التجارة الدولية الصينية نحو 6 تريليونات دولار فيما تبلغ التجارة الدولية الأمريكية نحو 5 تريليونات دولا، وأصبحت الصين الشريك الأول لأوروبا بنحو 586 في 2020 أكبر بنحو 31 مليار دولار من الولايات المتحدة الذي بلغ 555 مليار دولار تميل الكفة لصالح الصين، وكذلك مع العالم العربي بنحو 330 مليار دولار، ويبلغ التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة في 2020 نحو 586.7 مليار دولار، نمت التجارة في 2021 بنحو 28.7 في المائة إلى 755.6 مليار دولار، ارتفع العجز التجاري الأمريكي من 310 مليار دولار عام 2020 إلى 506.4 مليار دولار في 2021.

فبعد توقيع الصين اتفاقية الشراكة مع الدول العربية في السعودية، الذي يجعل السعودية تسير بالعرب للمستقبل، وتقدم صورة نموذجية في استقلال كل نفوذها الإقليمي والدولي للمشاركة في وضع نظام يتعدد فيه الحلفاء، وهي لا تبحث فقط عن مصالحها بل عن مصالح العرب، هذا يثبت ما قاله الرئيس الصيني أن السعودية استطاعت تجاوز التحديات العالمية، وجعل الأمة العربية تتحرك كأمة واحدة ولأول مرة، حيث تعاملت بكين مع طهران على أنها قطعة مستهلكة في لعبة الشطرنج مع واشنطن، خصوصا بعدما أفشلت السعودية الاتفاق النووي مع الدول الغربية، والذي كانت تنتظره بكين وأوروبا وهو ما لم يتحقق، ولا يمكن لبكين أن تضخ استثماراتها في دولة مفروض عليها عقوبات أمريكية، فأمريكا وأفريقيا استضافة متأخرة، وقمة واشنطن للحاق بركب المنافسين في القارة في 13/12/2022 بعدما تركت الأزمات في القارة في موزمبيق والصومال وليبيا للدور الفرنسي المغضوب عليه من قبل قادرة وشعوب القارة وخصوصا في مالي، ومنذ مبادرة كلينتون في القارة في تقديم تسهيلات ائتمانية، لكن هذه المبادرة تقلصت في عهد أوباما حتى تحولت إلى فجوة حقيقية مما مكن الصين من التغلغل في القارة.

تعود أمريكا إلى القارة بمبادرة جديدة بضخ 55 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات في جوانب ثلاث الأمن الغذائي، تغير المناخ، الحوكمة، بعد 8 سنوات على القمة الأولى التي عقدت في عهد أوباما في 2014 ويحضر القمة اليوم 49 دولة أفريقية، واعتبر وزير الدفاع الأمريكي في خطابه أن البصمة الاقتصادية الصينية في القارة غير شفافة، وروسيا تبيع الأسلحة الدقيقة عبر مليشياتها المنتشرة في القارة، لكن السؤال هل أمريكا قادرة على مواجهة التغلغل الصيني والروسي في القارة الأفريقية خصوصا إذا ما أدركنا أن الجمهوريون سيسيطرون على البرلمان، فهل يوافقون على هذه المبادرة؟، وهل تعلمت أمريكا الدرس فيما يخص الجزء العربي الأفريقي أن تنوع مصادر سياساتها كما أن يكون مواز لتنويع القارة مصادر أسلحتها، هذا التنافس مفيد للدول العربية كافة أي أنها تستفيد من كافة الأطراف لمعالجة أزماتها الأمنية من خلال الدبلوماسية العربية الفاعلة.

فهل يستعيد بايدن أفريقيا دبلوماسيا واقتصاديا تطغى عليه فقد الثقة على العلاقات بين الطرفين، وهو صدع لا يمكن القمة من رأبه، خصوصا بعد ازدراء ترمب أفريقيا ورغبة حتى بالانسحاب العسكري الكامل من أفريقيا، وتغيب عن القمة 5 دول أفريقية، أريتريا، السودان، مالي، بوركينا فاسو، وغينيا، ويحضر رئيس الاتحاد الأفريقي رئيس السنغال ماكي سال.

يعتزم بايدن لرأب الصدع خلال القمة الإعلان عن دعم بلاده انضمام الاتحاد الأفريقي في مجموعة ال20، ويؤيد بايدن أيضا حصول الاتحاد الأفريقي على مقعد دائم في مجلس الأمن، من أجل اقناع بايدن القادة الأفريقيين بان يحتلوا مركزا متقدما على لائحة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية سعيا لمواجهة النفوذين الصيني والروسي في القارة، مع محاولة فرض نموذج الديموقراطية الأميركية على قادة أفريقيا، فيما تنظر أميركا إلى القادة الديكتاتوريين في معظمهم بموقع أقوى، ودليل ذلك أن أغلبهم اعتمد موقفا حياديا تجاه ما يجري في أوكرانيا ولم يدن روسيا المتغلغلة عسكريا في افريقيا تماما كالتغلغل الاقتصادي الصيني، وكذلك الأوروبي والياباني والهندي والتركي ودول أخرى تتسابق في التمدد والتواجد في القارة الأفريقية الخام والقابلة للنمو ووفقا للبنك الدولي، فإن ناتج القارة الأفريقية حاليا 1.2 تريليون دولار ولا يتوافق مع ثروات أفريقيا وحجمها وهي قابلة للنمو السريع، وسيبلغ ناتجها عام 2045 نحو 27 تريليون دولار، بل هي قارة بكر وفرص النمو فيها تمتد بمائتي عام قادمة، وهي قارة أصبحت موقعا لمقاصصة ومحاصصة جيوسياسية، وترى أمريكا أن قارة أفريقيا الموقع الذي تقطع على الصين طريق القطبية.

لذلك تحاول الولايات المتحدة اللحاق بركب التموضعات الصينية الروسية في القارة، بعدما أيقنت أميركا أن القوة الخشنة لم تعد تجدي بعد أخفاق سياسة مكافحة الإرهاب.