رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

القمة السعودية الصينية.. تجسيد لوصل الروابط التاريخية الممتدة

نشر
الملك سلمان والرئيس
الملك سلمان والرئيس الصيني

تشهد العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية تطورًا مميزًا ووثيقًا، وتسير بوتيرة متسارعة نحو المزيد من التعاون والتفاهم المشترك بينهما في مختلف المجالات بما يعود بالنفع على البلدين والشعبين الصديقين.

و‬تمتد العلاقات السعودية - الصينية لأكثر من نصف قرن من الزمان، عندما زار الملك فيصل بن عبدالعزيز الصين عام 1970، في أول زيارة من نوعها لملك سعودي للبلاد الواقعة في الشرق الأقصى، وقبل أن تأخذ العلاقات الثنائية الشكل الرسمي بحلول عام 1990، وتبدأ في النمو والازدهار.

وفي السنوات العشر الأخيرة أخذت الشراكة السعودية- الصينية طابعًا أكثر جدية وازدهارًا مع زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج إلى الرياض عام 2016، التي شهدت توافقًا على المستويات كافة بين الجانبين.

تصاعدت وتيرة العلاقات بين البلدين حينما حط الملك سلمان بن عبدالعزيز “الرحال” في الأراضي الصينية عام 2017، وشهدت توقيع عدد من الاتفاقيات بقيمة 65 مليار دولار، قبل أن تبلغ مداها بتوقيع 35 اتفاقية خلال زيارة سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، إلى العاصمة الصينية بكين.

العلاقات السعودية الصينية

وقد بدءت العلاقات السعودية الصينية مع أول اجتماع رسمي بين الصين والسعودية في عمان في نوفمبر عام 1985م، وأنشأت الحكومتان العلاقات الدبلوماسية الرسمية في يوليو 1990.

وقبل عام 1990م لم تكن بين المملكة العربية السعودية والصين أية علاقات دبلوماسية.

وفي عام 1975م، رفضت المملكة العربية السعودية الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية كدولة، على الرغم من رغبة جمهورية الصين الشعبية إلى إقامة علاقات مع المملكة العربية السعودية.

كانت المملكة العربية السعودية الدولة العربية الوحيدة التي ما زالت لم تقم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية على الرغم من أن المملكة العربية السعودية كانت لديها علاقات دبلوماسية مع تايوان، وتوجد لحكومة تايوان سفارة في السعودية في جدة.

وفي يوليوعام 1990م، قام الأمير بندر بن سلطان سفير السعودية لدى الولايات المتحدة بزيارة بكين وتمت بعدها إقامة علاقات دبلوماسية. وبعد إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الصين انتهت علاقة السعودية بتايوان بعد 40 سنة من العلاقات الدبلوماسية.

العلاقات العسكرية

العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين المملكة العربية السعودية والصين لم تنشأ حتى 1990، لكن العلاقات الدفاعية بدأت في 1980.

عندما رفضت الولايات المتحدة بيع خزانات وقود بعيدة لطائرات إف-15 إيغل للسعودية قامت المملكة بترتيب اتفاق مع الصين في عام 1988 للحصول على ما بين خمسين إلى ستين صاروخ من نوع دونغفنغ 3 متوسطة المدى قادرة على حمل الرؤوس النووية. هناك تكهنات بأن التعاون العسكري الاستراتيجي بين الصين والسعودية قد استمرت في النمو.

ويعتقد الخبراء أن الصين قد ترسل أكثر من ألف من مستشاريها العسكريين إلى منشآت صواريخ سعودية. وتشير تقارير صحفية إلى أن الصين قدمت للمملكة العربية السعودية عرضا لشراء أنظمة صواريخ حديثة مثل دي إف-21.

العلاقات الثقافية

تشجيع التعاون الثقافي بين المملكة والصين، من خلال الإعلان عن جائزة الأمير محمد بن سلمان آل سعود، بمسمى «جائزة محمد بن سلمان»، وهي جائزة تهتم بالترويج للغة العربية وآدابها وفنونها في الصين، وتشجيع التبادل الثقافي بين الثقافة السعودية والثقافة الصينية، وتبلغ قيمة كل جائزة 100,000 دولار ضمن الفئات:

وفي فبراير عام 2019 خلال زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للصين تم توقيع إتفاقية بين الجانبين السعودي والصيني من أجل وضع خطة لتكون اللغة الصينية ضمن مناهج التعليم العام والجامعي في السعودية.

التعاون النووي

في 15 يناير 2012، وقعت الصين والمملكة العربية السعودية على صفقة زيادة التعاون النووي. وفقا للمملكة العربية السعودية الهدف من ذلك هو تعزيز التعاون بين البلدين في مجال تطوير واستخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، والإتفاق يمهد الطريق لتعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي، والاقتصادي بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية، مع التركيز على مجالات مثل صيانة وتطوير محطات الطاقة النووية ومفاعلات الأبحاث، وكذلك تجهيز مكونات الوقود النووي. هذا الاتفاق هو الإتفاق النووي الرابع للمملكة العربية السعودية.

وقعت الشركة الوطنية النووية الصينية (سي أن أن سي) مذكرة تفاهم مع الإحصائية الجيولوجية السعودية في عام 2017، حيث تعاون البلدان على تحديد ودائع اليورانيوم المحتملة والمتوقعة وحدد الجيولوجيون أنه قادرة على إنتاج 90 ألف طن من اليورانيوم.

التجارة والإستثمار

منذ عام 2000م زادت التجارة بين الصين والسعودية بشكل كبير.

في عام 2005م زادت التجارة إلى 59٪. تجاوزت المملكة العربية السعودية أنغولا كأكبر مصدر نفط للصين، حيث تقوم شركة سابك بتصدير بتروكيماويات للصين بقيمة أكثر من 2 مليار سنويًا.

وفي عام 2008م، بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين والسعودية إلى 32,500,000,000€، مما يجعل السعودية أكبر شريك تجاري للصين في غرب آسيا.

وفي الربع الأول من عام 2010، وصلت صادرات النفط السعودي إلى الصين أكثر من مليون برميل، وهذا يتجاوز صادرات النفط السعودي إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وجدير بالذكر، السعودية حريصة على الاستثمار في المشاريع ذات الصلة بالنفط باعتبارها وسيلة لتأمين وضعهم كمزود رئيسي للنفط إلى الصين وعلى سبيل المثال، في عام 2004، استثمرت أرامكو في الصين بقيمة 3 مليارات دولار لبناء منشأة للبتروكيماويات في مقاطعة فوجيان جنوب شرق الصين والتي من المقرر أن تعالج 8 ملايين طن من النفط الخام السعودي.

في عام 2006م، وافقت جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية لبناء منشأة لتخزين النفط في جزيرة هاينان في الصين بقيمة بقيمة 624 مليار دولار.

وفي 6 أبريل 2012م، أعلنت شركة سابك خطة استثمارية جديدة بقيمة 100 مليون دولار لإنشاء مركز تكنولوجيا جديدة في منطقة Kangqiao في شنغهاي، في فبراير 2019، أعلن منتدى الاستثمار السعودي الصيني الذي عقد في عاصمة الصين بكين، عن تتويج 35 اتفاقية تعاون اقتصادي بأكثر من 28,000,000,000 دولار أمريكي، ومنح 4 شركات صينية التراخيص.

القمة السعودية - الصينية المرتقبة

20 اتفاقية أولية بقيمة تتجاوز 110 مليارات ريال

بدأ الرئيس الصيني، شي جينبينغ، اليوم الأربعاء زيارة رسمية للمملكة السعودية تستمر لمدة يومين يشارك فيها في 3 قمم.

جاء ذلك بدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين، يقوم رئيس جمهورية الصين الشعبية بزيارة رسمية إلى المملكة خلال الفترة من 7 إلى 9 ديسمبر 2022.

على أن يتضمن برنامج الزيارة حضور رئيس الصين "قمة الرياض الخليجية الصينية للتعاون والتنمية"، و"قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية"، وذلك بمشاركة قادة الدول الخليجية والعربية.

وتجسد الزيارة الحالية لرئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ إلى المملكة؛ حرص قيادتي البلدين على تعزيز العلاقات الثنائية، وشراكتهما الاستراتيجية واستثمار إمكاناتهما السياسية والاقتصادية في خدمة مصالحهما المشتركة.

وتنعقد خلال زيارة الرئيس الصيني ثلاث قمم هي (السعودية- الصينية، والخليجية الصينية، والعربية الصينية) بحضور أكثر من 30 قائد دولة ومنظمة دولية، وهو ما يعكس أهمية انعقاد هذه القمم، وما تحظى به من اهتمام إقليمي ودولي.

ومن المنتظر أن توقع على هامش القمة السعودية - الصينية أكثر من 20 اتفاقية أولية بقيمة تتجاوز 110 مليارات ريال، إضافة إلى توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية بين المملكة والصين، وخطة المواءمة بين رؤية المملكة 2030، ومبادرة الحزام والطريق، كما سيُعلن عن إطلاق جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين السعودية والصين.

 

ولا شك أن هذه العلاقات المزدهرة بين البلدين الصديقين تعكس رؤية استراتيجية مشتركة، كما تعبر عن رغبة متبادلة لتعميق العلاقات التاريخية بين شعب المملكة العربية السعودية وشعب جمهورية الصين الشعبية في جميع المجالات، بما يخدم المصالح العليا للبلدين والشعبين الصديقين.​…