رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

مع بدء تخفيف قيود كورونا.. هل تنتعش أسواق النفط في الصين؟

نشر
الأمصار

خففت الصين إجراءات مكافحة كورونا مع خفض مدة الحجر الصحي للوافدين من 10 أيام إلى 8، وإلغاء الإغلاق المفاجئ لمسارات طيران أمام بعض الرحلات الجوية، كما أعلنت لجنة الصحة الوطنية، أنها ألغت شرط تحديد وعزل "المخالطين الثانويين للمصابين".

وقالت الحكومة الصينية في مذكرة نشرها التلفزيون الرسمي، إن اللجنة الدائمة للمكتب السياسي التي تحظى بنفوذ واسع والمؤلفة من سبعة أشخاص اجتمعت لإقرار تخفيف القيود.

ويعد هذا الخبر إيجابيًا لأسواق النفط على وجه الخصوص، حيث سينتعش النفط بفضل عودة الطلب الصيني باعتبارها أكبر دولة مستهلكة للنفط للعالم.

وتنفست أسواق النفط والسلع في الصين الصعداء أملًا في انتعاش الطلب بعد اعتماد تدابير جديدة -مؤخرًا فور انتشار تقارير تفيد بقرب عودة الحياة الطبيعية إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كان ذلك كافيًا لانتعاش أسعار النفط.

وتبعث أسواق النفط بإشارات قوية بأن بكين ربما بدأت في تخفيف سياسات كورونا الصارمة، في خطوة لإنعاش النمو الاقتصادي المتعثر وعودة مواطنيها إلى حياتهم الطبيعية، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

تأثير السياسات في أسواق النفط

دفعت الخطوة الأخيرة التي اتخذتها مدينة قوانغتشو، عاصمة مقاطعة غوانغدونغ -أكبر مساهم في إجمالي الناتج المحلي في الصين-، أسواق النفط إلى البحث عن إجابات تتعلق بأنها قد تسهم في إعادة فتح الاقتصاد أسرع من المتوقع، وتدفع إلى انتعاش الطلب في أكبر مستهلك للنفط بآسيا، حسبما نشر موقع إس آند بي غلوبال بلاتس (S&P Global platts).

وفاجأت التطورات العديد من المحللين في قطاع النفط، التي ظلت تقديراتهم للطلب على النفط في الصين تتجه إلى الهبوط حتى الأيام الماضية.

خزانات النفط بمقاطعة شاندونغ بالصين

 أشارت مصادر في السوق إلى حرص الصين على كبح ضعف النمو الاقتصادي بعد 3 سنوات من السياسات المشددة المتعلقة بفيروس كورونا، إلا أن المحللين يعتقدون أنه من السابق لأوانه التسرع في الاستنتاجات.

الطلب على وقود النقل

أدت عمليات الإغلاق في المدن الرئيسة، مثل بكين وقوانغتشو وتشونغتشينغ، لإلحاق إضرار جسيمة بالطلب على وقود النقل، خاصة البنزين.

وأعلنت مدينة قوانغتشو في 30 نوفمبر/تشرين الثاني (2022) خططًا لرفع بعض القيود واستئناف حركة النقل العام رغم استمرار إغلاق الأبراج السكنية التي تحتوي على حالات إصابة مؤكدة.

بالإضافة إلى ذلك، فقد ألغت اختبارات الـ"بي سي آر" المنتظمة لجميع السكان، والحث على إجراء اختبار المستضد السريع الذاتي، والسماح بعزل المخالطين المقربين في المنازل بدلًا من نقلهم إلى الحجر الصحي.

وجاءت هذه السياسات رغم ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في قوانغتشو عند 6 آلاف و312 حالة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني (2022)، أي 18% من إجمالي الحالات الجديدة في الصين بذلك اليوم، وفقًا للجنة الصحة الوطنية.

وفي مطلع الشهر الجاري، أشار مركز "إيه إن زي للأبحاث" إلى أن الصين بدأت التفكير في إنهاء سياستها الصارمة المتعلقة بفيروس كورونا، ويبدو أن القدرات الطبية تحظى بثقة السلطات، ويوحي ذلك أنه من المحتمل إعادة استئناف الأنشطة بالكامل قبل شهر مارس/آذار (2023).

ولم تقتصر تداعيات السياسات الصارمة في الصين على الطلب على النفط فحسب، وإنما على إجمالي الناتج المحلي -أيضًا-.

وفي مذكرة صادرة عن شركة نومورا المالية في 1 من ديسمبر/كانون الأول (2022)، وجدت أن توقف نائبة رئيس الوزراء الصيني صن تشونلان عن ذكر سياسة "صفر كوفيد" في خطاباتها، والإجراءات في قوانغتشو يشير إلى بداية نهاية هذه السياسة، ويزيد من إمكان حدوث سيناريو إيجابي، لكنها ترى أن التعايش مع الفيروس قد يكون بطيئًا ومكلفًا ومليئًا بالتحديات.

وقال محللون في قطاع النفط إن زيادة عدد الحالات سيضعف الطلب حتى لو خفّفت الحكومة القيود.

ويعتقد محلل مقيم في بكين أن حركة المواطنين ستظل بطيئة لبعض الوقت قبل انتعاشها، إذ يحصل المصابون على إجازة مرضية، في حين تبقى نسبة في المنازل طواعية لتجنب العدوى، فضلًا عن أن مخاطر الركود ما تزال قائمة للربع الأول من عام 2023.

ويتوقع معهد أبحاث الاقتصاد والتكنولوجيا في مؤسسة النفط الوطنية الصينية (سي إن بي سي) ارتفاع استهلاك النفط في الصين خلال الربع الثاني من عام 2023 عند انتعاش حركة النقل، مع نمو بنسبة 2% للعام بأكمله.

وقدّر السوق النفطي انخفاض الطلب على النفط في الصين لعام 2022 بنسبة 2% على أساس سنوي، مدفوعًا بانخفاض 7.5%، أو 28 مليون طن متري، على أساس سنوي في استهلاك المشتقات النفطية، إذ يحد الوباء من الطلب على وقود النقل.

وقال نائب رئيس مركز الصين للتبادلات الاقتصادية الدولية وانغ يمينغ إن الصين تتعرض لضغوط لتلبية معدل نمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي المستهدف، لتصبح "دولة متقدمة متوسطة المستوى" بحلول عام 2035، بسبب بطء النمو الاقتصادي في 2020-2022 في ظل التحديات التي شهدتها جراء فيروس كورونا.

وأوضح أن الهدف يتطلب متوسط نمو سنوي لإجمالي الناتج المحلي عند 5.5% خلال الخطة الخمسية في 2021-2025، ونحو 4% في 2026-2035.

وتتوقع إس آند بي غلوبال نمو إجمالي الناتج المحلي للصين بنسبة 2.7% في عام 2022، و4.7% في عام 2023.

الاستحواذ على النفط الروسي

في غضون ذلك، بدأت مصافي النفط في الصين الاستحواذ على النفط الروسي بعد توقف دام مدة قصيرة.

واشترت مصافي التكرير الخاصة في الصين المعروفة باسم "أباريق الشاي" عدة شحنات من خام إسبو الروسي، ومن المتوقع وصولها خلال ديسمبر/كانون الأول (2022)، ويناير/كانون الثاني (2023).

وبِيعت الشحنات بخصومات أكبر من سعر خام برنت القياسي، مقارنة بالصفقات التي أُبرمت قبل أسابيع فقط.

ويراقب المحللون من كثب عمليات بيع النفط الروسي خلال المدة التي تسبق يوم 5 ديسمبر/كانون الأول (2022)، وهو موعد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة من شأنها أن تمنع الكتلة من تقديم خدمات الشحن والتأمين والخدمات المصرفية إلى التجارة الروسية.

وقالت وكالة إس آند بي غلوبال كوميدتي إنسايتس، "على غرار باقي الدول الأخرى التي تتجه إلى إعادة فتح الاقتصاد، أصدرت قوانغتشو بعض التعليمات إلى المواطنين لمواجهة فيروس كورونا في إطار الاستعداد للتعامل مع زيادة حالات الإصابة".

وترى الوكالة أنه من الضرورة مراقبة ما إذا كانت الصين ستشهد المزيد من عمليات الإغلاق عند تزايد حالات الإصابة، وما إذا كانت المدن الأخرى ستمنع حركة التنقل من قوانغتشو أو اتباع الإجراءات نفسها، موضحة أن هذه التدابير ستحدد مدى انتعاش الطلب على وقود النقل في الصين.

وسبق أن عدّلت وكالة إس آند بي غلوبال كوميدتي إنسايتس في شهر نوفمبر/تشرين الثاني (2022) تقديرات الطلب على النفط في الصين للربع الرابع بانخفاض بمقدار 61 ألف برميل يوميًا خلافًا لتوقعات سابقة، إلى جانب انخفاض الطلب على البنزين بمقدار 36 ألف برميل يوميًا، والديزل بنحو 66 ألف برميل يوميًا.

وقالت الوكالة إن مراقبة السوق مهمة لإجراء المزيد من التعديلات، لأن الحكومة الصينية قد تغيّر سياساتها باستمرار، وسيؤثر ذلك في الطلب لعام 2023.

ويهتم التجار بمعرفة ما إذا كان بإمكان الصين والهند الاستمرار في شراء النفط الروسي، أو الالتزام بالسقف السعري المقترح، أم التحول إلى مزودي الخدمات من خارج الاتحاد الأوروبي.

وفي هذه الحالة، لن يكون السعر النهائي للشحنات معروفًا إلا بعد وقت طويل، وذلك لأن الصفقات تستند إلى متوسط عقد الشهر الأمامي لخام برنت خلال فبراير/شباط (2023)، ولا يمكن جدولته إلا في نهاية ديسمبر/كانون الأول (2022)، كما لم يتضح ما إذا كانت الشحنات ستُنقل قبل أو بعد 5 ديسمبر/كانون الأول (2022).

وأشار التجار إلى أن مصافي النفط الخاصة الصينية ليست قلقة من تعرض بضائعها لعقوبات الاتحاد الأوروبي أو تطبيق السقف السعري، خاصة أن عمليات الشراء تتم على أساس التسليم، ما يترك مسؤولية الشحن والتأمين على عاتق البائعين.

ويُعتقد أيضًا أن المصافي اشترت الشحنات باليوان الصيني بدلاً من الدولار الأميركي، وموّلتها البنوك والمؤسسات المحلية.

وما تزال المحادثات حول وضع سقف سعري للنفط الروسي جارية في خضم الخلاف بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، رغم أن هناك مؤشرات تفيد بأن الكتلة تقترب من تحديد سقف سعري عند 60 دولارًا للبرميل.

ومع ذلك، قالت روسيا في وقت سابق إنها لن تبيع النفط والغاز للدول التي توافق على فرض سقف سعري على منتجاتها.