رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الوكالة الدولية للطاقة: أزمة الثقة تجاه روسيا صارت مزمنة

نشر
الأمصار

أكدت الوكالة الدولية للطاقة، ومقرها باريس، أن أمن إمدادات الطاقة الواصلة إلى الأسواق الأوروبية يواجه حاليا تهديدات خطيرة وغير مسبوقة، منذ استخدام روسيا للغاز كسلاح سياسي في مواجهة الغرب.

وذكرت الوكالة الدولية للطاقة، في أحدث تقديراتها للموقف- أنه حتى لو عادت روسيا إلى ضخ الغاز إلى الأسواق الأوروبية بالصورة نفسها التي كان الوضع عليها قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية، فإن ثقة الأوروبيين في روسيا كشريك تجارة لن تستمر قائمة في المستقبل؛ خشية ابتزاز موسكو لهم بعد أن باتت صادراتها لهم حاليا من الغاز لا تتعدى نسبة 10% عما كانت قد تعاقدت على توريده قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية.

وأضاف التقرير، الذي صدر تزامنا مع الاجتماعات التمهيدية لقمة الاتحاد الأوروبي الجارية حاليا في بروكسيل، أنا لوكالة لا تستبعد إقدام روسيا على قطع نسبة العشرة بالمائة التي توردها حاليا من إلى الأسواق الأوروبية خلال موسم شتاء 2022/2023، واصفة حدوث ذلك بأنه "إمعان في الضغط سياسيا واستراتيجيا على الجانب الأوروبي".

وجاء في التقرير أن هذا الوضع "سيخلق حالة من الانكشاف الدائم في أوضاع أمن الطاقة للأوروبيين وهو ما يؤثر سلبا في مستقبل الأداء الاقتصادي في دولهم والذى بدت مؤشراته متدنية".

وفي سياق موازٍ.. كشف تقرير للرابطة الأوروبية لنقابات العمال عن ارتفاع معدلات التضخم بنسبة لا تقل عن 9% فيكلفة معيشة الأوروبيين بسبب أزمة الطاقة الناجمة عن قطع إمدادات الغاز الروسي.
وبين التقرير أن رومانيا ودول شرق أوروبا المنضمة حديثا إلى الاتحاد الأوروبي هي الأشد معاناة على المستوى الشعبي والعمالي من ارتفاعات الأسعار الحاصلة حاليا نتيجة نقص الغاز، مشيرا إلى أن أزمة الغاز بالنسبة للأوروبيين كان لها وجه آخر لا يقل خطورة حتى في بلدان الاتحاد الأوروبي الأكثر ثروة مثل ألمانيا، التي بدأت قطاعاتها التصنيعية والإنتاجية تتكبد خسائر باهظة دفعت الحكومة الألمانية إلى تقديم 200 مليار يورو كدعم لها برغم معاداة الرأسماليين الألمان لسياسات الدعم في بلدان العالم الأخرى.

وفي السياق نفسه، كشف مسئولون أوروبيون عن مخاوف بلادهم من أثر ارتفاع أسعار الطاقة العالمية على الأوضاع الاقتصادية وأجواء الاستثمار في دولهم المثقلة بهموم الأزمة الروسي الأوكراني وتداعياتها الناتجة عن تسييس روسيا للغاز في صراعها مع أوكرانيا المدعومة من الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة.

وقال رئيس المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية باول زيركا - في مقابلة صحيفة مع وكالة أنباء "اسوشيتد برس" اليوم- إن الصراع الروسي الأوكراني كان لحظة كاشفة أمام الأوروبيين أن اعتمادهم على الغاز الروسى وحده "كان خطأ سياسيا فادحا يدفع الأوربيون ثمنه في الوقت الراهن".
وأضاف: "ارتهان حاضر ومستقبل شعب الاتحاد الأوروبي البالغ تعداده 450 مليون نسمة يشكلون الكتلة الأغنى بين شعوب العالم، تحت رحمة الغاز الروسي كان خطأ كبيرًا.. فتلك الكتلة البشرية المرفهة باتت الآن تخشى برودة الشتاء وفقدان الوظائف وندرة الطاقة والكهرباء... وعلينا كصناع سياسات تمس حياة شعوبنا السعي فورا بحثا عن مخرج".

وعلى هامش اجتماعات وزراء خارجية و طاقة الاتحاد الأوروبي المنعقدة حاليا في بروكسيل الممهدة لقمة قادة دول الاتحاد المقررة الخميس المقبل، قالت مصادر في الاتحاد الأوروبي لـ"اسوشيتد برس" إن منع انزلاق الاقتصاديات الأوروبية إلى مشكلات وأوضاع أشد تعقيدا بات هدفا واضحا أمام كافة القادة الأوروبيين فيما يتعلق بأزمة الطاقة الراهنة، وهو ما لايدع خيارا أمام صناع القرار الأوروبيين سوى العمل على تقليص الطلب الأوروبي على الطاقة مع العمل على تأمين و ضمان المعروض منها، والعمل على احتواء المعروض من الطاقة وإدارة الطلب عليه بصورة صحيحة وفق نظام تسعير يضمن ديمومة واستمرار تدفقها إلى الأسواق الأوروبية وفي إطار استراتيجية متكاملة.

من جانبه، وصف رئيس الوزراء البلجيكي إليكساندر دوكرو قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة بأنها: "لحظة مفصلية في تاريخ الاتحاد الأوروبي.. فإما اقتناص لفرص بناء موقف موحد وإما فرقة قد يطول أمدها".

ويعد رئيس حكومة بلجيكا من انصار تحديد أسقف سعرية للغاز القادم من أوروبا وعدم تركه حرا، و تؤيد بولندا واليونان موقف رئيس الوزراء البلجيكي، وثلاثتهم يشكلون قوة ضاغطة عبر مفوضية الاتحاد الأوروبي في هذا الاتجاه.

أما على الجانب المعارض لوضع سقف سعري للغاز في أسواق الاتحاد الأوروبي فتقوده ألمانيا وترى أن وضع أسقف سعرية للغاز الذي تستورده أوروبا سيحد من المعروض منه وبالتالي سيفاقم مشكلة الندرة، وما بين الاتجاهين تعمل مفوضية الاتحاد الأوروبي، التي تعد الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، على طرح رؤية توافقية تتيح عمليات تصحيح مؤقتة وفي أوقات استثنائية محددة لأسعار الغاز الذي تستورده بلدان الاتحاد الأوروبي، كما تعمل مفوضية الاتحاد على وضع مؤشر استرشادي قياسي للغاز الطبيعي المسال، يعكس تطورات السوق سعريا على ضوء تراجع إمدادات الغاز الروسي.