رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

مع قرب انتهاء ولايته.. من سيخلف الرئيس اللبناني ميشال عون؟

نشر
الأمصار

يقبل لبنان على مرحلة دقيقة على الصعيد السياسي، حيث ينتظر إجراء انتخابات رئاسية لاختيار من يخلف الرئيس ميشال عون الذي تنتهي ولايته فى 31 أكتوبر المقبل.

ورغم حالة الانهيار الاقتصادي والسياسي التي تعيشها البلاد، والمخاوف من تكرار سيناريو الفراغ الرئاسي الذي عاشه لبنان قبل انتخاب الرئيس الحالي العماد ميشال عون في 2016، ما تزال مختلف القوى السياسية تتعاطي مع الملف على أن الاستحقاق قد لا يتم في موعده.

وفي خضم التساؤلات التي يعيشها الشارع حول اسم المرشحين لخلافة عون، ظهر لاعب جديد في السباق نحو الرئاسة، وهو زياد حايك، أمين عام المجلس الأعلى للخصخصة سابقاً، الأمر الذي أثار موجة من التفاؤل حول إمكانية دخول لاعبين جدد لخلافة عون وإجراء الاستحقاق في موعده.

هذا التفاؤل لم يدم طويلا، لأن القوى السياسية الكبرى في لبنان لم تكشف عن أسماء مرشحيها، فحتى الآن لا ملامح جدية في خوض معركة الرئاسة، ولا ترشيحات ولا تحديد مواعيد لجلسات الانتخاب تزامناً مع التردي المستمر في الأوضاع المعيشية على وقع انهيار الليرة.

ومع تخوف العديد من الفرقاء من احتمال تكرار تجربة الفراغ الطويل التي سبقت انتخاب ميشال عون رئيساً، لم تتضح بعد ملامح الاستحقاقات المقبلة، وسط شلل سياسي ينذر بانهيار كل إمكانات تشكيل حكومة جديدة. 

خرق هذا الجمود، اجتماع 16 نائبا مستقلا للمرة الأولى في مجلس النواب، من بينهم كتلة حزب الكتائب، لمحاولة تقريب وجهات النظر في ما بينهم قبيل الاستحقاق الرئاسي.

 وأفيد بأن الاجتماع هدفه مناقشة جدول أعمال الجلسات وآلية التصويت على مشاريع القوانين ومواضيع أخرى، وقد قاطع عدد من النواب هذا الاجتماع.

 

المهلة الزمنية لانتخاب الرئيس

تبعا لنص المادة 73 من الدستور فان الفترة الزمنية لانتخاب رئيس الجمهورية محددة بالنص التالي : قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء الولاية أي أن فترة الانتخاب تبدأ في 31 اب القادم بحيث يجب على رئيس مجلس النواب ابتداء من هذا التاريخ الدعوة إلى جلسة لانتخاب الرئيس.

جلسة الانتخاب


تبعا لنص المادة 49 من الدستور:”….ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في دورة الاقتراع الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي وتدوم رئاسته ست سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته ….”وغالبا ما يحصل اختلاف حول تفسير هذه المادة عند عدم حصول توافق كبير على انتخاب الرئيس، فيعتبر البعض أن نصاب الثلثين من مجلس النواب أي 86 نائبا هو نصاب الدورة الأولى ونصاب الدورات الأخرى هو النصاب العادي النصف زائدا واحدا أي 65 نائبا، بينما يصر البعض، وهذا ما حصل في كل الانتخابات الرئاسية، أن النصاب في كل الدورات هو الثلثين ومن دون حضور 86 نائبا لا يكتمل نصاب جلسة الانتخاب.

أبرز المرشحين


منذ توقيع "اتفاق الطائف" توالى على رئاسة لبنان 5 رؤساء، إلياس الهراوي هو الرئيس المدني الوحيد بينهم، وتلاه على التوالي قادة الجيش إميل لحود، ميشال سليمان وميشال عون، إلا أن وصول رجل عسكري لسدة الحكم في لبنان، لم يعنِ يوماً وصول العسكر إلى الحكم. وشكّل قائد الجيش دوماً محط إجماع في التسويات المُبرمة. وكانت التسويات إقليمية مع وصول ميشال سليمان إلى سدة الرئاسة بعد اتفاق الدوحة، وداخلية بعد اتفاق معراب بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" الذي أسفر عن وصول ميشال عون للرئاسة عام 2016. 
وعن حظوظ قائد الجيش الحالي العماد جوزيف عون بالرئاسة يرى طرابلسي "أن الوضع مختلف لأن قائد الجيش الحالي مقرب من الأميركيين، وهذا ما لن يستسيغه حزب الله، إذ إن جزءاً من الإجماع حول وصول قائد الجيش للرئاسة، هو ضمانة ألا يستخدم الجيش في مواجهة سلاح حزب الله".
ويضيف أن "انتخاب جوزيف عون يتطلب تعديلاً دستورياً وهذا ما لن يكون سهلاً إلا في حال حدوث توافق عليه".  

وعن أبرز الأسماء المتداولة في هذه المرحلة، وبينها سليمان فرنجية وجبران باسيل ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، يرى طرابلسي أن "الدخول في بازار الأسماء المطروحة والمرشحة غير مجدٍ، ولا يمكن فرض رئيس استفزازي في المرحلة الحالية، فلا بد من رئيس يحمل سمات توافقية". ويضيف أن "المشكلة الحقيقية تكمن في تأمين نصاب الثلثين لانتخاب رئيس، حتى وإن كان هذا الرئيس غير صدامي". 
43 نائباً لـ"تعطيل الجلسات"
ويوافقه جورج غانم على هذا الطرح، معتبراً أن "الهاجس الحالي لفريقَيْ السلطة الحالية هو تأمين 43 نائباً على الأقل من أجل تعطيل الجلسات، وليس تأمين ثلثي الأصوات لانتخاب رئيس جديد".

إلى ذلك يرى حسين أيوب "أن كل الأطراف من دون إستثناء باتت تملك حق التعطيل (43 نائباً)، ولعل المفارقة المستجدة أن تحاول قوى خارجية هذه المرة التمترس خلف هذا الثلث لكي تكون في موقع مختلف عن استحقاقي 2008 و 2016".
ويشرح: "في ظل هذه المعطيات، الكرة الآن في ملعب رئيس المجلس النيابي، عندما يحدد موعد أول جلسة رئاسية في نهاية هذا الشهر، على الأرجح، ستتكشف إرادة البرلمان بالحضور أو المقاطعة".

ويفترض أيوب "أن أول جلسة ستكون مكتملة النصاب بأكثرية الثلثين، طالما لا قدرة لأحد على الفوز من أول دورة برئيس بالثلثين". ويقول إن "الميزة الثانية للجلسة أنها ستحرج المرشحين فيبادروا إلى إعلان ترشيحاتهم. وليس بالضرورة كل المرشحين. هذا المسار يفضي إلى أننا سنصل إلى 31 أكتوبر من دون انتخاب رئيس فيصبح الفراغ هو المرجح لا التسوية".
ويعارض مكرم رباح وصول أي رئيس "لا يسعى للمواجهة"، معتبراً أن "هناك فرصة لإعادة لبنان لحضن المجتمع الدولي، والحد من سيطرة حزب الله وسلاحه عليه، وأن أي رئيس مدعوم من الاحتلال الإيراني سيؤدي إلى عزلة نهائية للبنان".

ويقول إن "مهمة القوى السيادية تتمثل في جذب أصوات النواب المستقلين والمحايدين إلى حد ما، وأن تضع خططاً متعددة لمواجهة السلطة من أجل إيصال مرشحها إلى سدة الرئاسة". ويسمي رباح كل من "صلاح حنين، ميشال معوض، نعمة أفرام"، ويرى أن ثمة أسماء كثيرة يمكنها أن تؤدي دور إعادة لبنان إلى الحضن الدولي كثيرة، مكرراً أن "المهم أن نضغط لحصول الانتخابات بأي ثمن".
من جهته، يعتبر قصير أن "ما يطرحه بعض السياديين أو القوات اللبنانية غير منطقي ولا يمكن أن يتحقق وهناك جهود تبذل لتأمين أكثرية قادرة على الإتيان برئيس توافقي".

 

هل يغادر عون القصر؟


ولكن هل يمكن أن يبقى عون في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته؟ يجيب طرابلسي، قائلاً إن "لجوء عون إلى حجة أن الحكومة مستقيلة غير دستوري، فالدستور لم يلحظ بنصه أي شيء حول شكل الحكومة التي يمكن أن تتسلم الحكم بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية".

ويشير إلى أن "المادة 62 من الدستور لم تتضمن أي فقرة تجيز لحكومة تصريف الأعمال تلقّي صلاحيّات رئيس الجمهوريّة وممارستها في حال الشغور الرئاسي، كما أنها لم تتضمّن أي فقرة تحظّر على حكومة تصريف الأعمال فعل ذلك".
ويعتبر طرابلسي أن كل ما يفعله عون "يهدف إلى تحصين موقع جبران باسيل وتياره في السلطة بعد انتهاء عهده وأنه لن يتنازل عن التوقيع الأخير لجهة تشكيل حكومة جديدة أو تعويم الحالية إلا بضمانة هذه المكتسبات".

في السياق ذاته، يقول جورج غانم إن "إلغاء التيار الوطني الحر، "بمثابة وهم"، مستدركاً أن "ما لم يتنازل عنه عون خلال العهد، لن يمنحه في آخر عهده بسهولة". ويوضح أن "لدى ميشال عون الكثير من الأعداء، لا بل أنه استعدى الجميع، ولا حليف له باستثناء حزب الله، وهو يريد أن يحصّن نفسه من أجل البقاء في الدائرة السياسية".


بدعة دستورية


أما الكاتب والباحث السياسي الدكتور مكرم رباح، فيعتبر أن ما نشهده الآن "بدعة بدأها وزير العدل السابق والمستشار الحالي لرئيس الجمهورية سليم جريصاتي قبل سنتين، بالترويج لبدعة دستورية تفيد بأن الرئيس يمكنه تصريف الأعمال وليس بحاجة إلى مغادرة القصر، وعندما سقطت هذه الهرطقة الدستورية بدأ بالترويج أن تسليم السلطة إلى حكومة تصريف أعمال ليس ممكناً".
ويرى رباح أن المهل الدستورية واضحة، وفي حال رفض عون مغادرة القصر فـ"يجب اللجوء إلى إخلائه بواسطة الجيش أو الحرس الجمهوري".

ويضيف رباح: "المعركة  اليوم هي بين خط سيادي وخط غير سيادي، وثمة ضرورة للعمل على تأمين انتخاب رئيس للجمهورية بأي ثمن".

ويتابع: "ليس ضرورياً أن ينتخب رئيس الجمهورية بأكثرية ساحقة ويجب وضع خطط متعددة من أجل الاستفادة من النص الدستوري بأن الانتخاب في الدورة الأولى يكون بأكثرية الثلثين في الدورة الأولى ومن ثمّ بالأكثرية، ولا أرى أي ضرر بانتخاب رئيس بأكثرية ضئيلة، المهم أن يكون رئيساً مقبولاً من المجتمع الدولي، من أجل كسر العزلة الدولية للبنان، بسبب سيطرة حزب الله عليه".
إلى ذلك، لا يرى الصحافي حسين أيوب "أن هناك أساساً ولو لواحد بالمئة أن يبقى ميشال عون في القصر". ويشرح: "لو كنا قبل الطائف كان السؤال مطروحاً، ولربما كان سمّى من يريد رئيساً لحكومة إنتقالية، أما في الوضع الراهن فالرئيس عون سيترك القصر في 30 أكتوبر".  

ويضيف "هناك معلومات أنه زار منزله الجديد في الرابية، مرتين، وبدأت العائلة بنقل معظم الأغراض والمقتنيات الخاصة، كما يجري نقاش حول ساعة ترك القصر، الثانية عشرة ظهراً أو الثالثة بعد الظهر (أي لحظة دخول عون للقصر في 2016)، أو في منتصف الليل"، جازماً أنه "من المؤكد أن عون لن يبقى يوماً واحداً في القصر بعد انتهاء ولايته".