رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

العلاقات السودانية الأمريكية.. تقارب الدبلوماسي بعد 25 عام انقطاع

نشر
الأمصار

أعلنت السفارة الأمريكية في الخرطوم أن السفير جون جودفرى وصل إلى السودان ليكون أول سفير لبلاده هناك منذ 25 عاما.

وقالت السفارة عبر "فيسبوك" إن جودفري سيعمل ""وبصفته ممثلا بارزا للحكومة الأمريكية على تعزيز العلاقات بين الشعبين الأمريكي والسوداني ودعم تطلعاتهم إلى الحرية والسلام والعدالة والانتقال الديمقراطي".

وحثت السفارة الأمريكية في الخرطوم السلطات على مساعدة المحكمة الجنائية الدولية في إنشاء مكتب ميداني بالسودان.

وفي بيان نشرته السفارة الأمريكية في الخرطوم، باسم سفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية لأمريكا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة ووفد الاتحاد الأوروبي، في السودان، عبرت عن دعمها لزيارة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان للسودان.

وقالت في البيان: "نرحب بزيارة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إلى السودان، يعد تواصل المدعي العام مع المجتمعات المحلية في دارفور بعد مرور أكثر من 3 سنوات على سقوط نظام البشير بمثابة تذكير بأن ضحايا الجرائم الدولية لا يزالون ينتظرون العدالة".

وأضافت: "تحدث اتفاق جوبا للسلام بوضوح في أن المحكمة الجنائية الدولية لها دور مهم في تحقيق هذه العدالة، حيث تلتزم جميع الأطراف الموقعة بالتعاون الكامل وغير المحدود مع المحكمة فيما يتعلق بالأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر بالاعتقال، وانطلاقاً من هذا المبدأ عملت الحكومة الانتقالية السابقة بشكل وثيق مع المحكمة الجنائية الدولية، نلاحظ التراجع في هذا التعاون منذ الاستيلاء العسكري على السلطة في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021".

ومع وصول السفير الأمريكي جون جودفري إلى الخرطوم وتسلم مهامه، انتهت القطيعة الدبلوماسية التي دامت ما يقرب من ربع قرن بين الولايات المتحدة والسودان.

 

 العقوبات الأمريكية

وكانت قد شهدت العلاقات الأمريكية السودانية حالات من الشد والجذب، خاصة فى الفترة ما بين 1993 و 2017 حيث اتسمت بالعداء والتباعد  استخدام واشنطن سلاح العقوبات الاقتصادية، ووضع السودان ضمن التصنيف الأمريكي للدول الراعية للإرهاب.

إذ اتهمت الولايات المتحدة السودان والنظام السابق بقيادة عمر البشير بدعم الإرهاب والتنظيمات المتشددة ومنها تنظيم القاعدة، بعد أن انتقل مؤسس تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن إلى السودان عام 1991.

وفي عام1993 استقبل البشير نظيره الإيراني هاشمي رفسنجاني لعمل تعاون رسمي بين البلدين ترجم على الأرض بافتتاح مراكز ثقافية إيرانية في البلد السُني بل وصل الأمر إلى افتتاح حسينيات شيعية، لترد الإدارة الأمريكية بإدراج السودان على رأس قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وفي تشرين الأول/أكتوبر 1997 شهد السودان فرض عقوبات اقتصادية شاملة على السودان جراء التقارب مع طهران، رغم مطالبة حكومة الخرطوم من أسامة بن لادن مغادرة السودان، إلا أن تلك الخطوة لم تكن كافية للإدارة الأمريكية.

وتسبب وضع السودان فى قائمة الدول الراعية للإرهاب تسبب في خسائر اقتصادية ضخمة للسودان قدرت بـ400 مليار دولار تحملها الشعب السودانى.

كما جعلت السودان فى عزلة دولية وإفريقية، بالاضافة إلى هروب الاستثمارات الأجنبية وعزوف الشركات العالمية عن الاستثمار فى البلاد ورفض المؤسسات الاقتصادية الدولية مساعدة السودان وإقراضه، وهو ما نتج عنه تدهور الأوضاع الاقتصادية وتدني مستوى معيشة المواطنين، الذين يعيش 50% منهم (15 مليون نسمة) تحت خط الفقر. 

ومع سوء الأوضاع الاقتصادية للسودان جاءت الطامة الكبرى في آب/أغسطس 1998 مع التفجيرات التي  استهدفت السفارة الأمريكية في كل من نيروبي ودار السلام (عاصمتي كينيا وتنزانيا). 

وأعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عنهما، ليأتي الرد الأمريكي بمثابة تدشين لما يعرف الآن باسم "الحرب على الإرهاب"، وكان نصيب السودان حكمًا بتجميد العديد من الأرصدة السودانية في البنوك الأمريكية (على ذمة دفع تعويضات للضحايا وذويهم)  فضلًا عن استهداف الخرطوم عبر عملية عسكرية عرفت باسم "الوصول المطلق"، قصفت خلالها مصنع الشفاء للأدوية بالعاصمة السودانية، بزعم أن المصنع يعمل على إنتاج أسلحة كيميائية.

لم يمر عامان على تلك الأحداث إلا وتم استهداف المدمرة الأمريكية "يو أس أس كول" باستخدام زورق مفخخ في خليج عدن، ما أسفر عن مصرع 17 بحارًا أمريكيًا، وحمّلت الإدارة الأمريكية مسؤولية الحادث لمن أسمتهم بالدول الراعية للإرهاب، ومنها السودان، لكنها أكتفت هذه المرة بحكم قضائي أمريكي يلزم الخرطوم بتعويض الضحايا، وهو ملف تمت تسويته مؤخرًا بين الجانبين بدفع السودان تعويضات ضخمة بلغت 330 مليون دولار، رغم إصرار الإدارة السودانية السابق والحالية على عدم التورط في تلك العملية.

عودة العلاقات

أخذ مسار العلاقات بين البلدين فى التحول نحو التقارب مع مطلع عام 2017 فى عهد أوباما، ورفع الولايات المتحدة جزئيا العقوبات الاقتصادية عن السودان.

 ثم قام الرئيس ترامب فى أكتوبر 2017 برفع كامل ونهائى للعقوبات الاقتصادية بعد اعتراف واشنطن بالإجراءات الإيجابية التي اتخذتها حكومة الخرطوم للحفاظ على وقف الأعمال العدائية في مناطق النزاع بالسودان، وتعاونها مع الولايات المتحدة فى معالجة الأزمات الإقليمية ومكافحة الإرهاب.

ولكن التقارب الأهم جاء بعد قيام الثورة السودانية في عام 2019، والاطاحة بنظام عمر البشير، تغير الموقف الأمريكي من السودان بشكل كبير، بدءًا من رفع اسمها من قوائم الدول الراعية للإرهاب، مرورًا عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وصولًا للحظة  تقديم المساعدات الراهنة التي تختلف حولها الآراء.

فمن جانبه، يرى النظام السوداني الحالي ما تحقق خطوة كبيرة للأمام، وقد عبر عن ذلك جبريل إبراهيم وزير المالية قائلًا: "قضينا على دين البنك الدولي ثم ننتقل في أبريل للحصول على إعفاء دين بنك التنمية الأفريقي على السودان ومن ثمَّ ننتقل لإعفاء ‏دين صندوق النقد الدولي".

الأهمية الاستراتيجية للسودان

السودان يمثل أهمية إستراتيجية كبيرة للولايات المتحدة بسبب موقعه الجغرافى فى منطقة القرن الإفريقي، ودوره فى التعاون مع واشنطن فى مكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية المتشددة مثل داعش وتنظيم القاعدة فى شمال المغرب العربى وشباب المجاهدين فى الصومال وغيرها. 

وقد شهدت العلاقات بينهما تعاونا ملموسا فى مكافحة الإرهاب، ومنها تبادل المعلومات الاستخباراتية حول العناصر المتطرفة، كذلك رغبة واشنطن فى بناء علاقات جيدة وقوية مع النظام الجديد فى السودان لتحجيم النفوذ الإيرانى فى منطقة البحر الأحمر والذى تمدد بشكل كبير فى عهد النظام السابق.

كما أن للسودان أهمية اقتصادية بسبب موارده الطبيعية الضخمة سواء النفطية أو الزراعية والتى تجعله سوقا مهمة للاستثمارات الأمريكية وبوابة نحو إفريقيا لموازنة التغلغل الاقتصادي الصيني في السودان والقارة السمراء.