رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

نادين خماش تكتب: "الجيل Z" ثورة أم طفرة في الإعلام

نشر
الأمصار

"المواطنون الرقميون" الجيل Z أو “generation Z” مصطلحات عدة للإشارة لجيل ما بعد الألفية الثانية. جيلٌ تتعامل أناملهم مع الطباعة أكثر منه مع القلم. تنشئتُه الاجتماعية تكنولوجيّة وقد وُلِد في زمن ثورة الإنترنت والعالم الرقمي مروراً بمواقع التواصل الاجتماعي بكل منصاتها. جيلٌ متاحٌ له الانتشار والتواصل مع العالم الخارجي بشكلٍ أسهل وأسرع بفضل العولمة الإلكترونية التي جعلت كوكبنا يتأثر بتغريدة على موقع "العصفور الأزرق" وفيديو لا يتعدى الثلاثين ثانية على إنستغرام وسناب تشات حيث يحظى بملايين التفاعلات والإعجاب ما تجعل من صاحبه بطلاً إلكترونياً. وقد تتعدى شهرة "البطل Z" موقع التواصل الاجتماعي نفسه!

فبعد أن غيّرت الثورات السياسية والاقتصادية أوجه العالم في مراحل عدة، يبدو أنّ التغيير الطارئ من الثورة الرقمية طرأ على الأفراد وسيكولوجيتهم وعلاقاتهم الاجتماعية بقدر أكبر حتى مما أتى على الحكومات والاقتصادات. لكنّ صلب هذا المقال يتعلق بتأثر الإعلام الكلاسيكي في زمن الثورة الرقمية.

بالأمس غير البعيد، كان الإعلام المرئي والمسموع والمقروء من إذاعات ومحطات تلفزة محليّة ودولية وصحف على اختلاف توجهاتها عبارة عن إمبراطورية كونية، يمتلكها أفراد كما حكومات. مدارسُها خاصة من حيثُ التحرير ونقل المعلومة وشكل عرضها للمشاهد أينما وُجد. بكبسة زر أو بقلب صفحة، كنّا نختار ما نبحث عنه وما نريد قراءته أو مشاهدته على الشاشة أو سماعه على الراديو. وعندما صغرت الشاشة وباتت بمتناول اليد (التلفون) أصبح العرض يستبق الطلب، فيظهر الفيديو قبل أن نختاره وغالباً ما يجذب اهتمامنا أو فضولنا، فنجد أنفسنا متابعين قبل أن نبحث أو نطلب أو نهتم.

في يومنا هذا، نحن أمام مدرسة جديدة. تُنافس في كثير من الأحيان هذه الامبراطورية القوية وموظفيها. بالأمس، كانت المهنة تَضع معايير للعمل بها كدرس الصحافة والإعلام واعتمادهما نظام حياة. كان المرء يسعى جاهداً للتقدم بوظيفته الإعلامية ليجمع بين العلم والخبرة، بين ما درسه وما عايشه. لن نطيل، لكنّ المعنى وصل! أما اليوم فأي شخص يحمل هاتفاً بات يمارس "الصحافة أو الإعلام". يعبّر عن رأيه ويتفاعل مستخدمو مواقع التواصل معه. ينشر فيديو التقطه بهاتفه الذكي بدون معايير تصويرية وضوابط ورقابة كما بدون مرجعية أو تراتبية تحريرية. لكنه قد ينجح في إيصال مبتغاه ويتحوّل شيئاً فشيئاً إلى "اسم إعلامي" و"صحفي" ولو بتعريف مغاير عن الذي درسناه وتعلمناه في مدارس الصحافة والإعلام التقليدي.

هناك من يعتبر تغريدة ما ذات وقع أكثر تأثيراً من مقال رأي طويل متشعّب. هناك من يعتبر الترويج الدعائي على صفحاته في مواقع التواصل وسيلة أسرع لجني المال والشهرة.

قد نختلف أو نوافق على أهمية الثورة الرقمية والسوشيال ميديا لكن مما لا شك فيه أنها غيّرت صورة الإعلام. حتى أنّ المدرسة الإعلامية العريقة باتت بين نارين. إرضاءُ الجمهور واهتماماته من جهة، ومنافسةُ الـجيل Z وسرعة انتشاره من جهة ثانية.

بطبيعة الحال، حتى ينجح المرء عليه أن يتكيّف مع التطورات ومواكبتها ودمج خبرته وإرثه القديم بكل ما هو جديد. بات على المؤسسات الإعلامية من محطات تلفزيونية مرموقة أن تفهم المتغيرات وما هي اهتمامات هذا الجيل وإلا فاتها القطار الذي يركبه جيل اليوم. كيف التوفيق إذاً بين طفرة الإعلام المستجد في زمن الثورة الرقمية ومعايير الصحافة العابرة للزمان والتي نجت من كل الثورات على مدار الزمان؟

على الكليّات في كلّ تخصصاتها أن تدخل حصة تُعنى بالصحافة الرقمية. أن تُدرّس فيها أخلاقيات المهنة لحجم تأثير كل فرد اليوم على محيطه أكان مهندساً أو طبيباً أو محامياً أو غيرهم.. باتوا يمتهنون التأثير الرقمي بالقدر نفسه كما كان يفعل الصحافي والإعلامي.

أما في كلية الإعلام والصحافة، فعلى الجامعات أن تُدمج "الديجيتال ميديا" ضمن مناهجها التعليمية بدلاً من الاكتفاء بالكتب المطولة حول الأساسيات والنظريات. أن تركّز على المعايير المهنية والأخلاقية كما مواكبة الجيل الجديد الذي وجد منفسه في الإعلام الرقمي واحتل المتفاعلون نسبةً تفوق مشاهدة نشرة إخبارية لساعة كاملة على شاشة ما كما كانت تفعل الأجيال السابقة.

السؤال اليوم هل المواطنون الرقميون أو "الجيل Z " معنيون بالدرجة الأولى في الإعلام التقليدي كمصدر أول للأخبار؟ هل يبحثون عن التخصص بمجال الصحافة والإعلام في الكليّات والجامعات؟ أم يعتقدون أنّ طريقهم الإعلامي لا يمر بالصرح التربوي؟

يبدو أنه على الإعلام المرئي أن يواصل البحث عن البدائل التي تفهم هذا الجيل.. ألا تنظر إليه بعلاقة عامودية مع الإبقاء طبعاً عل أسس المهنة وركائزها؟

من يقول إنّ الجواب لديه على كل هذه التساؤلات قد يكون مخطئا. فالجواب يحتاج عقوداً لفهم الجدليّة الجديدة بين مدرسة الإعلام والإعلام الرقمي لكل فرد على المعمورة. هل سنرى مزيداً من صحافيين رقميين ومزيداً من المذيعين الشغوفين بالعمل في أبرز محطات الإعلام المعروفة أم سيكتفون بجعل منصاتهم على صفحاتهم التي تحمل اسمهم "إمبراطورية خاصة"!؟