مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

بهاء خليل يكتب: قمة جدة.. قمة الأثمان الباهظة

نشر
الأمصار

من الواضح جداً من خلال التصريحات التي صدرت عن الرئيس الأمريكي أثناء زيارته لتل أبيب قبيل انعقاد قمة جدة حول حل الدولتين وسعي الولايات المتحدة إلى إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي قد تلاقي قبولاً لدى الساسة العرب المجتمعين في جدة.

فأغلب كلمات القادة العرب ركزت على ضرورة إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وحق الشعب الفلسطيني في إنشاء دولته على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية  لكن ماهي جدية إسرائيل في قبول حل الدولتين وهل ستتمكن أمريكا من الضغط على إسرائيل من أجل القبول بهذا الحل ؟ وما الثمن الباهض الذي سيدفعه الجميع للوصول إلى صيغة اتفاق ترضي جميع الأطراف وتنهي شماعة المقاومة وتحرير القدس التي تمكنت من خلالها إيران من التغلغل داخل المنطقة العربية ؟

لا يخفى على الجميع حجم القلق البالغ الذي أصبحت تمثله إيران وسياساتها في المنطقة للدول العربية على الدول العربية وإسرائيل في نفس الوقت , ويعلم العرب أن هذا القلق يجب أن ينتهي قريباً بأية وسيلة كانت حفاظاً على أمنهم القومي والاقليمي , أما بالنسبة لإسرائيل فالمعركة معركة وجود إذا إنها وحسب المعطيات العسكرية المتوفرة وحجم التغلغل الإيراني في المنطقة ومناطق التهديد الإيراني الحقيقي عليها تعلم جيداً أن مواجهة إيران بصورة منفردة قد يعني هزيمتها في الوقت الراهن , خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الشارع العربي متحمس لفكرة تحرير فلسطين حتى بعد تطبيع اغلب الدول العربية معها , لذلك ترى إسرائيل أنه من الممكن إيجاد شراكة بينها وبين العرب للوقوف في وجه إيران  غير أن هذه الشراكة لن تتحقق دون تنفيذ شروط العرب وأولها القبول بمسألة حل الدولتين باعتباره حل قد يرضي الأطراف السياسية ولو أنه لن يرضي شعوب المنطقة وخصوصاً الشعب الفلسطيني.

تعتمد سياسة اسرائيل الحالية على التوصل إلى اتفاق مع الدول العربية ينتج عنه تحالف عسكري للدفاع المشترك وهو أمر يمكنها من توجيه ضربات موجعة لإيران عسكرية واقتصادية في نفس الوقت من خلال استخدام القواعد الأمريكية الموجودة في أغلب دول الخليج وطرق التجارة في الخليج , فعلى الرغم من القوة العسكرية التي تمتلكها إسرائيل فهي لا تستطيع الوصول إلى تنفيذ ضربات داخل إيران باستخدام طائراتها لبعد المسافة بين الدولتين وافتقارها لقاذفات القنابل الاستراتيجية يضعها في موقف العاجز فعلياً , لذلك هي بحاجة لاستخدام القواعد الأمريكية في الخليج أو اقناع الولايات المتحدة بمشاركتها في توجيه ضربات مركزة ضد إيران والولايات المتحدة لم تقرر بعد استخدام القوة ضد إيران , لذلك فأن انشاء تحالف مع الدول العربية قد يمكنها مستقبلاً من تغيير المعادلة لصالحها .

أما الدول العربية فهي تعلم جيداً تبعات استخدام اسرائيل لأراضيها للهجوم على ايران وأنها ستتلقى رد الفعل الايراني لوحدها لقدرة إيران على توجيه ضربات صاروخية لدول الخليج لما تمتلكه من ترسانة صاروخية ومسيرات سبق لها شكلت تهديداً حقيقياً لدول الخليج , لكنها في الوقت نفسه قادرة على الدفاع عن نفسها وتوجيه ضربات مشابهة لإيران خصوصاً إذا تمكنت من الحصول على دعم الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك.

ذلك فالوصول إلى هذا النوع التحالف العسكري والاستراتيجي يتطلب من الجميع دفع ثمن لهذا التحالف ويجبر إسرائيل على القبول بشروط العرب حتى وإن كان أحد هذه الشروط هو القبول بحل الدولتين , في المقابل ستدفع الدول العربية الثمن من امنها القومي , وحتى الولايات المتحدة ستدفع ثمن سكوتها على ايران طيلة العشرين عام الماضية وبل وتغاضيها عن برنامج إيران النووي حتى أصبح يشكل تهديداً حقيقياً على وجودها في الشرق الاوسط وعلى امدادات الطاقة في الوقت الحاضر والذي أصبحت فيه الطاقة تمثل الأولوية للدول الغربية بصورة عامة وليس فقط أمريكا .

إن توازن هذه المعادلة أوجدتها الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم نتيجة الحرب في أوكرانيا ونتيجة الموقف الشجاع للقيادة السعودية والمصرية والأردنية والحنكة السياسية في استغلال الظروف لصالح القضية العربية وشعوب المنطقة والتي أصبح كل مواطن عربي يفخر بها .