رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د.مصدق العلي يكتب: الاقتصاد العراقي إلى أين أزمة كردستان العراق

نشر
الأمصار

الاقتصاد العراقي يعاني من الشلل. حيث ان سوء إدارة ملفات الطاقة والهجمات الصاروخية على المصالح والمؤسسات العالمية في العراق وخارجة والمتزامنة مع ما يقوم به فرقاء العملية السياسية من اثارة خطاب الكراهية ضد الأقليات والخصوم أدت الى هروب رؤوس الأموال الأجنبية وقيام المتبقي منها للاستثمار في المضمون وهو انتاج النفط الذي يتدفق من باطن الأرض بدون جهد بفعل ضغط الغاز المصاحب. فتقوم الشركات بإهدار الغاز حرقا وبيع النفط. ولذلك يستورد العراق احتياجاته من الغاز الطبيعي، بل وحتى المشتقات النفطية من تركيا وإيران. في خضم هذه الحالة من انعدام الرؤيا بسبب عواصف الازمات السياسية والاقتصادية المتكررة، نحاول الإجابة على سؤال: اين تتجه سفينة الاقتصاد العراقي في سلسلة من الكتابات. وسنبدأها شمالا من موطن كباب أربيل واللبن المُدخن اللذيذ ... ارض الطيبة والجمال: كردستان العراق.

نتيجة للصراعات السياسية بين سياسيي التقسيمات الاثنية التي خَلَقَها الدستور العراقي الحالي، حصلت طفرة اقتصادية في مناطق كردستان العراق. لكن التضخم في حجم المشاريع الاقتصادية في كردستان المنقسمة الى فرقتين بينهما ما صنع الحداد، خطير اقتصاديا على الإقليم خاصة والعراق عامة فما هو الا فقاعة اقتصادية عقارية حصلت بعد الخسارة المالية الهائلة في الأموال العراقية المتدفقة الى الخارج من قبل المتحكمين بالاقتصاد العراقي. وهذه الخسارة الاستثمارية التي تقدر بمئات المليارات للكيان الواحد (اذ لا يمكن الحصول على رقم محدد لحسابات من يحرم سؤالهم: "من اين لك هذا") حصلت بعد الخسارة الفادحة في بورصات لبنان، واوكرانيا، وتركيا، وإيران. اتجه القطاع الاقتصادي لتلك الكيانات الاخطبوطية، للاستثمار العقاري مما رفع سعر الأراضي في أطراف بغداد لتماثل أسعار أراضي داخل جزيرة منهاتن في قلب الولايات المتحدة الاقتصادي والفني، مدينة نيويورك التي لا تنام. في كردستان العراق وان تباين الوضع الاقتصادي والسياسي تباين السوران والبهدنان (وهما اللهجتان الدارجتان للغة الكردية في العراق)، الا انه يمتاز بالأمان النسبي. ان اللعبة الخطيرة التي تلعبها الأطراف الكردية في اضعاف حكومة المركز، والنابعة كرديا من الخوف التاريخي من حكومة قوية في العراق، أدت لبناء أجهزة امن كردية محلية قوية وساهمت في استقرار الإقليم نظريا وهذا ما شجع بعض المستثمرين كشركة بيرل بيتروليوم الإماراتية للدخول كشريك تطويري في قطاع البتروكيمياويات. الا ان الاضعاف المتزامن مع دعوات التفرقة بين مكونات الدولة العراقية من قبل الأحزاب المتصارعة في المشهد السياسي العراقي، أدى الى خلق قوى ذات بأس خارج نطاق الدولة عمليا في بقية العراق. وأدى ذلك الى كثرة الرؤوس التي يتوجب ارضائها للبدء باي مشروع والذي تسبب بدوره بهدر المال العام وانعدام أي وجود للمشاريع الاستراتيجية الا بعض التصاميم البدائية الرديئة الاشكال ثلاثية الابعاد على حسابات التواصل الاجتماعي المستقطبة سياسيا. وكما أسلفنا ومع امان الإقليم وادارته الناجحة نسبة لبقية مناطق العراق (رغم الخلاف الكردي الكردي العميق) ومتزامنا مع انهيار الليرات الثلاث (السورية والتركية واللبنانية)، انتقلت مئات المليارات الى كردستان العراق واغرقته بفائض نقدي أدى الى خلق متسارع لفقاعة اقتصادية، تهدد بخنق الاقتصاد المحلي المستدام وتدمير الطبقة الوسطى ومحو ما تبقى من الإنتاج المحلي غير النفطي. أضف الى ذلك، الضعف المزمن والمخيف في الأجهزة المركزية للدولة العراقية الذي طالما اعتبره الساسة الكرد، مصدرا لرخاء الإقليم، أدى الى تشكل قوى لا مركزية بدأت تهدد الإقليم، وتنعت الكرد سياسيين ومواطنين، بشتى أنواع تهم الخيانة والتأمرعلى العراق. وامتد الخلاف الى قصف منشأت الاقليم البتروكيمياوية لغرض الضغط السياسي، كما حصل في القصف الصاروخي على مجمع بيرل بتروليوم السالفة الذكر في خور مور. ودوليا، يشكل الإقليم في إطار دولة مركزية ضعيفة فريسة سهلة لدول الجوار الإقليمي في حالة تكون "شعور" لدى تلك الدول حول تَشَكُل تهديد لأمنها "القومي" في داخل أراضي كردستان العراق، فيتناوب القصف التركي والإيراني لأراضي الإقليم مما يخيف الاستثمار الأجنبي الحقيقي، وبذلك يترك فراغا سرعان ما يملئه الاستثمار الداخلي ذو الأموال مشبوهة المصدر مما يزيد حجم الفقاعة الاقتصادية كما أسلفنا لتخنق النمو الاقتصادي غير النفطي والمستدام في الإقليم. ومع تنابز بعض السياسيين الكرد، واقرانهم من شركاء العملية السياسية الحالية بكره "الاخر" والتحريض الطائفي والقومي، بدأ الخوف القديم للتسرب لقلب الشبيبة الكردية ويبرز هذا بالحالة الهستيرية للهجرة غير الشرعية عن طريق بيلاروسيا والتي حصلت قبل عدة أشهر، وأدت الى وفاة العديد منهم نتيجة لسوء الظروف الجوية. ودعا ذلك الحكومة المركزية مع الحاح حكومة الإقليم للتدخل وإنقاذ الاحياء منهم بإرجاعهم الى إقليم كردستان بجسر جوي.

من المؤكد ان حالة اليأس لدى شباب الإقليم والمتزامنة مع حالة الذعر الهستيري التي خلقها بعض الساسة الكرد من "الاخر", سواء كان الاخر مواطنا في نفس البلد او من دول المحيط الجغرافي التي تقصف الإقليم بشكل دوري, يؤدي الى قتل السوق الإبداعي والاستثمار المحلي للمهارات البشرية, وسيؤدي الى انقراض تدريجي للمنتجات المحلية والصناعة وربما الزراعة أيضا, وخاصة ان الإقليم كباقي العراق, يعاني من سحابة أوكسيد الكبريت والملوثات الغازية الناتجة عن حرق الغاز المصاحب للنفط, والتي بدورها تقتل الزراعة وتدمر صحة المواطنين ومنهم المزارعين.

كذلك، ان الفقاعة الاقتصادية عند انفجارها، لن تجد لها قرار مركزي يمتصها ويتلافى تأثيرها المدمر. أضف الى ذلك اعتمادية الإقليم المتزايدة على كونه مركز لنقل البضائع من والى دول الجوار الإقليمي، وهذا يجعل الإقليم، عرضة للدخول تحت طائلة الصراعات الدولية وخصوصا ان اطاره الدولي المتمثل بالدولة المركزية العراقية، تحت تأثير الاضعاف المستمر من شركاء العملية السياسية ومنهم ساسة الإقليم نفسه. ان التطمينات الدولية المبنية على سياسة (بوس عمك بوس خالك) لا قيمة لها امام شراسة الواقع العالمي الجديد والحرب الهجينة التي يرزح العالم تحت وطئت الخوف من تحولها للحرب العالمية الثالثة. لذلك يخسر الإقليم توازن النفوذ الدولي الإقليمي نتيجة لحالة اللامركزية التائهة.

قد يكون هناك اعتقاد لدى بعض القلة من السياسيين الكرد ان لديهم ملاذ امن في دول عبر القارات، لكن الا يجب ان يفكروا بتوفير العيش الكريم لأولاد واحفاد الملايين من الكرد الذين ذاقوا ويلات الحروب الاهلية وحملات الاعتداء العسكري؟

أقول قولي هذا متمنيا لأهلي الكرد الامن وراحة البال والازدهار.