رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: شرق أوسط جديد بقيادة سعودية

نشر
الأمصار

بدأ يتشكل الشرق الأوسط الجديد بقيادة السعودية منذ القمة الثلاثية التي عقدت في الرياض عند زيارة الرئيس ترمب الرياض في أول زيارة خارجية له في 2017، ومنذ ذلك الوقت والسعودية بدأت مرحلة استقراء ملامح تحالفات كبرى ورؤية جديدة للأمن والسلم في منطقة الشرق الأوسط، حيث أن القمة الثلاثية لم تكن تبعاتها إقليمية بل دولية، تؤكد امتلاك السعودية رؤية استراتيجية تمتلك القدرة في التعامل مع ملفات الإقليم المعقدة، من الملف الإيراني ومليشياته الذي كان ردة فعل على عدم قدرة العرب على التعامل مع الملف الإسرائيلي لفترة زمنية طويلة.
ما يعني أن السعودية قارئة جيدة للتاريخ العالمي ولتاريخ المنطقة بشكل خاص، ومعروف عن سياساتها بعيدة عن المزايدات والعنتريات والشعارات التي ابتليت بها منطقتنا، والتي لم تحقق أي شيء للملفات المعقدة، بل زادتها تعقيدا، بدأ من القوميين بقيادة جمال عبد الناصر، والبعثيين بقيادة صدام حسين، والمعادين للمشروعين الأمريكي والأوربي بقيادة القذافي، والمتاجرين بالقضية الفلسطينية والرافعة للشعارات، مثل إيران ومليشياتها في المنطقة.
فالسياسة السعودية محنكة وبعيدة كل البعد عن مثل تلك التوجهات، وهي تتبع سياسة واقعية بعيدة عن عالم الخيالات والأوهام والأحلام والبطولات الوهمية الزائفة، دون التنازل عن حقوق الشعوب العربية السيادية، وعلى رأسها حقوق الشعب الفلسطيني.
وجهت هذه القمم في الرياض ضربة استراتيجية لإيران ومليشياتها بعدما انحاز جل العالم العربي والإسلامي إلى صف السعودية، مما أعطاها قيمة رمزية عربية وإسلامية وأيضا دولية، خصوصا وأن السعودية هي منبع العروبة والإسلام في آن واحد، ما يعني أن تلك الحشود في الرياض يثبت أنها القائد الفعلي للمنطقة، خصوصا وأن السعودية تمتلك رؤية استراتيجية ناجحة بشقيها الرمزي والموضوعي لصناعة شرق أوسط جديد بقيادتها لمعالجة الملفات العالقة والمعقدة والتي هي بحاجة إلى حلول واقعية ليس شرطا أن تكون حلولا سحرية.
القمة الثلاثية كانت أكبر من إيران، فهي قمة من أجل حل قضايا المنطقة، لأن السعودية تدرك أن إيران ومشروعها والإرهاب والتطرف أحد إفرازات أزمات المنطقة وهي إسرائيل التي لم توجد لها الدول العربية حلولا واقعية بدلا من التخلص من إسرائيل، لذلك كانت هذه القمم تهدف لحل كل قضايا المنطقة من الصراع العربي الإسرائيلي إلى اليمن وسوريا وليبيا وغيرها من بؤر توتر.
تود السعودية رسم ملامح شرق أوسط جديد برؤية عربية، وهي نقيضة رؤية الشرق الأوسط الكبير التي أعلنت عنه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس السابقة، بل الرؤية الجديدة ترسم ملامح الخطوط الكبرى لتصور أمن إقليمي بصبغة عربية مدعومة بتحالف جوار إقليمي وعالمي واسع.
طبيعي لا نرى توافقا بين قوة إقليمية ترسم ملامح شرق أوسط جديد برؤية عربية مع الولايات المتحدة في زمن إدارة بايدن كقوة عالمية لها منظورها للعالم، فالاختلاف بين قوة إقليمية ترى قضايا الاستقرار من منظور إقليمي، لكن يمكن للسعودية أن تدير مساحات الاختلاف بينها وبين إدارة بايدن من خلال تعظيم ملامح الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وتقليص مساحة الاختلاف في حدها الأدنى.
الانسحاب الأمريكي من المنطقة أعطى عدد من القوى الإقليمية محاولة ملئ هذا الفراغ الاستراتيجي الأمريكي من إيران إلى تركيا إلى إسرائيل في المنطقة العربية، فإيران تحاول تشكيل مليشيات إيرانية في العراق ولبنان وسوريا واليمن، كذلك تركيا تتحرك في سوريا والعراق وليبيا، كذلك إسرائيل التي تحاول ملئ هذا الفراغ من خلال صياغة منظومة أمنية إقليمية تكون هي نواتها المتحركة بعدما تمكنت من طرح مشروع في الكونغرس الأمريكي يدعو إلى استراتيجية دمج الدفاعات الجوية بين الدول العربية وإسرائيل من أجل التصدي للمشروع الإيراني ومليشياتها، أي أن إسرائيل استخدمت إيران ومليشياتها ذريعة، كما استخدمت إيران ومليشياتها إسرائيل ذريعة، الجميع يتقاتلون على الأرض العربية.
استخدمت إسرائيل الملف النووي الإيراني ساعدها في ذلك زيارتها رافائيل غروسي قبل انعقاد مجلس محافظي الوكالة الدولية في فيينا، لكن السعودية لن تهتم لهذا الصراع الذي لا يهمها، بل تتوهم إسرائيل أن هناك تحالف إسرائيلي عربي، لكن السعودية لم تهتم لمثل تلك الادعاءات، فقط هددت إن امتلكت إيران سلاح نووي ستمتلك هي سلاح نووي، وهو ما أزعج إسرائيل، وجعلها تضغط على إدارة بايدن وقف النووي الإيراني من أجل عدم تمكين السعودية من الحصول على سلاح نووي مماثل لما تملكه إيران.
خصوصا وأن السعودية لديها تقارب مع الصين في الحصول على أسلحة استراتيجية، وفي نفس الوقت هناك مفاوضات مع إيران في بغداد من أجل إقناع إيران أن الظروف الدولية ليست في صالحها، ومن الأفضل الاندماج في المنطقة، ووقف نفوذها الذي لن تقبل به السعودية أن تهدد به الأمن القومي العربي، والسعودية لديها تحالفات مع الولايات المتحدة والصين وروسيا وهي قادرة على وقف نفوذ إيران بكل السبل الممكنة وهي تدرك ذلك إيران لكن الملالي يخشون على ضياع سلطتهم، وبالفعل هناك اضطرابات واسعة في إيران ضد الملالي.
فلن تنضم السعودية إلى جانب التحشيد الإسرائيلي ضد إيران، ولن تمنع أيضا هذا التحشيد ضد إيران، ولن تقبل السعودية التي تقود شرق أوسط جديد ولادة ناتو عربي خليجي بوجود إسرائيل قبل أن تحقق إسرائيل المبادرة العربية، باعتبار أن السعودية دولة قائد عربي إسلامي مسؤول ليس فقط عن الأمن العربي بل أيضا عن المقدسات الإسلامية، وما تطمح له إيران التي ورطتها فيه أمريكا سابقا أو نتيجة سياسات أمريكية خاطئة نتيجة ذلك سلمت أمريكا العراق إلى إيران في عام 2004، وكذلك ما تطمح له إسرائيل في تحقيق ناتو عربي إسرائيل عضو فيه أيضا خيالات، ولن تنجح لا إيران ولا إسرائيل بتوريط بعض الدول العربية في مخططاتهما.
يخيل للبعض أن هناك شرق أوسط تقوده دول الاعتدال العربي بقيادة السعودية متحالف مع إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر، ويدلل على ذلك أن هناك دول تقيم علاقات مع إسرائيل مثل دولة الإمارات والبحرين والسودان والمغرب ومن قبل مصر والأردن، وهي علاقات قد تكون اتفاقيات ثنائية لتحقيق مصالح خاصة، أو مقدمات لاختبار جدية إسرائيل في السلام مع العرب، أو لتشجيعها على توقيع اتفاق سلام مع العرب، ولن توافق السعودية على إقامة علاقات أيا يكن شكلها مع إسرائيل إذا لم توقع اتفاق سلام مع العرب، ومثل هذه العلاقات لم ترق إلى تطبيع شامل خصوصا بين الشعوب العربية وإسرائيل إذا لم يكن هناك سلام كامل بين الجانبين.
سبق أن صرح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لصحيفة ذي أتلانتيك وصف إسرائيل بالحليف المحتمل، خصوصا وأن إسرائيل ضمن كتلة سوق الطاقة الذي يمكن أن يتشكل في دول شرق المتوسط، وإسرائيل جزء من منتدى الطاقة الذي مقره القاهرة، ويمكن أن يتم إمداد أنابيب عبر البحر المتوسط إلى أوربا لإمدادها بالغاز من أجل صناعة منطقة إقليمية جديدة قائمة على السلام والاقتصاد.
المصالح الاقتصادية المقبلة على المنطقة يشجع إسرائيل توقيع اتفاق سلام بين الجانبين حتى تتوقف البرلمانات عن تجريم التطبيع مع إسرائيل كان آخرها إرسال إيران رسالة عبر تصويت البرلمان العراقي لصالح قانون تجريم التطبيع وإقامة علاقات مع إسرائيل، وبالطبع لا تتمنى إيران توقيع إسرائيل اتفاق سلام مع العرب، لأنه نهاية لمشروعها ونفوذها الإقليمي.