رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

هديل عبد الرحمن تكتب : شهداء الثورة السودانية المجيدة

نشر
الأمصار

الكتابة عن الشهداء قد لا تكون مُنصفة للكثير منهم لأنها تحتاج إلى وقت، وكثير من المساحات المفرودة لتوثيق تضحياتهم النبيلة،  لكنني يجب أن أكتب وإن إضطررت للكتابة عنهم فرداً فرداً،  لطالما لدي القُدرة والمساحة والفرصة للكتابة سأكتب، ولن أتوقف عن الكتابة عنهم وعن أهاليهم، كي لا أستحي من نفسي كلما تذكرت أنني كاتبة ولدي القدرة على الكتابة ولم أفعل.
الشهداء الكرام الذين تساقطوا أمام أعيننا في الطرقات لأجل الوطن ولأجلنا، أشعر بغصة كلما رأيت وجوههم على صفحات التواصل الإجتماعي، تارة يعتريني الخوف على مصير البلاد التي يختطف شبابها واحداً يلو الآخر  وتارة آخرى أشعر بالطمأنينة لتفانيهم ونكران ذاتهم وتضحياتهم التي وصلت إلى حد فقدان الروح وهم شباب في مقتبل أعمارهم، لكن وسط كل هذا الخوف والحزن والطمأنينة تبقى الحسرة والوجع هما الشعوران الأكيدان الباقيان فينا ماحيينا، كذلك المفقودين والجرحى الذين جرحوا قلوبنا بجراحهم وفقدانهم، ذنبنا وذنبهم إننا فقط طالبنا بحريتنا في وطن باتت الحرية فيه جُرماً كبيراً! الحرية التي سُلبت منا طويلاً قدرهم أن يدفعوا هؤلاء الشباب أعمارهم الصغيرة ثمناً غالياً لننعم نحن بها، ليتكم تعلمون أيها الصغار أن بموت كل واحد منكم يموت شيئاً كبيراً بداخلنا، تموت فينا الحياة ونصبح أقل تعلقاً بها وأكثر إقبالاً وحُباً للموت، هذه البلاد التي إبتلينا بحبها جعلت أمهاتكم يستقبلن خبر إستشهادكم بثبات مخيف في الوقت الذي يعتصر فيه الألم قلوبهن، وعندما أتذكر الثبات والصبر فوراً يتبادر إلى ذهني الأستاذ الصادق سمل والد الشهيد عبدالرحمن هذا الإنسان الذي يحمل من التسامح والمحبة والسلام والوطنية ما لم يحمله أحداً من قبل! ليت القائمين على أمر بلادنا بنصف وطنية الصادق سمل لكانت هذه البلاد جنة! لم ألتقِ به يوماً لكنني أتابع صفحته على الفيسبوك بشغف ودهشه، عرفت من كتابته إنه على إستعداد للتسامح مع القتلة في سبيل الوطن وإعلاء قيمته! لقد علمني أنه أحياناً يجب علينا أن نُضحي بأغلى مالدينا ونحزن، لكن لا نندم يوماً على هذه التضحية بل يجب أن نفتخر لأن ماقدمناه يُرفع به الرأس، وإن كان من جانب آخر  يقصم الظهر حُزناً. أنا مدينة لهذا الإنسان بالكثير، فهو غير مسيرة شخص كاملة، تغيير مفاهيم، وأسلوب حياة، دون أن يعلم، هذا الكم من الحب الذي يحمله هذا السمل للسودان وللإنسان السوداني هو شعوري اليوم،  ولن أنسى شموخ السيدة إيمان والدة الشهيد قصي حمدتو التي أجريت معها حواراً صحفياً أعتز به في أرشيفي الصحفي المتواضع، ومن ثم تواصلت معها هاتفياً إلى أن تصادقنا على فيسبوك، عرفتها عن قرب إمرأة تتشرف بها الدنيا حنانها يكفي السودانيون ويفيض، قلبها يتسع لنا جميعاً أرضاً وشعباً، سيدة مثقفة جداً وإنسانية معطاءة وكانت من أهم المحطات التى مررت بها في 2020، أيضاً لم يبارح ذهني وجه والدة الشهيدة حب الدين حين رأيتها في فيديو تتحدث عن أبنها، لم تنزل منها دمعة واحدة وهي تتحدث عن إبنها الشهيد الذي كان ملقياً أمامها جسداً بارداً بلا روح! ولم تغيب عن بالي قوة أم الشهيد هزاع وهي تناضل مع الشباب حضوراً طاغياً في كل المواكب، تشد من ازرهم، تدعمهم، وتقويهم، وغيرهم من أباء وأمهات الكرام الطيبين، سنبقى مدينون لهم بالحياة، مدينون لهم بحجم الوطن وأي ديناً هذا؟ دين سنحمله على أعتاقنا للآبد، حتى عوامل التعرية الزمنية والمكانية لا يمكن أن تجتث من أعماقنا عظمة ماقدموا لنا من تضحيات، وسنبقى مابقيت الحياة أوفياء لهذه الدماء الطاهرة وسنحكيها لكل أجيالنا القادمة.