رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

أدهم إبراهيم يكتب: نحو نهضة فكرية اجتماعية في العالم العربي

نشر
الأمصار

كان الاعتقاد سائدا في الخمسينيات من القرن الماضي بأن سبب تخلف الدول يعود إلى قلة الأموال اللازمة للنهوص بالمجتمع. وأن الدول المتخلفة هي الدول الفقيرة، ولكن بعد اكتشاف البترول والغاز أصبحت بعض الدول العربية من الدول الغنية، ومع ذلك بقيت في دائرة التخلف ، فظهرت نظريات أخرى تعزو سبب التخلف إلى الإدارة السيئة لهذه الدول فتم تنظيم مؤتمرات ودورات واسعة للتطوير الإداري في المجالات كافة. وبالرغم من أن هذه الدورات كانت ذات فائدة إلا أنها ظلت قاصرة عن تحقيق النهوض بالدول المتخلفة بشكل ملحوظ وفاعل٠
ولذلك فان التطوير الإداري لا يمكنه تحقيق التقدم للدولة ما لم يكن هناك تطويرا كاملا للمجتمع، وتطوير المجتمع مهمة غاية في التعقيد لأن المجتمع عبارة عن تقاليد اجتماعية وثقافية ودينية راسخة وأن أية عملية تغيير إما أن تتم بالقوة حتى يعتاد المجتمع على الأنظمة الجديدة أو بالإقناع عن طريق التثقيف بضرورة التطوير والتغيير نحو الأحسن، مع خلق رابطة سببية بين مصلحة الفرد الذاتية ومصلحة المجتمع بالتغيير ، حتى يكون للأفراد الدافع للتغيير والتقدم لتطوير مدخولاتهم وتحسين مستويات معيشتهم وتحقيق الرفاه للفرد والعائلة والمجتمع٠

يبدو جليا أن سبب تخلف الدول والمجتمعات العربية يعود الى التمسك بأمجاد الماضي وعدم النظر إلى المستقبل، والتمسك بتقاليد تراثية ودينية بالية ترسخ الاتكالية وترفض التغيير . . وكان ذلك نتيجة طبيعية  للأنظمة الاستبدادية التي رسخت المفاهيم الدينية المتخلفة لإحكام سيطرتها على الشعوب باسم الدين ٠

إن سمو الماضي العربي والإسلامي هو العقبة الرئيسية التي تواجه الدول والمجتمعات وتحجب عنها رؤية المستقبل. الشخص الذي تكون عيناه مثبتتان دائمًا على الماضي لن يرى المستقبل أبدًا. الحنين العربي الإسلامي للماضي مرض عضال .
أن الانغلاق على التقاليد الاجتماعية والدينية البالية يقف حجر عثرة أمام التقدم والحضارة ويؤدي إلى الجمود الفكري والثقافي والفني للمجتمع ٠

إن المجتمعات التي ترفض التجديد  أو الاختلاف والتنوع هي مجتمعات ضعيفة تخشى التغيير .

وقد عملت الدول المتقدمة ابتداء" على تطوير نظرتهم للدين . ليس فقط من خلال جعل الدين ورجال الدين خارج المنظومة السياسية وانما تبنت سياسات دينية تواكب التقدم الصناعي والاجتماعي . فتم نبذ كثير من الطقوس والمقدسات الدينية المتخلفة واحلال مفاهيم جديدة لا تبتعد عن الدين كثيرا، مثل اعتبار الإنسان قيمة عليا واحترام حريته الفكرية مع احترام الفكر المقابل وتأكيد الحقوق الإنسانية وحرية العقيدة والمساواة بين المواطنين وكذلك حق العمل لكل فرد قادر عليه . كما تم اختزال الطقوس الدينية الشكلية إلى حد كبير والتركيز على القيم الدينية العليا مثل الأمانة والصدق والإخلاص بالعمل والنظافة والعمل التطوعي الإنساني وغيرها من المبادئ السامية التي تشترك بها كل الأديان السماوية.

أما في مجتمعاتنا فمازلنا ننظر إلى الخلف ونجتر الماضي ونتباهى بأمجادنا السابقة، دون النظر إلى الأمام ومايمكن عمله لأجيالنا القادمة .
كما أن هناك من يقول أن سبب التخلف هو ابتعادنا عن الدين . ولا يقصد هنا  القيم الدينية العليا التي تاسست الأديان على وفقها، وإنما التمسك بالمظاهر والطقوس الدينية الدخيلة، والاستماع إلى أقوال بعض رجال الدين المتخلفين اجتماعيا وثقافيا ، فيتجه المجتمع نحو الاتكالية والكسل والاعتماد على الغيبيات من أعمال السحر والتبرك بالخواتم والعلاج بالاوهام . وهذا لا يقتصر على مجتمعاتنا العربية والاسلامية فقط . بل أن سبب تخلف وارتداد كثير من المجتمعات في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا يعود لشيوع الخرافات والطقوس الدينية المبالغ بها ونبذ الأفكار العلمية والتحديث واعتبارها كفر والحاد . كالذي يحدث عندنا تماما ، أليس كل محدثة بدعة وكل بدعة في النار.

ومما يشجع على الاستمرار بهذه التقاليد الطبقة السياسية الحاكمة و رجال الدين المساندين لها ، حيث إن مثل هذه الخرافات والطقوس تضمن لهم المحافظة على السلطة السياسية والدينية . في حلقة مفرغة لا نهاية لها ٠

عندما اغتصب الصهاينة الأرض الفلسطينية توجه بن غوريون الى الاسرائليين قائلا لهم أن اله اسرائيل سوف لن يحميكم وعليكم العمل على تأسيس دولتكم بايديكم . فعودهم على عدم الاتكال على الغيبيات رغم يهوديتهم ، وهذا ماجرى سابقا في اوروبا وامريكا ايضا . 
انهم يعلمونهم الاعتماد على النفس ، ويعلموننا الاتكالية . في حين ان نبينا العربي يقول اعقل وتوكل . اي اعمل ثم توكل . كما جاء في القرآن الكريم وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ٠
اننا لاندعو هنا الى نبذ الدين ولكننا نحاول تطهير الدين والمجتمع من الخرافات ونعلم الناس ماهو الدين الحقيقي . الذي هو أساسا الإيمان والصدق والتمسك بالأخلاق الفاضلة واحترام الإنسان لأخيه الإنسان والإخلاص بالعمل ونبذ الأزدواجية بين الأقوال والأفعال، لأننا أصبحنا نتكلم أكثر مما نعمل وعكس مانفعل. بل أننا نتكلم بما يريده المجتمع المتخلف وتقاليده البالية وليس بما نفكر فيه او نتبناه من الأراء وأفكار، ونمارس طقوس دينية ظاهرية لنثبت تمسكنا بالدين كذبا ونفاقا٠

أن التقدم والتطور مرتبط بمختلف العلوم والفنون، ولا علاقة لرجال الدين بالعلم . فليس هناك جسرا حلالا وآخر حرام . ولا يمكن للمعمم أن يكون مديرا لمستشفى أو معمل ولا حتى مزرعة. أننا بحاجة إلى أعطاء الفرصة لكل مختص ليمارس اختصاصه بعيدا عن تأثير وسطوة المعممين . أن الفوضى الآن في كل مجتمعاتنا تعود إلى عدم وضع الرجل المناسب في مكانه الصحيح، فاختلط الحابل بالنابل .           
فَتَدَخَلَ رجل الدين بالسياسة والاقتصاد والعلوم والفنون وكل مجالات الحياة حتى تعطلت الحياة الاجتماعية عندنا من كثرة الحلال والحرام . . أن واجب رجل الدين الدعوة والوعض وليس التدخل في العلوم الصرفة فهذا إضافة إلى أنه يخرج عن واجباته الأصلية، فإنه يمثل خطورة كبيرة على المجتمع . كمن يمارس مهنة الطب ويعالج الناس من دون شهادة وخبرة . حتى أن القوانين تمنعه . ولكن رجال الدين عندنا وفي العالم الثالث أخذوا يتوسعون في تدخلاتهم باسم الدين بل أصبحوا ناطقين باسم الواحد الأحد دون خوف أو وجل لا من الله ولا من عباده.
أن المعتزلة ومنذ عهد طويل تبنوا مقولة الأخذ بما يوافق العقل ونبذ مايخالفه وتطويع النصوص لتنسجم مع حاجة الفرد والمجتمع ٠

وعليه فإننا بحاجة إلى نهضة اجتماعية بل ثورة ثقافية يقودها قادة الرأي الحر لتبني الفكر التنويري للدين وتشذيبه من كل العوالق الغريبة والمنافية للتقدم وللفكر الإنساني أو العقلاني وأعمال الفكر في التفسير والشرح٠
ونبذ كل الخرافات والصدأ الذي علق بالدين . مع تبني القيم الإنسانية السامية التي تشجع التنمية والتقدم والحضارة، وتطوير رأس المال البشري الذي يعتبر القيمة العليا والأولى في إشاعة الثقافة والمعرفة والفنون وهي أساس كل تقدم وحضارة .