رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: السعودية تشارك الصين وروسيا في إعادة تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب

نشر
الأمصار

بدأت العلاقات بين السعودية وأمريكا عام 1945 بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت على ظهر البارجة الأمريكية كوينسي في البحيرات المرة قرب قناة السويس، من خلال اتفاق استراتيجي طويل الأمد متعدد الأبعاد يحمل أهمية لكلتا الدولتين.

حاول الرئيس ترمب استعادة العلاقات التي كانت متوترة بين السعودية وأمريكا في زمن أوباما بسبب دعم أمريكا ثورات الربيع العربي ودعم جماعات الإخوان والثورة الخمينية إلى جانب الاتفاق النووي الموقع في عام 2015، لكن عندما دخل بايدن البيت الأبيض عاد التوتر في العلاقة بين البلدين وهو توجه مقصود، خصوصًا بعد رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، ولم تعد السعودية تقبل أن تستخدم الولايات المتحدة معها ورقة حقوق الإنسان مثلما ترفض الصين وروسيا، وهي مرحلة جديدة من عهد العلاقات الدولية، فيما أمريكا دمرت دول بأكملها كافغانستان والعراق وغيرها من دول.

رغم العلاقات المتوترة بين السعودية وأمريكا قبل الحرب في أوكرانيا، لكن بعد هذه الحرب أراد البيت الأبيض من السعودية ضخ مزيد من النفط الخام في السوق من أجل ترويض أسعار النفط من أجل خفض التضخم في الولايات المتحدة المرتفع منذ أكثر من 40 عاما، وتقويض تمويل الحرب في أوكرانيا، وكأن السعودية دولة تابعة للولايات المتحدة عليها أن تطيع أوامر الولايات المتحدة دون اعتبار للاتفاق داخل دول أوبك+، لكن فوجئت واشنطن أن مواقف السعودية لم تتزحزح رغم إرسال الرئيس ماكرون ورئيس وزراء بريطانيا جونسون، ورفضت السعودية استقبال مكالمة من بايدن لمناقشة نفس الموضوع، بل إن أوبك اتخذت قرارا في إسقاط بيانات وكالة الطاقة الدولية كمرجع يعتمد عليه عند اتخاذ قرارات بشأن الإنتاج.

يواجه بايدن معارضة شديدة من المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين من أجل الإسراع في التقارب مع السعودية قبل أن تصطف السعودية بشكل أوثق مع الصين وروسيا، ولا تود السعودية فك الارتباط مع واشنطن لمصلحة الصين أو روسيا بل تحرص السعودية على استعادة العلاقات مع واشنطن، وإعادة تأكيد الشراكة الثنائية بين الجانبين، خصوصا وأن بين البلدين مصالح مشتركة واسعة، وستكون عوائد الشراكة السعودية الأمريكية أكثر فائدة من دوافع تدهور العلاقات.

ارتفاع أسعار النفط والغاز في ظل الحرب الأوكرانية أكد على الدور الحيوي الذي لا يزال تلعبه موارد الطاقة السعودية، ويعيد تسليط الضوء على أهمية الخليج كنقطة قوة في صراع الدول العظمى، بعدما اكتشفت أمريكا أن تحقيق استقلال أمريكا الكامل في مجال الطاقة أكذوبة، بل إن جوليان لي الخبير الاستراتيجي الأمريكي في مجال الطاقة يرى أن هذا الحديث أكذوبة يروج لها السياسيون نتيجة ازدهار النفط الصخري، وأن الولايات المتحدة ما زالت بعيدة عن تحقيق الاستقلال الحقيقي في مجال الطاقة، واعتبر أن التقلبات في قطاع الطاقة الأمريكي حادة للغاية، كما ان العالم يواجه تحديا مشتركا في تأمين مصادر الطاقة المستدامة، ليست قضية أزمة المناخ إلا شماعة كبيرة لنزع موثوقية الوقود الأحفوري، ورغم أن مشكلات النفايات النووية وقضايا البيئة ذات الأثر الأسوأ من أزمة المناخ إلا أن هناك 440 مفاعلا نوويا في العالم تعمل وفق شروط تشغيل وقوانين عالمية صعبة، إلا أن الصين تعتزم بناء 155 مفاعلا نوويا جديدا قبل عام 2037 من أجل وقف استخدام الفحم الحجري الذي يشكل 60 في المائة من مصادر الطاقة الصينية.

ما يعني أن هناك إعادة التسليط على منطقة الخليج وعلى أوبك بقيادة السعودية، وتدرك واشنطن أن دفع الرياض إلى دائرة النفوذ الصيني والروسي سيمثل خسارة استراتيجية ستحرص أمريكا على تجنب حدوثها.

الحرب الأوكرانية

قبل الحرب في أوكرانيا وضعت إدارة بايدن احتواء الصين أولوية في السياسية الخارجية، مما يتطلب دعم الحلفاء في آسيا ضمن استراتيجية المحور الآسيوي، بجانب تعزيز التحالف مع أوربا، مع إعادة رسم خريطة انتشارها لتوجيه مواردها إلى المناطق الأكثر أولوية، لم يكن الشرق الأوسط ضمن أولوياتها، ما جعلها تترك مساحة أوسع لقوى الإقليم كي تدير صراعاتها، وهي نظرية أوباما تبناها بايدن، ولم يتنبه أن الظروف الدولية قد تغيرت.
فالحرب الأوكرانية جعلت الولايات المتحدة تصر على تأكيد موقع الهيمنة الغربية الذي تقوده الولايات المتحدة، في المقابل تصر أيضا الصين وروسيا على تحدي هذه الهيمنة، وقد أعلنت الصين وروسيا بعد لقاء جرى بين الرئيسين شي جين وبوتين في بكين في مارس 2022 أنهما يعارضان توسيع للحلف الأطلسي مستقبلا، ونددا بالنفوذ الأميركي ودور حلف شمال الأطلسي، وتحالف أوكوس الدفاعي في أوربا وآسيا باعتبارهما يؤديان إلى زعزعة الاستقرار، ونددا بالتأثير السلبي لاستراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ على السلام والاستقرار في المنطقة، وأبديا قلقهما من إنشاء التحالف العسكري بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا عام 2020.

ويشكل هذا لإعلان الصيني الروسي موقفا رسميا واضحا لتطابق المواقف، وإعلانا رسميا بأن الصين حليف لروسيا في الأزمة الأوكرانية ضد واشنطن، ويعتبران أن هذا الاتفاق هو آخر خط دفاع لحماية النظام العالمي وفق صحيفة غلوبال تايمز الصينية، حيث تعتبر حرب أوكرانيا أتت ردا على هذا اللقاء، وستحرص السعودية على المناورة بمصالحها بين القوى المتنافسة من أجل إقامة عالم متعدد القطاب، وكما رفضت ضخ مزيد من النفط للمشاركة في العقوبات على روسيا، كذلك أكدت السعودية على اعتبار تايوان جزء من السيادة الصينية، يعكس ذلك ازدياد حدة التنافس بين هذه القوى سواء على مستوى الجغرافيا السياسية أو الجغرافيا الاقتصادية أو الاثنين معا، وستكون السعودية شريكة في أي نظام عالمي متعدد الأقطاب.

كشفت السعودية أثناء إدارتها لمجموعة العشرين في 2020 الحاجة إلى بلورة تعاون دولي فاعل متعدد الأطراف تنتج منه استراتيجية ناشطة ومبادرة للتعامل بفاعلية مع مثل كوفيد 19 وغيره من تحديات مشتركة تهدد أمن سلاسل الامدادات على كل من الأمن الغذائي والأمن المائي والهجرة القسرية وانتشار الأوبئة والأمراض التي تهدد الاستقرار على الصعيد الدولي.

رغم ان تبلور نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب لم تستقر بعد قواعده على غرار نظام اللحظة الأحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كما سماه الأمريكي شارلز كروثمر، إلا أن الولايات المتحدة تحاول أن تظهر أن هناك تحالف غربي في الأزمة الأوكرانية، لكن لا تزال هناك خلافات حول تقاسم أعباء الإسهام في منظمة حلف شمال الأطلسي، وهناك خلاف حول العديد من القضايا الدولية، بل هناك خلاف داخل البيت الأوربي خصوصًا حول تطبيق العقوبات فيما يتعلق بالغاز الروسي.

فلا زالت أمريكا والغرب يدرك تموضع السعودية في أي نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، حيث لا زالت السعودية تدير أسواق النفط، ولا زالت الولايات المتحدة والعالم يعتمد على السعودية في محاربة الإرهاب، وقد أكد وزير الأمن الداخلي الأمريكي جون كيلي في شهادة لافتة أمام الكونغرس التي يؤكد فيها وبكل وضوح إلى أهمية الدور الأمني والاستخباراتي الذي تقوم به السعودية لمكافحة الإرهاب العالمي باعتبار أن محاربة الإرهاب مبدأ نابع من عقيدتها الدينية وهي الدولة الوحيدة التي تدرك أن الإرهابيين يقومون بأعمالهم البشعة باسم الدين.