بعد إثارته للجدل.. السلطات التونسية تدخل على خط المواجهة مع مسلسل "براءة"
أثار المسلسل التونسي "براءة" جدلا بعد تطرقه لقضية الزواج العرفي المجرمة محليا ما جعل السلطات تتدخل وتصدر بلاغا تتمسك فيه بمجلة الأحوال الشخصية التي تفرض نموذجا مجتمعيا يقوم على ضمان الحقوق المكتسبة للمرأة التونسية وقيم الجمهوريّة ومدنيّة الدولة.
ومسلسل "براءة" لمخرجه سامي الفهري بطولة فتحي الهداوي وريم الرياحي وأحلام الفقيه ومحمد السياري وكوثر الباردي وياسين بن قمرة.
قصة المسلسل التونسي "براءة"
ويتناول المسلسل قضية رجل ستيني ثري ومتصابي يدعى "وناس" متزوج بامرأة مكسورة الجناح تدعى "زهرة" ويريد الزواج بالخادمة "بية" ذات 18 سنة ليصدم عائلته بهذا الطلب الذي يلاقي رفضا من زوجته وأبنائه ومن المجتمع باعتبار هذا الزواج مجرما في تونس وتصل عقوبته للسجن 5 سنوات ويعتبر جريمة زنا.
وأثار المسلسل الكثير من الجدل بسبب تناوله لقضية الزواج العرفي المجرمة في القانون التونسي والتي وصل النقاش فيها إلى قصر الرئاسة، بعدما التقت راضية الجربي، رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسي، الإثنين، بالرئيس التونسي قيس سعيد وتحدثت معه عن مسلسل "براءة" ومسألة الزواج العرفي.
وأشارت الجربي إلى أن رئيس الجمهورية عبر خلال اللقاء عن رفضه لمسألة الزواج العرفي في تونس، وأنه لا مجال للمساس بحقوق المرأة وبمجلة الأحوال الشخصية، وأن الشعب التونسي لن يقبل بمثل هذه الممارسات.
وجددت وزارة المرأة التأكيد أن "الزواج العرفيّ" هو زواج على خلاف الصيغ القانونيّة وجريمة يعاقب عليها القانون بعقوبة سالبة للحريّة طبقا للفصل 18 من مجلة الأحوال الشخصيّة وللقانون عدد 3 لسنة 1957 المتعلّق بتنظيم الحالية المدنيّة.
وأكدت في بلاغ أصدرته، مساء اليوم الإثنين، أن الجريمة المذكورة لا ينطبق عليها الفصل 53 من القانون الجزائي والمتعلّق بظروف التخفيف.
كما أكدت التزام الدولة التونسيّة بـ"حماية الحقوق المكتسبة للمرأة" والعمل على "دعمها وتطويرها واتّخاذ كل التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضدّ المرأة".
وأعربت عن "ارتياحها لما عبّرت عنه شرائح واسعة من الشعب التونسي من رفض قاطع لجريمة الزواج على غير الصيغ القانونيّة، تأكيدا لتمسكّ التونسيّين بنموذجهم المجتمعي والحقوق المكتسبة للمرأة التونسيّة وقيم الجمهوريّة ومدنيّة الدولة".
وأكدت رفضها لكل أوجه التطبيع مع جميع أشكال العنف الممارس ضد المرأة، وتدعو كلّ الفاعلين وفي مقدّمتهم مؤسسات الإعلام وأهل الفنّ والثقافة إلى المساعدة على تكريس الالتزام المجتمعيّ الشامل بتطبيق مقتضيات القانون 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة.
ودعت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري إلى ممارسة صلاحيّاتها لضمان احترام المعايير الخاصة بتصنيف الإنتاجات الدراميّة وتحديد الفئات العمريّة المعنيّة بمشاهدتها والمواقيت المناسبة لبثّها، تحقيقا لمصلحة الطفل الفضلى، مذكّرة في هذا المجال بالدور المحوري للأسرة في حماية أبنائها.
وأكدت الوزارة أن حريّة الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة ولا يجوز ممارسة رقابة قبليّة على هذه الحريّات بحكم الدستور، كما أنّ الإنتاج الدراميّ شأنه شأن كلّ الأنماط والأشكال التعبيريّة والفنيّة والفكريّة الأخرى، وهو أداة أساسيّة لممارسة هذه الحريّات في كنف القانون والقبول باختلاف الآراء وتعدّدها، وإنّ من الوظائف الأساسيّة لكلّ عمل فنيّ كسر جدار الصمت الذي قد يحيط بالمسكوت عنه في السياقات المجتمعيّة، والتعاطي بجرأة وشجاعة لدى طرح القضايا الحارقة ومعالجتها نقديّا.
وأشارت الوزارة إلى أن تونس التي تعدّ منارة من منارات الحريّة والانتصار لحقوق المرأة وقيم المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين، ما انفكّت تعتزّ بإصدارها منذ سنة 1956 لمجلة الأحوال الشخصية التي حققت بها تونس ثورة كبيرة وتحوّلا نوعيا حضاريا ومكسبا مجتمعيّا متميّزا في إعادة البناء الرمزيّ لمكانة المرأة وأدوارها في الأسرة والمجتمع، حيث منعت المجلة تعدّد الزوجات ونصّت على معاقبة كل من يخترق هذا المنع بعقوبة جزائيّة، وجعلت الطلاق بيد المحكمة، وأقرت المساواة الكاملة بين الزوجين في كل ما يتعلق بأسباب الطلاق وإجراءاته وآثاره، كما أقرّت الزواج عبر اشتراط رضاء الزوجين، ومنعت إكراه الفتاة من الوليّ وتصدّت للزواج المبكّر عبر تحديد السنّ الدنيا للزواج، وجرّمت الزواج خارج إطار القانون (العرفي) وفرضته في صيغة مدنيّة رسميّة، وألغت واجب الطاعة الزوجيّة. وهي من المكاسب الرائدة التي يضمنها القانون وتحرص الدولة التونسيّة على مزيد تأصيلها ودعمها وإثرائها.
كما لفتت الوزارة الى أنّ الزواج على خلاف الصيغ القانونية أو ما يعرف بالزواج العرفيّ يمثّل جريمة يدينها القانون، وأحد أوجه الإساءة لمكاسب المرأة التونسيّة وشكلا من أشكال الانتهاك الصارخ لمدنيّة الدولة ووجها من وجوه الإتّجار بالبشر والتهديد لحقوق النساء. وإنّ من دور الدراما والفنّ عموما المساهمة في التعريف بأركان هذه الجريمة وفضح ما يرافقها من تمثّلات خاطئة، وذلك في كنف الاحترام التام لآليّات التعديل والتعديل الذاتي وللقواعد والضوابط التي تنظّم الفضاء السمعي والبصري، وفي مقدّمتها نبذ العنف والغلوّ والتطرّف وحماية المصلحة الفضلى للطفولة.