رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

أدهم إبراهيم يكتب : العلاقة بين التدين والأخلاق في مجتمعاتنا

نشر
الأمصار

كان كثير من الناس يربطون أخلاق المرء بمقدار تدينه، ويفترضون أن التدين ملازم بالضرورة لحسن الخلق والعدل.

ولكننا الآن نشاهد أشخاصًا" يدعون التدين ويقيمون الشعائر الدينية المختلفة، "وأحيانا المبالغة فيها" في العلن، ولكنهم في الخفاء يخونون الأمانة ويبتزون الفقير ولايكفون الآذى عن الناس أوالطريق، وحتى عدم مراعاة الطهارة والنظافة التي يؤكد عليها الدين، ناهيك عن انتشار الفساد بهذا الشكل المخيف .

كما نلاحظ كثرة السؤال عن الحلال والحرام في المأكل والملبس، دون السؤال عن مكارم الأخلاق أو السلوك الحسن المكمل للدين، حيث يقول الرسول الكريم (إنَّما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق) .

كما يخاطب رب العزة نبيه الكريم وانك لعلى خلق عظيم.

تعتبر القيم الأخلاقية أساس الدين والتدين، ولايمكن تصور الالتزام بالدين دون أخلاقياته . 

والأديان كافة تضع قواعد أخلاقية صارمة لتنظيم العلاقات الإنسانية، وتكون مترافقة مع الطقوس والشعائر الدينية.

ولذلك كانت علاقة الدين بالأخلاق  متشابكة ومتداخلة إلى حد كبير . . 

ولكننا الآن لا نستطيع القول إن الأخلاق البشرية الحالية مترادفة أو مرافقة للدين أو التدين.

حيث أصبح كثير من الناس في عالم اليوم يعتقدون أن الدين ليس ضروريا لأخلاق الإنسان، فالدين علاقة الإنسان بخالقه، والأخلاق علاقة الانسان بأخيه الإنسان أو بمحيطه.

وبالتالي فليس من الضروري أن يتبنى الإنسان دين معين من أجل الحصول على القيم الأخلاقية، فاخلاق الإنسان بدأت بالدين حتى أصبحت إلزامية من خلال ربط الدين بالاخلاق، وجاء العقاب والثواب على وفقها . ولكن تطور الاخلاق جرى بمعزل عن الدين.

حتى أصبحت الأخلاق غير مرتبطة بالدين وجودا وعدما.

فالأخلاق من المنظور العلمي أو العقلاني هي سلوك انساني واجتماعي متطور ومتحضر، أما التدين والطقوس الدينية بشكلها الحالي فقد اصبحت نتاج تراكمي للعادات والتقاليد أكثر منها إيمانا بالدين أوبالقيم الأخلاقية، بل كثيرا من هذه الطقوس ابتعدت عن الدين الذي كان وسيلة اصلاح اجتماعية، فتحول في كثير من الأحيان إلى وسيلة سلطوية لتنفيذ مهمات وأهداف سياسية واقتصادية لاعلاقة لها بالاخلاق . 

الإبتعاد عن القيم الدينية

أن مانراه اليوم من عدم الالتزام بالمبادئ والقيم الدينية الحقة والاقتصار على الطقوس والشكليات ومارافقها من انحطاط القيم الاخلاقية لدى بعض المتدينين في مجتمعاتنا يعود أما إلى ضعف الايمان الحقيقي بالدين، او اتخاذ الدين وسيلة لخداع الناس والاحتيال عليهم ، وهي بالتالي أدوات نصب وتضليل.

أننا نعيش الآن في أزمة فعلية في التدين وفي الأخلاق معا" ، فجاء التدين الظاهري في كثير من الأحيان كغطاء لغمط حقوق الناس أو الاستيلاء على المال العام .

أين مدعي التدين من مكارم الأخلاق التي يزخر بها التراثِ الإسلامي مثل العفة، والرضى، والبر والإحسان، والصدق، والأمانة، والحِلم ، والكرم، والإيثار، والعدل، والعرفان، والوَفاء، والتواضع، والتعاون، والتسامح، وفعل الخير، واجتناب الشبهات وغيرها.

وهكذا انقطعت العلاقة بين التدين الظاهري والأخلاق، حتى اخذنا نشاهد حالات مؤلمة من الاستيلاء على الأموال العامة والخاصة وضياع الحقوق،  واستغلال حاجة الناس لكسب المال أو الصعود إلى السلطة بأي ثمن، واكثر هذه الممارسات تصدر من أناس يتمظهرون بمظاهر دينية مخادعة.

وهكذا أصبحنا نشاهد "مع الأسف" 

أن الافراد والمجتمعات الأكثر تديناً، أو التي تدعي التدين على الأصح، هي الأكثر فساداً في الإدارة، والأكثر كذباً في السياسة، والأكثر هدراً للحقوق، والأكثر تحرّشاً بالنساء وغمط حقوقهن، والأكثر اساءة  للأطفال، ثم يأتي هؤلاء الاشخاص ليقولوا لنا بوقاحة إن سبب فساد الأخلاق هو نقص في الدين!

لاشك أننا نواجه أزمة حقيقية .. أزمةٍ في الأخلاق وازمة في التدين على حد سواء.

حيث تدهورت الأخلاق العامة نتيجة تدهور سلوكنا الفردي والجمعي بشكل واضح ، وهذا ينطبق على كثير من الناس رغم اختلاف توجهاتهم العرقية اوالطائفية او السياسية.

كما تدهور التدين الحقيقي لطغيان الطقوس والشكليات على حساب  الايمان الحقيقي بالله وبقيمه ، واتخاذ الدين وسيلة للمكاسب السياسية والفردية.

أن القيم الاخلاقية هي حجر الزاوية الذي يرتكز عليه بناء الأجيال المتعاقبة القادرة على الصمود في وجه تحديات المستقبل.

لذلك تواجه الأخلاق في مجتمعاتنا تحديًا كبيرًا يتطلب التفكير الفردي والجماعي.

ولمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والتعليم والمؤسسات الدينية الرصينة دور مهم في الحفاظ  على القيم الأخلاقية والدينية الجيدة ، وايجاد طريقة فاعلة في السماح للافراد بالعيش في المجتمع وفقًا لمثلهم العليا ، وتجنب مصادرتها ، مع الحفاظ على الحد الادنى من القيم والمبادئ الاخلاقية العامة التي يجب أن يحترمها الجميع.