رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الحرب الروسية الأوكرانية.. وخطر الأسلحة البيولوجية التي تهدد العالم

نشر
خطر الأسلحة البيولوجية
خطر الأسلحة البيولوجية

شهد العالم على مدار الأسبوع الماضي تبادل الاتهامات بين روسيا والولايات المتحدة باستخدام الأسلحة البيولوجية، وطالبت روسيا مجلس الأمن بعقد جلسة طارئة للبحث في ملف ”الأسلحة البيولوجية“، التي تؤكد موسكو أن أوكرانيا تنتج الأسلحة البيولوجية بدعم من الولايات المتحدة.

وأكد الكرملين  امتلاك روسيا أدلة دامغة، تثبت اجراء أبحاث لإنتاج الأسلحة البيولوجية في أوكرانيا، عبر برنامج عسكري يشمل "مسببات لأمراض فتاكة.

ونفت الولايات المتحدة الاتهامات وحذرت من أن روسيا تفعل ذلك وتنشر معلومات مضللة لأنها قد تلجأ لاستخدام أسلحة كيميائية وبيولوجية  في أوكرانيا.

وأطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيرات بضرورة تدمير "الجراثيم الخطيرة المسببة للمرض" التي تحصل في تلك المختبرات لتجنب تعريض السكان لأي خطر تلوث بسبب الحرب الدائرة.  

ومع التحذيرات والتخوفات من استخدام الأسلحة البيولوجية في الحرب الروسية الأوكرانية نتعرف في السطور التالية عن الأسلحة البيولوجية وبداية استخدامها وخطورتها.

حرب الاسلحة البيولوجية 

الإرهاب البيولوجي

تعتبر الأسلحة البيولوجية من أسلحة الدمار الشامل، وتم حظر استخدامها دوليا منذ الحرب العالمية الأولى، إذ أنّ مهمتها نشر الكائنات الحية أو السموم المسببة للأمراض لإيذاء أو قتل البشر أو الحيوانات أو النباتات.

تظهر أسلحتها كبكتيريا أو فيروس متسلل سريع الانتشار حاد التأثير بالغ الضرر في بيئة مناسبة غير قادرة على صد هذا الهجوم، وتأتي على شكل مجموعة كبيرة من البكتيريا والفيروسات المعدلة وراثيا لمقاومة المضادات الحيوية.

 استخدمت الدول في حروبها سلاح السموم لمحاربة الدول الأعداء، إلى أن تطور هذا العلم أكثر فأكثر ووصلنا الى حد الإبادة بالفيروسات والتهديد الإرهابي البيولوجي في المختبرات".

 وعملت روسيا على إنتاج السلاح البيولوجية منذ أن كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي، وكان لديها برنامج أسلحة بيولوجية ضخم جدا، وكانت تديره وكالة تدعى بيوبريبارات، ويعمل فيها 70 ألف شخص.

وبعد نهاية الحرب الباردة، ذهب العلماء لتفكيكه، ووجدوا أن السوفيات قد أنتجوا وحوَلوا أمراض مثل الجمرة الخبيثة والجدري وغيرها إلى أسلحة على نطاق واسع، بعد اختبارها على قرود حية في جزيرة في جنوب روسيا. وقد قاموا حتى بتحميل أبواغ (سبورات) الجمرة الخبيثة في الرؤوس الحربية للصواريخ بعيدة المدى العابرة للقارات التي تستهدف المدن الغربية.

بداية استخدام الأسلحة البيولوجية

بداية استخدام السلاح البيولوجي 

تعود بدايات استخدام هذه الأسلحة إلى  القرن الـ14 ، فقد استخدمها الاشوريون ضد أعدائهم، واستخدمها الصليبيون ضد المسلمين في الحروب الصليبية، وكذلك استخدمها المهاجرون الأوروبيون ضد الهنود الحُمر في أمريكا.

فى عام ١٧٦٣ كان سير ( جيفرى امهيرست ) هو القائد العام للقوات البريطانية فى أمريكا الشمالية التى كانت فى حالة حرب مع الهنود الحمر السكان الأصليين للقارة وثار الهنود ثورة عارمه ضد قوات الاحتلال البريطانى شكلت خطورة كبيرة على حياة الجنود البريطانيين ولما لم يكن هناك وسيلة لطلب العون من بريطانيا فى ذلك الوقت نظرا لبعد المسافة وصعوبة المواصلات فقد عمل السير ( امهيرست ) على استغلال انتشار مرض الجدرى بين جنوده حتى أنه اضطر إلى بناء مستشفى لعزل المرضى منهم حتى لا ينتشر الجدرى بين باقى قواته. 

ولجأ إلى نشر مرض الجدري بين الهنود الحمر بإعطائهم هدية عبارة عن بطاطين ومناديل يد ملوثة بميكروب الجدرى من مخلفات الجنود المرضى لديه، وكان ذلك سببا فى نشر العدوى وقتل العديد من الهنود الحمر.

 أبرز الأسلحة البيولوجية في العالم 

   الطاعون

"الطاعون" تنقله بكتيريا تسمى يرسينيا بيستس، حيث ينتشر عادة عن طريق لدغات البراغيث المصابة والتي تكاثرت البكتيريا بداخلها، كما تنتقل العدوى أيضًا عن طريق الاتصال المبُاشر بالمريض.

كان الطاعون أو "الموت الأسود" سببا في موت سكان أوروبا في القرن الـ 14، لذلك يصنف ضمن أخطر فئة من الأسلحة البيولوجية. شهدته الصين عام 1940، ذلك بعد الهجوم الياباني عندما قامت القوات اليابانية بإسقاط قنابل تحتوي على البراغيث المصابة من الطائرات، ويتسبب في ظهور بقع دموية تُصبح سوداء تحت الجلد.

 طاعون الماشية

أطلق جنكيز خان عندما غزا أوروبا في القرن الـ 13، طاعون الماشية كسلاح بيولوجي، فيتسبب في القضاء على الماشية، الماعز، الثيران، والزرافات. 

وقد تفشى المرض في أفريقيا فأدى إلى حدوث المجاعات.

الجمرة الخبيثة

بكتيريا الجمرة الخبيثة استخدمتها بريطانيا كسلاح بيولوجي في الحرب العالمية الثانية على جزيرة جرونارد الأسكتلندية، التي لم تتعافَ من آثار المرض إلا في عام 1987، كما استخدمتها الوحدات اليابانية في منشوريا خلال ثلاثينيات القرن العشرين.  وفي عام 1979 وقعت أكبر حادثة استنشاق لجراثيم الجمرة الخبيثة، ذلك عندما أطلقت خطأ في المركز البيولوجي العسكري في سفيردلوفيسك في روسيا، مما أدى إلى إصابة 79 شخصًا، وتسبب في موت 68 شخصا.

الكوليرا

في 2008 اتهم الرئيس الزيمبابوي الحكومة البريطانية باستخدام الكوليرا كسلاح بيولوجي أدى إلى مقتل مئات الأشخاص للإطاحة بنظامه، فالكوليرا قد تجتاح أي مكان لسهولة انتشارها في المناطق المزدحمة التي تعاني من عدم توافر المصادر النقية لمياه الشرب.

 

أما ما بين عام 1816 وحتى نهاية سبعينيات القرن الماضي، وقعت 7 أوبئة للكوليرا، كان الوباء الثالث هو أكثرهم شراسة، حيث تجاوز عدد القتلى مليون شخص خلال 1852-1860 في روسيا.

 

سم البوتولينوم 

يعتبر هذا السم من الأسلحة البيولوجية الهامة جدًا، والمفضلة من بين برامج الأسلحة البيولوجية، نظرًا لقوته، والإمكانية المحدودة للعلاج لأنه عديم اللون والرائحة، ولا يتم اكتشافه إلا بعد حدوث الإصابة.

 ففي عام 1990 نشرت الجماعة اليابانية أوم شينريكيو السم على عدة أهداف سياسية.

وتبدأ أول علامات التسمم بعدم وضوح الرؤية، التقيؤ، وصعوبة البلع، فإن لم يتم العلاج في تلك الحالة يبدأ الشلل في الترسخ والوصول إلى العضلات ثم إلى الجهاز التنفسي، ثم يؤدي إلى الوفاة في غضون 24 إلى 72 ساعة.

 

الحرب البيولوجية والتلوث البيئي

بالإضافة إلى الآثار الكارثية للأسلحة البيولوجية, فإن خطورتها تكمن في إنخفاض تكلفتها وسرعة وسهولة تحضيرها ونقلها وإستخدامها مقارنة بأسلحة الدمار الشامل الأخرى, وعلى العكس من القنابل النووية والكيمائية, فإنه يسهل إحاطة القنبلة الحيوية بالسرية التامة, حيث أنها تنتشر بشكل خفي عبر الهواء فهي بلا لون ولا رائحة وبالتالي لا يمكن إكتشافها أو تحديد مصدرها. ومن مخاطر السلاح البيولوجي أنه يصيب الكائنات الحية غير المقصودة بالهجمة العسكرية, كما ويصعب التفريق بينه وبين الحالات المرضية الطبيعية التي قد تشترك معه في الأعراض. ومع التقدم العلمي فإن الهندسة الحيوية زادت من خطورة إستخدام السلاح الجرثومي لقدرتها على تحضير أسلحة جرثومية لأهداف عسكرية محددة.

يخلف إستعمال الأسلحة البيولوجية جراثيم الأمراض الملوثة للهواء، والماء، والغذاء، والبيئة بشكل عام, مسببة بذلك أمراض وبائية للإنسان والحيوان والنبات على حد سواء. حيث أن هذه الجراثيم المرضية لا تظل ساكنة بصورة وبائية في الطبيعة ولعدة سنوات فحسب, بل وتقاوم الظروف البيئية الصعبة.

هنالك عدد كبير من الأمراض الملوثة للهواء والمستخدمة في الحرب البيولوجية وتعد الفطريات من أشهرها، حيث أنها تنتقل بالهواء لمسافات بعيدة لتصيب النباتات السليمة بأمراض كالصدأ وغيره. أما تلوث الأغذية فهو من أقوى الطرق المستخدمة في تنفيذ هجمات الحرب الجرثومية, حيث تنقل العدوى إلى الإنسان مباشرة من خلال تناول الطعام أو الشراب الملوثين، أو بطرق غير مباشرة بوساطة عائل وسيط.

أما المياه فتنقل عدداً من الأمراض الفتاكة, فمثلاً يعتبر سـم بكتيريا   Clostridium tetaniمن أقوى السموم المستخدمة حربياً, حيث يستطيع  جرام واحد من هذا السم قتل ثمانية ملايين نسمة خلال ستة ساعات فقط وفي الحال. وليكون الضرر مزدوجاً على الحيوان والإنسان معاً, تستخدم مايكروبات الأمراض المشتركة كالحمى المالطية، الحمى القلاعية، جدري الأبقار، القراع، الحمى القرمزية وغيرها كثير.

اتفاقية الأسلحة البيولوجية 

اتفاقية الأسلحة البيولوجية

أقبل المجتمع الدولي على حظر استعمال الأسلحة الكيميائية والبيولوجية بعد الحرب العالمية الأولى وأكد على هذا الحظر مجدداً في عامي 1972 و1993 عن طريق منع تطوير هذه الأسلحة وإنتاجها وتخزينها ونقلها. وجاءت التطورات الحديثة في العلوم الحيوية والتكنولوجيا البيولوجية، فضلاً عن التغييرات في البيئة الأمنية لتزيد من القلق إزاء احتمالات تجاهل القيود طويلة الأمد المفروضة على استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية أو حتى تقويضها.

في 10 نيسان/أبريل 1972، فتح باب التوقيع على اتفاقية الأسلحة البيولوجية، وهي أول معاهدة متعددة الأطراف لنزع السلاح تحظر استحداث وإنتاج وتخزين طائفة بكاملها من أسلحة الدمار الشامل. ودخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ في 26 آذار/مارس 1975.

واتفق مؤتمر الاستعراض الثاني (1986) على وجوب أن تنفذ الدول الأطراف عددا من تدابير بناء الثقة لمنع أو تقليل حدوث أي لبس أو شك أو ارتياب، ولتحسين التعاون الدولي في ميدان الأنشطة البيولوجية السلمية. وتوسّع مؤتمر الاستعراض الثالث (1991) في تدابير بناء الثقة.

وبموجب هذه الاتفاقات، تعهدت الدول الأطراف بتقديم تقارير سنوية – باستخدام الأشكال المتفق عليها – عن أنشطة محددة تتعلق باتفاقية الأسلحة البيولوجية، ومنها: بيانات عن المراكز والمختبرات البحثية؛ ومعلومات عن مرافق إنتاج اللقاحات؛ ومعلومات عن البرامج الوطنية لبحوث وتطوير الدفاع البيولوجي؛ والإعلان عن الأنشطة السابقة في برامج البحث والتطوير البيولوجية الهجومية و/أو الدفاعية؛ ومعلومات عن انتشار الأمراض المعدية والأحداث المماثلة الناجمة عن السموم؛ ونشر النتائج وتشجيع استخدام المعرفة والاتصالات؛ ومعلومات عن التشريعات والأنظمة وغير ذلك من التدابير.