رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

منذ توليه المنصب.. الرئيس الجزائري في مصر للمرة الأولى

نشر
الرئيس السيسي وتبون
الرئيس السيسي وتبون

وصل اليوم الإثنين، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلي القاهرة ليلتقي بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتعد هذة الزيارة هي الأولى من نوعها للرئيس الجزائري منذ توليه الحكم نهاية 2019 إلى مصر.

جاء ذلك بعد الزيارة الأخيرة التي قادت الرئيس المؤقت السابق الراحل عبد القادر بن صالح في يوليو 2019 إلى القاهرة، وحضر خلالها نهائي كأس أمم أفريقيا التي جرت بمصر وفاز بها المنتخب الجزائري.

وتعد مصر من أبرز المحطات الخارجية التي دأب جميع الرؤساء السابقين الـ7 للجزائر على زيارتها.

كما تعد القاهرة ثالث محطة عربية منذ تولي الرئيس المجيد تبون مقاليد الحكم بعد كل من المملكة العربية السعودية وتونس.

وتجمع القاهرة والجزائر قواسم مشتركة بينها الإرث التاريخي من خلال الدعم المصري الكبير للثورة التحريرية الجزائرية (1954 – 1962)، وكذا مشاركة الجيش الجزائري في الحرب العربية – الإسرائيلية سنتي 1967 و1973.

فعلى مدى سنوات طويلة شهدت العلاقات المصرية الجزائرية تاريخا طويلا من البطولات والملاحم الوطنية العربية المشتركة، كانت مصر نعم السند والداعم للجزائر.

وكذلك كانت الجزائرأيضا، فى كل موقف احتاجت فيه مصر لها، وظهر ذلك بوضوح في كل أزمة تعرضت أى من البلدين، بداية بوقوف مصر مع الثورة الجزائرية حتى نالت بلد المليون شهيد استقلالها، وحتى الموقف الجزائرى المشرف والعظيم والتاريخى مع مصر خلال حرب أكتوبر المجيدة.

فقد لعبت مصر دورا مهما لمساعدة شقيقتها الجزائر حتى تنال استقلالها عن الاحتلال الفرنسي، و كانت أداة إعلامية قوية تحكى معاناة الشعب الجزائرى في المحافل الدولية مع الاحتلال، وجندت مؤسساتها الإعلامية في تلك الحقبة لهذا الهدف، حيث قامت بتدعيم مشاركة وفد جبهة التحرير الوطني في فعاليات مؤتمر باندونج عام .1955

وقد ساعد هذا الموقف المصري،  الثورة الجزائرية على تحقيق عدة مكاسب أولها تدويل القضية الجزائرية في المحافل الدولية و التزام المشاركين في المؤتمر بتقديم مساعدات مادية للثورة والتأكيد على شرعية وعدالة المطالب الجزائرية.

ولم تقتصر المساندة المصرية للثورة الجزائرية على دعمها دوليا فقط، بل أن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لعب دورا مهما للغاية في تعميق العلاقات مع الجزائر من خلال مساندته ودعمه لها بالسلاح والعتاد وقت الثورة، حيث أمر بتزويد الجيش الجزائرى  بشحنات من البنادق والرشاشات والذخائر، وأسلحة أخرى أدخلتها المخابرات المصرية إلى الجزائر عبر الحدود مع المغرب، وليبيا، دون مقابل،هذا بالإضافة إلى استضافة المناضلين الجزائريين في القاهرة.

كما لم تكتف مصر بإمداد الثورة الجزائرية بالسلاح من الجيش المصرى، بل ان الرئيس الجزائرى الراحل أحمد بن بلة، أكد أن الرئيس جمال عبد الناصر توسط لدى الزعيم الهندى “نهرو” حتى تحصل الجزائر على صفقة أسلحة هندية لمساعدتها في التصدي لقوات الاحتلال الفرنسي، ووافق “نهرو” بالفعل وتم إرسال السلاح الهندى _ الذى كان وقتها يتفوق على السلاح الفرنسي ــ   للجزائر.

وتوسط عبد الناصر لدى المملكة العربية السعودية لتقديم الدعم  وتبرعت المملكة  بمبلغ 100 ألف جنيه ، على أن تقوم مصر بإنفاقه على كفاح الجزائر ضد العدوان،وتم  تسليم المبلغ بالفعل للسلطات الجزائرية فورا.

وفى ظل هذا التقارب والدعم المصرى الكبير للجزائر وجد الغرب انه لا مفر من الوقوف أمام هذه الوحدة العربية التي حملت مصر شعلتها خلال فترة حكم جمال عبد الناصر، وجاء الرد الفرنسي على مصرفى العدوان الثلاثى انتقاما من مساندة مصر للشعب الجزائرى في ثورته.

على الجانب الاخر، لا يمكن أن يغفل التاريخ الدور الجزائرى العظيم مع مصر في حرب أكتوبر1973، فقد طلب هوارى بومدين الرئيس الجزائري في ذلك الوقت من الاتحاد السوفيتي شراء طائرات وأسلحة لإرسالها إلى المصريين عقب وصوله معلومات تفيد بأن إسرائيل تنوي الهجوم على مصر.

وباشر الرئيس الجزائري اتصالاته مع السوفيت لكنهم طلبوا مبالغ ضخمة فما كان من الرئيس الجزائري إلا أن أعطاهم شيكا «على بياض» وقال لهم “أكتبوا المبلغ الذي تريدونه” ، وهكذا تم شراء الطائرات والعتاد اللازم ومن ثم إرساله إلى مصر، ولم يغادر بومدين موسكو حتى تأكد من أن الشحنات الأولى من الدبابات قد توجهت بالفعل إلى القاهرة.

ولعل اختيار الرئيس عبد الفتاح السيسى للجزائر كأول بلد عربى يزوره بعد توليه الحكم في عام 2014، كانت رسالة قوية لكل مشكك ومتآمر حاول خلال الفترة الماضية تعكير صفو العلاقات التاريخية العظيمة بين البلدين، والتي أكدتها كلمات الرئيسين “السيسى” و”بوتفليقة” خلال الزيارة التي عكست مزيد من التعاون بين البلدين في كافة المجالات في المستقبل.

وبهذه الزيارة أكدت المكانة الكبيرة التى تحظى بها الجزائر فى عقل وقلب صانع السياسة المصرية منذ الدعم المصرى الكامل، وغير المشروط لثورة المليون ونصف المليون شهيد، والتى أثمرت بتحرر الجزائر من الاحتلال الفرنسي.

ومن أكثر الملفات التى تؤثر فى البلدين مصر والجزائر، هو ما يتعلق بتطورات الأوضاع فى ليبيا، حيث تدعم مصر ومعها الجزائر كل الخطوات الإيجابية نحو حل سياسى شامل للأزمة الليبية، يقوم على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى ليبيا فى 24 ديسمبر المقبل، مع توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وتوحيد البنك المركزى الليبى، وصولاً إلى إزالة كل أشكال الخلاف التى لحقت بالمشهد الليبى منذ عام 2011 وحتى اليوم، ولعل اللقاء والمشاركة من الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس عبد المجيد تبون فى مؤتمر برلين الأول، كان بمثابة النواة لوضع حل سياسي، تقف وراءه الدول الإقليمية والمجتمع الدولى والأمم المتحدة، بهدف تعزيز الاستقرار فى ليبيا، التى تجاورها مصر من الشرق والجزائر من الغرب.

 

كما تمثل مكافحة الجماعات والتنظيمات الإرهابية، هدفا مشتركا للجزائر ومصر، حيث تستهدف تلك الجماعات الإرهابية البلدين، باعتبار الجزائر من أكبر الدول العربية مساحة، ومصر هى أكبر الدول العربية سكاناً وتمثل ربع سكان العالم العربي، ولهذا يتعاون البلدان الشقيقان فى مكافحة الإرهاب الذى ينتشر فى دول الجوار، خصوصا فى ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء التى باتت من الوجهات المفضلة للجماعات الإرهابية، منذ القضاء على دولة داعش فى سوريا والعراق، هو ما يفرض على البلدين التعاون من أجل إجهاض مخططات تلك الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.

 

وكثيراً ما كانت الجزائر، تلبى حاجة مصر من المحروقات، وهو ما ينظر إليه الشعب المصرى بامتنان شديد، ووفق مكتب التمثيل التجارى المصرى فى الجزائر، فإن حجم التبادل التجارى بين مصر والجزائر، وصل إلى 429.2 مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2019، وارتفاع قيمة الواردات المصرية من الجزائر، لتصل إلى 135 مليون دولار خلال النصف الأول من 2019 مقارنة بـ 86.8 مليون دولار، عن نفس الفترة من عام 2018 بنسبة زيادة 55.6%، حيث مثلت المنتجات البترولية نحو 99% من تلك القيمة، بالإضافة إلى وجود تنوع كبير بالصادرات المصرية، كما زادت الاستثمارات المصرية فى الجزائر إلى أكثر من 3.6 مليار، لهذا تعد مصر من بين أهم المستثمرين العرب فى الجزائر، فى حين لا يتعدى حجم الاستثمارات الجزائرية فى مصر 90 مليون دولار.

 

وتعتبر الثقافة هى أحد الجسور التى تربط بين الشعبين الجزائرى والمصري، فالنشيد الوطنى الجزائرى هو من تلحين الموسيقار المصرى محمد فوزي، كما أن أهم عمل فنى أشاد بالثورة الجزائرية وبطولات المجاهدين، هو الفيلم المصرى “جميلة بو حريد” الذى أخرجه المصرى يوسف شاهين وأنتجته الفنانة المصرية ماجدة، وصوره ومثله مصريون عام 1958، وحالياً يتم استقبال  فنانى ومثقفى مصر أحسن استقبال.

كما استقبل الجمهور المصري، المناضلة الجزائرية “جميلة بوحريد” استقبالا خاصا، عندما زارت مصر عام 2018، للمشاركة كضيف شرف لمهرجان أسوان الدولى الثانى لسينما المرأة، كما يقوم الأزهر باستقبال دعاة الجزائر والأئمة والوعاظ لتلقى الدورات التدريبية، التى يعقدها الأزهر بين الحين والآخر، إلى جانب وجود بعثات من الطلاب الجزائريين يدرسون فى رحاب الأزهر الشريف.