رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

محادثات فيينا.. نجاح “غير مؤكد”

نشر
الأمصار

تُدار منذ الأيام الأخيرة السابقة الجولة الثامنة من المحادثات بشأن العودة للاتفاق النووي مع إيران في فيينا بعدما انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالاد ترامب، وذلك برعاية الاتحاد الأوروبي بمشاركة الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من جهة أخرى، بينما تشارك الولايات المتحدة في الحوار دون خوضها أي اتصالات مباشرة مع الطرف الإيران.

وترفض طهران التفاوض المباشر مع الإدارة الأمريكية قبل رفع العقوبات غير المتعلقة بالبرنامج النووي، والتحاور حول عدد السنين التي حددتها الاتفاقية 2015 حول تخصيب اليورانيوم،  بينما تصر واشنطن على ضرورة التقدم بمبدأ خطوة مقابل خطوة، وانطلاقًا من ذلك يناقش التقرير التالي آخر تطورات محادثات البرنامج النووي الإيراني وسيناريوهات ما ممكن أن تؤول عليه كالتالي:

مشهد معقد

ستُستأنف المحادثات على نطاق واسع، حيث يمثل كل من المملكة المتحدة كبير المفاوضين الجدد ستيفاني القاق، ويمثل ألمانيا تجورفين بيلمان، وفي هذا السياق أعلنت الخارجية الإيرانية : “أن هناك اختلافات مهمة في محادثات فيينا النووية، بالإضافة إلى بطء المفاوضات ما يشكل مصدر قلق”، وعلى جانب آخر صرّح نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: “الوقت قصير جداً ومجرد أسابيع وليس شهورا”.

وكان منسق الاتحاد الأوروبي في المفاوضات إنريكي مورا، أكد في تغريدة على حسابه في تويتر أن “النجاح لا يزال غير مؤكد”.

وذلك لأن طهران تمسكت بأولوية رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها واشنطن في أعقاب انسحابها من الاتفاقية، والحصول على ضمانات بعدم تكرار هذا الانسحاب، بينما ركزت الولايات المتحدة والأطراف الأوروبية على أهمية عودة السلطات الإيرانية لاحترام كامل التزاماتها بموجب الاتفاق.

إلا أنه في الوقت نفسه أشاد بالجهود المبذولة مسردًا:  “لا يسعني إلا أن أشيد بالتزام الوفود بنجاح المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني.. وهو أمر منطقي في مثل هذه المفاوضات المعقدة”، مشيرًا: “أن اجتماعًا لمجموعة العمل عقد اليوم لمناقشة مسألة رفع العقوبات، مضيفا أنه من المقرر عقد المزيد من الاجتماعات لاحقا”.

وفي هذا الجانب أعلن المبعوث الروسي، ميخائيل أوليانوف: “أن مجموعات العمل المختلفة التقت اليوم لبحث مسألة رفع العقوبات الأميركية عن إيران”.

لقطات مهمة

مع بداية الجولة كانت هناك مؤشرات إيجابية لكنها لم تعد نقطة فاصلة نهائية تؤكد الوصول إلى اتفاق نهائي ولكن يمكن اعتبار أن الأمور كانت تسير بشكل إيجابي وثمة العديد من التصريحات على الجانب الإيراني والجانب الأمريكي وجانب الدول الراعية للمفاوضات المتعلقة بذلك أهمها:

1-الجانب الإيراني :

  • أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، أن: ” إيران تسعى فى مفاوضات فيينا من أجل الوصول إلى اتفاق مستديم يمكن الاعتماد عليه بحسب وكالة فارس الإيرانية”، مشيرًا إلى: “أن بلاده لن تتفاوض على أى قضية خارج الاتفاق النووى”، مضيفًا:” نحن غير متفائلين أو متشائمين، نخوض المفاوضات، ولسنا راضين عن سرعة المفاوضات، ولو توفرت مثل هذه الإرادة والمستوى من القدرات لدى الطرف الاخر خلال الأيام القادمة، فبالإمكان القول انه يمكن الوصول إلى اتفاق جيد ومستديم فى أقصر فترة زمنية”.

وبالحديث عن العقبات الموجودة فى مفاوضات فيينا قال المسئول الإيرانى: “هناك عقبات موضوعية وموقفية فى القضية النووية، ولفت إلى أنه تم تحقيق تقدم جيد وبإمكاننا الوصول إلى توافقات جيدة”.

  • تصريح كبير المفاوضين الإيرانين حول المحادثات بأن” دائرة الاختلاف تضيق يومًا بعد يوم”.

2-  الجانب الأمريكي حيث أوضح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس: “إن محادثات الاتفاق النووي مع إيران في فيينا أظهرت تقدمًا متواضعًا”، مشيرًا إلى أن: “واشنطن تأمل أن تبني على هذا التقدم خلال الأسبوع الحالي، مضيفًا أن الإعفاء من العقوبات وعودة إيران للامتثال للاتفاق النووي في صلب محادثات فيينا”.

3- الجانب الصيني حيث تعليق رئيس الوفد الصيني في مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني وانغ كوان، أوضح: ” طهران تؤدي «دورا بنّاء جدا» في المفاوضات من خلال تقديم أفكار جديدة وشاملة”، مشيرًا إلى: ” الصين تدعم بحزم مطالب إيران المنطقية في مجال الأنشطة النووية ما دامت لا تمثل خطرا في نشر الأسلحة النووية”.

4- الجانب الفرنسي حيث تصريح وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان: ” أن مفاوضات فيينا حول إحياء الاتفاق الخاص ببرنامج إيران النووي تجري بشكل “بطيء جدا”، مضيفًا: “النقاشات جارية لكنها من وجهة نظرنا بطيئة جدا… الأمر الذي يهدد إمكانية التوصل إلى اتفاق حول نووي إيران يستجيب لمصالح كل الأطراف في إطار زمني واقعي. لا نزال بعيدين عن إبرام صفقة”.

5- الجانب الروسي: أعلنت روسيا أنها “متفائلة” بشأن المفاوضات الهادفة إلى إحياء الاتفاق، لافتةً إلى “تقدّم” أُحرز في هذه المسألة الحساسة، حيث قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: “موقفي متفائل بالأحرى، هناك تقدّم حقيقي ورغبة حقيقية، بين إيران والولايات المتحدة، في فهم المخاوف الملموسة”، مضيفًا: “في فيينا، يتمتّع المفاوضون بخبرة عالية، يعرفون كلّ تفاصيل الموضوع”، مضيفًا: “برأيي، إنّهم يحرزون تقدمًا جيدًا في الوقت الحالي نعتقد أنّهم سيتوصلون إلى اتفاق”.

تقارب صيني وجدال حول الدور الروسي

ثمة تقارب صيني إيراني على المستوى الأمني في سياق الاستراتيجية التي وقعها الجانبان في مارس 2021، وبالتالي وجود الصين في طاولة المفاوضات يعزز من مصالح إيران، وعلى الجهة المقابلة فالدور الروسي يثير جدالًا وحساسية لدى الشارع الإيراني  فالتصريحات المكررة للمبعوث الروسي إلى فيينا، ميخائيل أوليانوف والذي نشر أوليانوف لصورة تجمعه بالمبعوث الأميركي روبرت مالي، وكأن المفاوضات تجري بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية.حيث تشير بعض الصحف الإيرانية لذلك فيما يلي:

  • صحيفة ” نقش اقتصاد” والتي اعتبرت أن مثل هذه المشاهد تعتبر تنازلا عن السيادة الإيرانية في المفاوضات النووية، ويرى كثير من المراقبين أن روسيا تلعب بورقة إيران في حساباتها مع الولايات المتحدة الأميركية.
  • صحيفة “آرمان ملي” والتي أوضحت: “لا ينبغي أن يكون ميخائيل أوليانوف هو صاحب القرار”.
  • صحيفة “جهان صنعت” والتي علقت: ” إنه لا ينبغي السماح لروسيا بأن تنوب عن إيران في المفاوضات النووية، مؤكدا أن روسيا لم ولن تكون حليفا استراتيجيا لإيران، وفي أفضل حالاتها تكون العلاقة بين البلدين هي علاقة تكتيكية تعتمد على مبدأ السلام البارد”.
  • صحيفة “جمهوري إسلامي” أشارت معلقة على التصريحات: ” روسيا والصين مثل الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن الوثوق بها، وبالتالي فعلى إيران أن لا تعتمد عليها بشكل كامل، مستغربة من استعجال الجانب الإيراني على توقيع اتفاقية مع روسيا على غرار تلك التي وقعتها مع الصين قبل شهور”، مبرهنة على ذلك بالتجربة السورية في علاقة روسيا مع إيران حيث استفادت موسكو من إيران عسكريا لتحقيق وضمان مصالحها الاستراتيجية هناك إلا أنها لم تدعم إيران عندما تعرضت مواقعها للهجمات الإسرائيلية.

سيناريوهات محتملة

سيناريو الخروج من المفاوضات هو الأكثر ترجيحًا حاليًا والتصريحات التي يطلقها المشاركون في المفاوضات تؤمد ذلك حيث  أن الإدارة الأمريكية تتعنت تجاه المطالب الإيرانية، وتستمر في عنادها والخروج من الاتفاق النووي خصوصًا وسط رغبتها في التوسع بفرض مزيد من العقوبات على إيران وبالتالي في تلك الحالة تتوصل المفاوضات إلى ما شيء.

خلاصة القول تزداد تعقيدات مفاوضات فيينا يومًا بعد يوم، فتمسك جانبي المفاوضات بمطالبها يجعل المفاوضات تسير في نفق مظلم فالإدارة الأمريكية لن تستجيب لمطالب رفع العقوبات وهو ما يقابله رفض إيراني علاوة على ذلك رفض إيران لبعض الدول المشاركة في المفاوضات كروسيا فهناك جدال كبير حول الدور الروسي فإيران ترى روسيا أن موقفها غير مبرر والشارع الإيراني يرى أن هذا الموقف الروسي يعد انتهاكًا للسيادة الإيرانية.