رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

في ظل صراع مستمر.. إشكالية حقوق الإنسان في اليمن والصومال

نشر
الأمصار

لا تزال بعض الدول العربية تعاني من بيئة من الصراعات والتي تؤثر فى الحياة الآمنة والمستقرة في تلك البلاد كما هو الحالي في كل من اليمن والصومال حيث بدأت الحرب الأهلية في اليمن في عام 2014 عندما سيطر الحوثيون الشيعة الموالون لإيران على العاصمة اليمنية صنعاء وأكبر مدنها وعقب ذلك استولوا على القصر الرئاسي في يناير 2015، مما دفع الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته إلى الاستقالة، في غضون ذلك وابتداءً من مارس 2015، أطلق تحالف دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية حملة ضد الحوثيين وذلك بدعم من الولايات المتحدة.

اليمن منذ ذلك الحين وإلى الآن أصبح بيئة خصبة للصراعات كما أنه أضحى موطنًا لتدخل القوى الإقليمية كإيران ودول الخليج بقيادة السعودية، وذلك تحول اليمن إلى ساحة لتصفية الخلافات الإيرانية الخليجية، وبين الصراعات الداخلية والتنافس الخارجي حول اليمن تستمر الخسائر في اللحق بالمواطنين اليمنيين مما يجعل الأزمة اليمنية هي أسوأ أزمة إنسانية في العالم مؤخرًا على الإطلاق، والأمر ليس بشديد الاختلاف في الصومال الذي يعاني من حروب داخلية وتهديدات أمنية أفرزتها البيئة الاستعمارية التي فرضُت عليه على مدار سنوات طمعًا في ثرواته؛ وعلى هذا الضوء يناقش التقرير التالي وضع حقوق الإنسان في كل من اليمن والصومال تلك البيئتين اللتين يعانين من صراع وبيئة غير آمنة كالآتي:

نقاط مشتركة
أولًا-تشابه المشهد السياسي

هناك تشابه كبير في نمط المشهد السياسي بين كل من اليمن والصومال ففي اليمن هناك صراع بين السلطة الشرعية والتي يدعمها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والذي يضم وجماعة الحوثيين الموالية لإيران والتي من حين لآخر تطلق عمليات في البحر الأحمر ضد دولًا من التحالف كأعمال القرصنة ضد السفينة الإماراتية “روابي”.

ينقسم أطراف النزاع في اليمن إلى التحالف العربي والمقاومة الشعبية والجيش الموالي للحكومة، من زاوية أخرى جماعة الحوثيين الشيعة، وعلى جانب آخر تنظيمات إرهابية كتنظيمي داعش والقاعدة، وكان آخر العمليات التي نفذها التحالف العربي ضد الحوثيين كانت عملية “حرية اليمن السعيد” التي سيطر فيها على محافظتي شبوة ومأرب من قوات الحوثيين.

وعلى الجانب الصومالي فإن الصومال يعاني من اضطراب سياسي على مدرا عقود ومؤخرًا زاد الأمر حدة، إذ تأخر من إكمال العملية السياسية وإجراء الانتخابات وذلك بسبب تصاعد الخلاف بين الرئيس محمد عبدالله فرماجو ورئيس الحكومة محمد حسين روبلي واستغلال “الجماعات الإرهابية المسلحة” على رأسها حركة شباب المجاهدين، وقد بدأ الصراع بعد قرار الرئيس فرماجو تعليق مهام رئيس الوزراء وفي المقابل رفض رئيس الوزراء روبلي تنفيذ القرار متهمًا الرئيس بـ”تخريب العملية الانتخابية”، وعلى الصعيد نفسه صدرت إحدى التقارير الدولية للمبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود عن: “نقل أسلحة إيرانية من اليمن إلى الصومال حيث رصد 400 قطعة أسلحة في 13 موقعًا مختلفًا في جميع أنحاء الصومال”.

خلاصة: يتضح التشابه الكبير بين المشهدين السياسيين اليمني والصومالي فكلاهما صراع قائم على السلطة وسط نفوذ لقوى خارجية وتهديدات من أنشطة إرهابية، فالمتدخل في شئون كلا البلدين واحد وهو إيران وقوى دولية أخرى فمصالح إيران في اليمن هي نفس مصالحها في منطقة القرن الأفريقي بشكل عام والصومال على وجه التحديد، كما أن أيضًا غلبة سيطرة الجماعات الإرهابية متشابهًا فالمخاوف من الإرهاب في اليمن على يد تنظيمي القاعدة وداعش فضلًا عن الدعم الإيراني للحوثيين، لا يقل اختلافًا عن سيطرة الجماعات الإرهابية في الصومال كحركة شباب المجاهدين وأيضًا الضخ الإيراني للأسلحة للقرن الأفريقي والصومال.

ثانيًا- تشابه الوضع الاقتصادي والصحي

يتشابه الوضع الاقتصادي والصحي كثيرًا في اليمن والصومال، حيث:

– على المستوى الاقتصادي:

– فكلاهما يعاني من انخفاض في معدلات الإنتاج وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين في ظل انتشار الأسلحة والحرب الأهلية حيث سجلت العملة اليمنية المحلية “الريال اليمني” مستويات غير مسبوقة من التدهور خلال عام 2021، كذلك الأمر بالنسبة إلى الشلن الصومالي والذي وصب لمنحدر كبير من الانخفاض لدرجة أنه في عام 2020 انتشرت أسواق بيع العملة المحلية الصومالية بالكيلو بعد سيطرة مسلحين وقراصنة على المصارف الرسمية.

– لم يكن الأمر يتوقف على وضع العملة الهش بل عدم استطاعة الدولتين توفير احتياجات السلع الغذائية الأساسية للمواطنين وظهور مجاعة نتيجة انعدام الأمن الغذائي في كلا البلدين مثال:

اليمن: تقدر الأمم المتحدة أن 131000 حالة وفاة من أصل 233000 حالة وفاة في اليمن منذ عام 2015 ناتجة عن أسباب غير مباشرة مثل انعدام الأمن الغذائي ونقص الوصول إلى الخدمات الصحية لا يزال ما يقرب من خمسة وعشرين مليون يمني بحاجة إلى المساعدة و5 ملايين معرضون لخطر المجاعة.

الصومال: حيث خلال أواخر 2021 قدّر الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر أن 5.6 مليون شخص في الصومال يعاني من انعدام الأمن الغذائي ولا يستطيع 2.8 مليون شخص تلبية احتياجاتهم الغذائية اليومية بسبب الآثار المعقدة للجفاف والصراع الممتد والفيضانات وانتشار الجراد الصحراوي والآثار الاقتصادية لـكورونا، وفي هذا السياق أطلق الاتحاد مبادرة لتقديم الدعم للهلال الأحمر الصومالي لتقديم المساعدة الإنسانية لأكثر من 500.000 شخص في أرض الصومال وبونتلاند، كما أطلق مبادرة عموم أفريقيا للقضاء على الجوع والتي تهدف إلى انتشال الأشخاص الأكثر ضعفا في أفريقيا من الفقر والقضاء على الاعتماد على المساعدات الغذائية.

على المستوى الصحي: وسط انتشار فيروس كورونا وتسجيل بعض من البلاد بالمليون إصابة في اليوم وظهور متحورات عدة له كمتحور دلتا وأوميكرون يزداد الأمر سوءً بالنسبة إلى اليمن الصومال حيث:

في اليمن: هناك غياب تام لنظام الرعاية الصحية في اليمن حيث تنتشر أمراض كثيرة أخرى فتّاكة كالكوليرا وحمى الضنك والدفتيريا والحصبة حيث أثر تفشي الكوليرا على أكثر من مليون شخص في اليمن فالحديث عن انتشار أمراض بهذه الخطورة وبهذه السرعة يجعل هناك استشعار بمدى الخطورة التي يكون فيها اليمن وإدراك بعدم القدرة على توفير اللقاحات الآمنة ضد كورونا وفي هذا الصدد حذرت منظمة الصحة العالمية من الفجوة الكبيرة في حصول اليمن على عدد جرعات من اللقاح بشكل كاف فحتى الجرعات التي تسلمتها اليمن كانت قليلة وبلغ عددها 360 ألف جرعة وذلك عبر منظومة كوفاكس وهذا يشير إلى أن الغالبية العظمى من الشعب اليمني في خطر الأمراض من كل النواحي، كما أنه على المستوى الصحي النفسي فالبيئة اليمنية الحالية لا تشجع على تطوير نفسي للأطفال والنساء على وجه التحديد فالأطفال محرومون من الحصول على أبسط حقوقهم كالمكوث في بيئة آمنة وأيضًا النساء التي يتم استخدامهن في المشاركة في الحرب.

الصومال: الأمر ليس ببعيد في الصومال فخريطة الأمراض الموجودة في اليمن هي الموجودة في الصومال حيث يوجد أيضًا كورونا وهو الوباء العالمي والكوليرا ولكن يزيد في الصومال وجود مرض شلل الأطفال وأيضًا ذلك كله وسط عدم وجود منظومة صحية فعّالة آمنة، وعلى مستوى الصحة النفسية فمعدل مرض الصحة العقلية في الصومال هو الأعلى في العالم نتيجة التعرض للخوف الدايم والموت المفاجيء للأقرباء خصوصًا أمام الأطفال مما يدفعهم إلى المعاناة من اضطرابات نفسية والإقدام على محاولات انتحار.

أثر الصراعات المسلحة
أثر الصراعات المسلحة

ثالثًا- تشابه الوضع الأمني

لا يختلف الوضع الأمني كثيرًا في اليمن والصومال فكلاهما يشهدان فرط في وجود الأسلحة ويعتبران سوقًا مفتوحًا لها، علاوة على ذلك لنتشار المنظمات الإرهابية والتي قد سبق ذكرها كتنظيمي داعش والقاعدة في اليمن، وحركة شباب المجاهدين في الصومال، وهنا يتم توضيح نقاط عدة تخص البلدين كالآتي:

اليمن: في إحاطة لمجلس الأمن حول الأوضاع في اليمن في أكتوبر 2021 تم توضيح أن في سبتمبر 2021 حدث مقتل وإصابة 235 مدنيا أي ما معدله ثمانية أشخاص يوميًا، كما تم نزوح حوالي 10 آلاف شخص في مأرب.

الصومال: هناك 7.7 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة إنسانية في الصومال، و يوجد في البلاد أيضًا عدد كبير من النازحين واللاجئين الذين غادروا البلاد، مع أكثر من 3.7 مليون شخص نزحوا بسبب النزاع وانعدام الأمن والإخلاء القسري والجفاف، والفيضانات، كما أدى انعدام الأمن، إلى جانب النزوح ومحدودية تدخلات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، كما يقدر أن 4 ملايين شخص بحاجة إلى الحماية الاجتماعية.

الفقر المائي
الفقر المائي

إشكالية حقوق الإنسان في اليمن والصومال

في ظل جملة هذه التحديات المذكورة سلفًا من الأوضاع السياسية والاقتصادية والصحية والأمنية التي يشهدها البلدان فإن وضع حقوق الإنسان في خطر مستمر ما دام لم يكن هناك حلول تنفذ فعليًا على أرض الواقع لمنع تلك الصراعات التي تسببت في انتهاكات لحقوق الإنسان الأمنية والصحية في ظل عالم متغير يشهد تطورات وتحديات خطيرة، فانعدام البيئة السياسية المستقرة في كلا البلدين وانتشار الأسلحة بشكل مكثف، وعدم حصول على كميات غذاء ومياه كافية صحية للعيش بطريقة آدمية، وعدم القدرة على الحصول على المستلزمات الأساسية كل ذلك يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان، وسعت الأمم المتحدة للوقوف على وضع حقوق الإنسان في اليمن حيث رفض مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة التمديد للخبراء المعينين في اليمن واصفهم بغير الحيادية، فقدت أعلنت الأمم المتحدة قبل ذلك أن الحل في اليمن يكون نتاجًا لتحقيق سلام شامل منصف وتدعيم وقف الاقتتال والأمر نفسه في الصومال فبداية السلام هو وقف الصراعات المسلحة.

كما أن إقامة دولة ذات ركائز حقيقية ثابتة من أهم نماذج تحقيق السلام العادل الشامل فالحكومتان في الدولتين تواجهان مشكلة خطرة وفي وضع أسس توافق مجتمعي يؤدي إلى وقف الصراع، فهناك مطالبات من منظمات مجتمع مدني داخل البلدين وخارجهما باتخاذ خطوات جادة لوقع الصراع المسلح فرُغم مرور أعوام إلا أن حقوق الإنسان قضية تظل مطروحة عليها العديد من الإشكاليات وعلامات الاستفهام، رغم أن هناك تحالف من 64 منظمة حقوقية طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة للتحرك بإجراءات فعلية للانتهاكات الخطيرة وقوانين الحرب في اليمن وأن استمرار الصمت يمهد لمزيد من الانتهاكات وجرائم الحرب.

 

مجلس حقوق الإنسان
مجلس حقوق الإنسان

خلاصة القول: تعد الأزمتان اليمنية والصومالية من الأزمات الإنسانية الأسوأ حيث انتهاكات لحقوق الإنسان على مختلف الأصعدة رُغم التنديدات الدولية إلا أن على الواقع العملي لم يكن هناك آليات فعّالة لمنع الأزمة، فحل هاتين الأزمتين يكون عبر فواعل داخلية وخارجية حيث الفواعل الداخلية يكون بالاتحاد الناتج عن رغبة أفراد النزاع وتغليب المصلحة العامة وفواعل خارجية حيث رعاية دولية شفافة حقيقية لآليات تسوية الصراع.