رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الصومال وتهريب الأسلحة.. تمدد إيراني متعدد المخاطر

نشر
الأمصار

تحاول إيران التمدد في إفريقيا وخلق نفوذ لها هناك إذ أن لها أطماع خاصة في دول شمال غربي إفريقيا ودول غرب القارة؛ وذلك لدوافع اقتصادية وسياسية ومذهبية، فهناك تشابه بين التدخل الإيراني في العراق وسوريا واليمن والتدخل في إفريقيا، إذ أن الدوافع الإيرانية غالبًا ما تكون متقاربة، وفي الحديث عن التدخل في إفريقيا فإن أوضح نموذج في الأونة الأخيرة هو التدخل الإيراني في الصومال، ومن ثم يدرس هذا التقرير التدخل الإيراني في الصومال كما يلي:

خريطة لمنطقة القرن الأفريقي

صور التدخل الإيراني في إفريقيا بشكل عام

يتمثل الدور الإيراني في إفريقيا عبر شقين مهمين وهما:

1-الظهور الإيراني في دول شمال غرب إفريقيا

يعد التمدد الإيراني في دول شمال غرب إفريقيا هو الأكثر وضوحًا في القارة كلها وذلك يكون لعدة أسباب كـ:

*ارتفاع نسبة المسلمين في هذه الدول وهو ما يعزي إلى التفكير بأن وراء ذلك رغبة مذهبية، في حين يقل عدد المسلمين في الجنوب ووسط القارة.

*انتشار الفقر بين كثير من مواطني هذه الدول، وبالتالي حاجة هذه الدول إلى المساعدات الخارجية، ومن هذا المنطلق إيران تحاول استقطاب العديد من الشباب داخل هذه الدول وتوفر لهم منحًا دراسية في جامعاتها كي يعود بعضهم لنشر الأفكار التي درسوها في الجامعات الإيرانية، وبذلك نجد أن إيران تمارس دورها عبر التغلغل بوسائل متنوعة كالوسائل الثقافية والتعليمية والإنسانية، وأخيراً الدعم العسكري لبعض الميليشيات والجماعات المسلحة.

2- الدور الإيراني في دول شرق إفريقيا وجنوب البحر الأحمر

تختلف أهداف الدور الإيراني في دول شرق إفريقيا عن أهدافها  في دول شمال غربي القارة، ولكن يبقى الدور الإيراني هناك لا تكمن أهدافه فقط في التوسع والنفوذ والرغبة في إنهاء العزلة الدولية المفروضة، ولكن يهدف النظام الإيراني من وراء ذلك إلى التمركز في هذه المناطق لخدمة أهداف استراتيجية، كما يتضح دورها في اليمن.

3- الدور الإيراني في القرن الإفريقي

ثمت العديد من الأهداف الإيرانية في منطقة القرن الأفريقي والتي تتمحور في:

أ ـ الأهداف السياسية

– تحاول إيران بسط نفوذها الشيعي في منطقة القرن الإفريقى، وتكوين محور معادي للغرب تحت رايتها؛ لتقليل النفوذ الغربي والأمريكي في المنطقة لصالحها.

-السيطرة على الممرات المائية من خلال فرض السيطرة على مضيق باب المندب؛ لأن ذلك سوف يُحتم على الدول التحول إلى طريق رأس الرجاء الصالح بدلاً من المضيق، وبه يشكل ورقة ضغط في قضايا الشرق الأوسط، وتأييد هذه الدول لها في ملفها النووي.

ب ـ الأهداف الاقتصادية

وهنا تكون الأهداف مزدوجة حيث ان هناك رغبة من إيران من الاستفادة من المصالح الاقتصادية وعلى الجانب الآخر هناك مساع افريقية للاستفادة من الخبرة الإيرانية في المجالات التكنولوجية والعسكرية .

3- أهداف عسكرية واستراتيجية

لدى إيران طموح لحلق نفسها منافس قوي لإسرائيل وتركيا والسعودية في منطقة الشرق الأوسط ومن هذا المنطق تعمل على تصدير الميليشيات المسلحة لدول القرن الأفريقي لحصار هذه الدول حيث قيامها بتزويد العناصر العسكرية البحرية التابعة لها في خليج عدن قبالة السواحل الصومالية، ذلك تحت ذريعة محاربة القرصنة، وخير مثال على ذلك هو: القاعدة الإيرانية في ميناء عصب الإريتري.

ثانيًا- أهداف الدور الإيراني في أفريقيا

* إن أول الدوافع الإيرانية المعروفة لإيران هي نشر المذهب الشيعي حيث أن التمدد الشيعي في الخارجي نابع  مما يُطلق عليه “تصدير الثورة” وهو منصوص عليه في الدستور الإيراني فكل من يتشيع يكون تابعًا تلقائيًا لنظام ولاية الفقيه.

*التغلب على مفهوم العزلة السياسية المفروضة عليها بسبب الملفات الشائكة التي تدور حولها كملف دعم الإرهاب في دول الخليج العربي والملف النووي والبرنامج الصاروخي، علاوة على خلف موردًا اقتصاديًا لها.

*بناء قواعد استراتيجية لها في أفريقيا كآلية تهديد لبعض دول الشرق الأوسط كالسعودية وتقديم الدعم للحوثيين في اليمن.

ثالثًا- تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الصومال

تتدخل إيران في اليمن عبر دعمها للحوثيين والدليل على ذلك أفاد تقرير دولي بأن إيران تمد الصومال بأسلحة عبر اليمن وفي هذا السياق قالت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، “إن بعض الأسلحة التي تمد بها إيران جماعة “أنصار الله” اليمنية تصل لاحقا إلى الصومال عبر خليج عدن”.

موضحة: “أنها رصدت خلال الأشهر الثمانية الأخيرة أكثر من 400 قطعة سلاح في 13 موقعا في مختلف أنحاء الصومال يعد وجودها هناك بمثابة “بصمة إصبع” تشير إلى تهريب أسلحة إيرانية من اليمن إلى هذا البلد”، مشيرة إلى : ” أنها قارنت أرقام تلك البنادق مع نحو 5.2 ألف بندقية مماثلة عثر عليها في ستة مواقع ما بين أغسطس 2018 ومايو2021″.

وذكر التقرير أن “أحد القوارب التى كانت تحمل أسلحة، والذى صادرته سفينة تابعة للبحرية الأمريكية، كان به نظام تحديد المواقع العالمى (جى.بى.إس)، عليه أماكن مُخزنة فى إيران وجنوب اليمن والصومال، ومنها مرسى صغير قرب ميناء جاسك الذى يستضيف قاعدة بحرية إيرانية وميناء المكلا اليمنى، وهو مركز معروف لتهريب الأسلحة.

موضحة: ” الأمر ينتهى بالأسلحة مع شبكات تهريب تجارية قد تشمل زبائنها فصائل مسلحة تسعى للحصول على ميزة قبل الانتخابات الرئاسية الصومالية التى تأجلت مرارا، إضافة إلى ميليشيات قبلية وجماعات متمردة إسلامية متنافسة مرتبطة بتنظيمى «القاعدة» و«داعش».

وفي فبراير 2021، صادرت البحرية الأميركية شحنتين غير شرعيتين من الأسلحة ومكونات لصناعة الأسلحة من مركبين خلال عملية أمنية بحرية في المياه الدولية قبالة سواحل الصومال.

كما أنه خلال الأعوام السالفة اعترضت البحرية السعودية وخفر السواحل اليمني والقوات البحرية المشتركة، وهي شراكة بحرية تضم 34 دولة، شحنات أسلحة في المياه الإقليمية وهي في طريقها إلى الحوثيين.

تهريب الأسلحة إلى الصومال

رابعًا- تداعيات داخلية وخارجية

واصلت إيران إمدادها إلى الحوثيين بالأسلحة كما أنها بتهريبها الأسبحة من اليمن عبر القرن الأفريقي أدى إلى اشتعال الصراعات في الصومال وأصبحت الصومال حالها كاليمن وكأنها سوقًا مفتوحًا للأسلحة وانتشار معدل الجرائم وفي الدول المجاورة، حيث استمرار الحرس الثوري الإيراني على دعم الحوثيين بالسلاح والتدريب  ، كما كانت شحنات الأسلحة الموجهة للحوثيين تضبط بشكل منتظم في المياه الإقليمية.

فالحوثيون – التابعون لإيران- يتاجرون بالأسلحة والذخائر لتحقيق مكاسب مالية واقتصادية، فالأسلحة

التي كانت بيد الحوثيين تمت إعادة تهريبها لتصبح في حوزة جماعات مسلحة إرهابية في دول المنطقة المجاورة، وعلاوة على ذلك هناك تقرير صدر في يوليو /أغسطس 2020 عن المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية ، حذرت فيه من احتمال أن يكون مطاف الأسلحة والذخيرة الإيرانية المقدمة للحوثيين ينتهي بالسوق السوداء في شرق إفريقيا.

وقالت: ” إن تحليلها كشف أدلة حول وجود شبكات تهريب أسلحة غير مشروعة تنقل الأسلحة الإيرانية الموجهة للحوثيين في اليمن إلى الصومال وربما إلى دول أخرى أيضا” .

ووفقًا لتقرير آخر صدر في 30 يناير 2020 ونُشر في إينسايد أرابيا، فقد أوضح : “ينقل مهربون يمنيون أسلحة إلى القرن الأفريقي لتشق طريقها من الصومال إلى دول مثل إثيوبيا وجنوب السودان وكينيا”.

وبتحليل الوضع القائم نجد أن تداعيات تهريب الأسلحة من إيران إلى الصومال عبر الحوثيين في اليمن يزيد من الأوضاع الصومالية المتردية في الفترة الأخيرة سوءً علاوة على ذلك يوثر اقتصاديًا على دول الخليج العربي وبالأخص السعودية كما أن سيطرة الحوثيين على اليمن وقدرتهم على تهريب الأسلحة إلى اليمن يرتبط بوضع اليد الإيراني على مضيق باب المندب وبالتالي تتأثر قناة السويس في مصر ، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدلولي حين التقى نظيره اليمني معين عبد الملك   حيث أكد : “رفض مصر محاولات المساس بحرية وأمن الملاحة في الخليج العربي ومضيق باب المندب، مؤكدا على ضرورة عدم المساس بهذا الشريان الملاحي الحيوي الذي يؤثر على الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين”. من جانب أخر بذلك وبالتالي الوجود الإيراني الحوثي في الصومال ليس فقط تداعياته على الصومال أو اليمن فحسب بل كأنه أداة ضرب مبرحة للدول العربية ونفوذ إيراني مبسوط الجناحين في منطقة الشرق الأوسط.

مضيق باب المندبخلاصة القول تسعى إيران إلى إغراق الصومال بالأسلحة كما تفعل في اليمن والخليج العربي عامة وبالأخص السعودية والبحرين وذلك بدافع بسط نفوذ لها أهمه نفوذ ديني شيعي ونفوذ سياسي مما يمكنها من تنفيذ برنامجها النووي وضمان تأييدها في هذا الملف، كما أن تهريب الأسلحة الإيرانية الحوثية إلى الصومال ذو مخاطر متصاعدة على الأمن القومي العربي فالوجود الحوثي في الصومال بمثابة حلقة متصلة حول الخليج العربي بتهديدات إرهابية واقتصادية دائمة علاوة على ذلك تأثر الجانب المصري من ذلك نظرًا لأن مضيق باب المندب ذو بعد استراتيجي للاقتصاد المصري،  وأيضًا السودان التي يجمعها تقارب جغرافي مع الصومال وعلاقات ممتدة فإنها من أكثر المتضررين من الوجود الحوثي في الأراضي الصومالية،  بالإضافة إلى ذلك فإن التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن يحاول من حين لآخر رصد كل المحاولات الحوثية لتهريب الأسلحة الإيرانية وبالتالي ستظل إيران خطرًا دائمًا للأمن القومي العربي والإفريقي.