رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

سوريا والأمن المائي.. مخاطر وتحديات يواجهها المستقبل

نشر
الأمصار

تزداد مؤشرات مخاطر الأمن المائي في سوريا في الآونة الأخيرة كما يعد أحد أهم القضايا التي يواجهها المستقبل السوري، فعلى كل الأصعدة السياسية سواء المعارضة السورية أو المناطق التي تكون تحت سيطرة النظام يفتقر ما يقرب من 15.5 مليون سوري إلى المياه الآمنة، فعلى مدى السنوات الماضية اعتمدت تركيا على استغلال مياه الفرات كسلاح في حربها ضد الأكراد من جهة، وأداة لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية من جهة أخرى، إذ تعمل أنقرة على زيادة كمية المياه في فصل الشتاء مما يمثل تهديدًا لهذه السدود وعلى الجانب الآخر تخفيض كمية المياه في الصيف مما يؤدب إلى جفاف في منطقة الفرات وبالتالي التأثير يكون كبيرًا على الثروة السمكية وقطاع الزراعة.

 

أولًا- المنابع المائية لسوريا

يبلغ عدد الأحواض المائية في سوريا 7 أحواض رئيسية هم: حوض دجلة والخابور، حوض الفرات وحلب، حوض الساحل، حوض العاصي، حوض البادية، حوض بردي والأعوج، حوض اليرموك، حوض البادية، كما أنه طبقًا لمنظمة الفاو فإن سوريا قد صُنفت من البلدان الأكثر فقرًا مائيًا منذ عام 2000.

نهري دجلة والفرات

ثانيًا- مخاطر متعددة
1-سيطرة تركية

تسيطر تركيا على منابع (دجلة، والفرات) اللذان يعدان نحو 56 % من المياه السورية حيث رفضت تركيا الاعتراف بهما كنهرين دوليين وهو ما أثار الخلاف بين البلدين، إذ وقعت الدولتان عام 1987 اتفاقًا مؤقتًا بعد صراع أمنى كانت قضية الأكراد أحد أبرز محاوره، إذ يقضى الاتفاق بأن تسمح تركيا بمرور ما لا يقل عن 500 متر مكعب فى الثانية، على أن تمرر سوريا للعراق ما لا يقل عن 58 % من هذه الكمية إلى العراق بموجب اتفاق لاحق تم توقيعه.

ولكن لم تلتزم تركيا بالاتفاقات، إذ تراوحت أفعالها بين قطع المياه مرة وتقليل كمية المياه الواردة إلى سوريا والعراق مرة أخرى، واستمر الأمر كذلك حتى عام 2011 بعد اندلاع الحرب في سوريا وما أثر ذلك في العلاقات السورية التركية، وعليه استغلت تركيا الأوضاع السياسية في سوريا وعاودت اللعب بكميات المياه مرة أخرى حيث إغلاق خطوط المياه في محطة العلوك التي تعد موردًا رئيسيًا لرأس العين والحسكة.
علاوة على ذلك تعمل دائمًا على إقامة السدود، إذ أقامت 22 سدًا و19 محطة كهرومائية لاستصلاح 1.9 مليون هكتار على نهرى دجلة والفرات، وهذا أثّر كثيرًا على كميات المياه المرسلة إلى سوريا والعراق، بم يكتف الأمر بذلك فقط بل تعاني سوريا من جانب آخر من مشكلة تلوث المياه وذلك يرجع إلى تسرب النفط فى حوض الفرات جراء الاعتداءات على بعض آبار النفط، وتعانى أيضًا من مشكلة الاستخراج غير المنظم للمياه الجوفية فى المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، فضلًا عن الاعتماد الكبير على المياه الجوفية فى بعض المناطق لتأمين احتياجات السكان، وتوقعت العديد من الدراسات المائية أن يصل العجز المائى فى سوريا إلى حدود 6.2 مليار متر مكعب مع حلول العام 2050.

وفي السياق ذاته تزداد التوقعات بتأثير السياسة التركية هذه على جفاف نهر الفرات في العراق وذلك بحلول عام 2025.

2-تلوث مائي

وفقًا لتقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فإن حوالي 70 % من السكان السوريين لا يحصلون على مياه آمنة نظيفة، كما أنه تنفق الأسر السورية حوالي 25 % من دخلها تلبية لاحتياجاتها اليومية من المياه، إذ إن هناك الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى تلوث المياه السورية وهى:

*تلوث الصرف الصحي وهى الأكثر انتشارًا في الأراضي السورية خاصة يعاني الشمال السوري منه.

 

*تلوث نفطي

*مواد مشعة

3- تأثر الأمن الغذائي

أكثر الآثار السلبية للفقر المائي في سوريا هو حدوث ما يسمي بتهديد الأمن الغذائي، إذ إن انخفاض كميات المياه التي تساعد على الزراعة مما أدى إلى تأثر إنتاج المحاصيل الغذائية، كما أن التحديات هذه متعلقة بعدم قدرة الحكومة على اتخاذ سياسيات زراعية رشيدة تساعد على توفير احتياجات الأفراد، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة يعاني أكثر من 12 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة تصل إلى 4.5 مليون في عام 2020 وحده.

بالإضافة إلى ذلك، يعاني أيضًا نصف أسر اللاجئين السوريين في لبنان من انعدام الأمن الغذائي في عام 2020، وهي زيادة نسبتها 20% مقارنةً بعام 2019، كما أنه وفقًا لشبكة معلومات الأمن الغذائي، فإن ربع اللاجئين السوريين المسجلين لدى الأمم المتحدة في الأردن والبالغ عددهم 700 ألف سوري في حاجة ماسة إلى المساعدة الفورية.

 

4- فيروس كورونا

ازدادت تحديات الأمن الغذائي في سوريا مع تفشي فيروس كورونا وتشهد سوريا حاليًا انخفاضًا غير مسبوق في قيمة العملة يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية وتناقص القدرة الشرائية للأسر السورية، ويثير ارتفاع معدل التضخم الزيادة المقلقة في أسعار المدخلات الزراعية، والأسمدة ومشتقات النفط، والعقوبات المفروضة على سوريا، مخاوف بشأن نقص الغذاء في المستقبل.

صورة توضح الفقر المائي في سوريا
صورة توضح الفقر المائي في سوريا

5- التغير المناخي

من بين المخاطر التي تواجه الملف المائي السوري هو التغير المناخي الذي يزيد الأزمة حدة ويعد ذلك الأمر لم يكن يهدد فقط سوريا بل جميع بلدان العالم بشكل عام والدول العربية المطلة على أنهار بشكل خاص، ومعاناة الدول العربية من الجفاف.

6- جوانب أمنية

أصبحت سوريا ساحة حرب بعد عام 2011 واستغلت تركيا على هذا الإثر أن تنفذ سياساتها الانفرادية التي تسعى للاستحواذ على الموارد المائية لنهرى دجلة والفرات، وعدم الاستقرار السياسي الذي تعاني منه سوريا أحد أهم الأسباب المهمة، إذ أصبحت الحكومة السورية غير قادرة على اتخاذ سياسات مائية وغذائية بسبب الانقسام الذي تعانيه سوريا.

 

ثالثًا- مستقبل الأمن المائي السوري

تشير الإحصاءات إلى أن المتوسط الحالي لنقص المياه في سوريا يبلغ 1,727 مليون متر مكعب سنويًا وسيصل هذا النقص إلى 6,2 مليار متر مكعب في عام 2050 بسبب الاستهلاك المتزايد وسوء إدارة الموارد غير المتجددة إلى جانب النمو السكاني والنمو الاقتصادي، وتحتاج سوريا إلى بناء استراتيجية وطنية شاملة للمياه في القريب العاجل.

وفى هذا السياق فأنه إذا استمرت السياسة التركية الحالية، علاوة على إذا استمر عدم وجود اتفاقية مشتركة بين البلدين واضحة المعالم حول نهرى الفرات ودجلة، فإنه من المتوقع أن تستغل تركيا ذلك وتستمر فى تخفيض كميات المياه إلى سوريا والعراق.

وفقًا لتقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 21 أكتوبر 2021، فأنه أوضح أن لا يزال الأفراد في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية لسوريا غير قادرين على الوصول إلى إمدادات كافية من المياه الصالحة للشرب.كما أن وصول 5.5 مليون سوري إلى مصدر مياه حرج، نهر الفرات، في خطر بسبب مستويات المياه التي بدأت تتضاءل منذ يناير 2021 .

وفي الإطار ذاته ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة الصادر في سبتمبر 2021، فإن قلة المياه التي تتدفق إلى النهر من المنبع، مصحوبة بأمطار غير منتظمة ومقلصة ودرجات حرارة أعلى من المتوسط، أدت إلى خلق ظروف شبيهة بالجفاف، وتأكيدًا على ذلك فبعض الخبراء أشاروا إلى إن خطورة الوضع في سوريا ترجع إلى حد كبير إلى تغير المناخ في المنطقة.

وفي هذا السياق قالت المديرة الإقليمية لمنظمة كير في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نيرفانا شوقي: “يتطلب الوضع أن تعمل السلطات في المنطقة والحكومات المانحة بسرعة لإنقاذ الأرواح في المنطقة، والتي تأتي على رأس المخاطر أزمة كورونا ووجود انهيار اقتصادي ويحتاج الأفراد إلى الاستثمار في حلول مستدامة لأزمة المياه”.

صورة توضح الفقر المائي في سوريا

وصرحت أيضًا المدير الإقليمي للشرق الأوسط في المجلس الدنماركي للاجئين، جيري غارفي: “من المحتم أن تزداد أزمة المياه سوءًا، و من المرجح أن يزيد الصراع في منطقة مزعزعة بالفعل ليس هناك مجال لتضييع الوقت. يجب أن نجد حلولًا مستدامة تضمن الماء والغذاء اليوم وللأجيال القادمة”.

خلاصة القول يحيق بالأمن المائي السوري مخاطر لم تهدأ بعد حيث تظل تركيا مستغلة للوضع السياسي والاقتصادي السوري المتوتر والذي يزداد من حين لآخر لاستخدام مياه دجلة والفرات كأداة تهديد لسوريا لتحقيق مكتسبات خاصة لها علاوة على ذلك لتصفية حساباتها مع الأكراد، ويتطلب الأمر اتخاذ عدة خطوات مهمة للوصول إلى الاستقرار الذي يضمن للشعب السوري حقه المائي فسوريا أمام معضلة غذائية معقدة وتعاني من أزمات مركبة من انقسامات سياسية وتحديات أمنية وتدخل خارجي دولي حتى على مستوى الأمن المائي فإنها لم تعاني فقط من نقص الموارد بل أيضًا من تلوث المواد الموجودة وأصبحت حياة السوريين مهددة من جميع النواحي، ولكن تجدر الإشارة بأن ليست سوريا فقط من تعاني من أزمة مائية فالعراق شريكة أساسية لها في الأزمة وعلى مستوى الدول العربية فهناك أيضًا مصر والسودان المشتركتان في مصير واحد من التحديات التي تواجههم جراء سد النهضة الإثيوبي.