رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

ملامح السياسة الخارجية الألمانية في عهد “شولتز”.. هل تتغير؟

نشر
الأمصار

بعد 16 عامًا من ولاية أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية، يأتي أولاف شولتز مستشارًا جديدًا لألمانيا والذي كان يعمل نائبًا للمستشارة السابقة ووزيرًا للمالية، ومع تولي هذا المستشار تزداد الأنظار حول نمط سياسته الخارجية التي يتبناها وأولويات سياسته لتحقيق مصالح ألمانيا كأهم دولة أوروبية قادت القارة الأوروبية ولها وزن وثقل على كافة المستويات أهمها السياسية والاقتصادية، وفي هذا السياق ينطلق التقرير لدراسة ملامح السياسة الخارجية الألمانية في عهد المستشار شولتز كالتالي:

أولًا- من هو “أولاف شولتز”؟

شولتز ولد عام 1958 وكان عضوًا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، شغل سابقًا منصب نائب مستشار ألمانيا في عهد أنجيلا ميركل ووزير المالية الاتحادي من 2018 إلى 2021. وكان أول عمدة لهامبورغ من 2011 إلى 2018 ونائب زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي من 2009 إلى 2019، انضم إلى حكومة ميركل الأولى في عام 2007 كوزير للعمل والشؤون الاجتماعية.

وخلال عام 2020 ، تم ترشيحه كمرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمنصب مستشار ألمانيا في الانتخابات الفيدرالية لعام 2021، و فاز الحزب بأغلبية المقاعد وشكل ائتلافًا مع حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، وتم انتخابه في 8 ديسمبر 2021 وأدى اليمين كمستشار من قبل البوندستاغ.

المستشار الألماني الجديد

ثانيًا- سماته الشخصية

يتميز شولتز بشخصية هادئة وثابتة برغماتية ويتفق في بعض السمات والأفكار البرجماتية  مع ميركل ولكن رُغم ذلك إلا أن هناك بعض الاختلافات بينهما وهو ما يشير إلى ذلك قول بعض المحللين لشخصيته وهو رئيس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية مارسيل فراتزشر بشأنه : “نشأت أنجيلا ميركل في شرق ألمانيا في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، لديها نظرة مختلفة ، لا سيما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والسياسة الأوروبية، وفي ظل حكومة يقودها شولتز ، فألمانيا ستكون أكثر انسجامًا مع الولايات المتحدة على المسرح العالمي وستسعى إلى اتحاد أوروبي موحد وأكثر حزمًا”.

وما يؤكد ذلك تصريح شولتز نفسه خلال مؤتمر صحفي بـ: ” العلاقة عبر الأطلسي وتعاوننا كجزء من الناتو لا يزالان راسخين، إننا نلتزم بمجتمع الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم وأنا ممتن جدًا للرئيس بايدن لتأكيده على أهمية التعددية وفي الوقت نفسه ، نحن ملتزمون بما يوحد دولًا معينة: فكرة الحرية وسيادة القانون ، الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان “.

وبتحليل هذه الكلمات نستنتج أن شولتز يميل إلى تعميق العلاقات مع الولايات المتحدة والتي يرى فيها أنها شريك مهم لألمانيا لتستطيع استكمال مسيرتها وتظل الدولة الأوروبية الراسمة للسياسة الأوروبية – ذلك بجانب فرنسا والتي تعد من أهم الدول الأوروبية بعد ألمانيا- .

ثالثًا- قضايا تواجه شولتز

  • جائحة كورونا

إن أهم قضية تواجه ألمانيا في الفترة الحالية هى كورونا حيث ارتفاع  معدل الإصابات بشكل غير مسبوق ومن ثم تزداد الانظار حول شخصية وزير الصحة الذي سيختاره شولتز لكونه أكثر من يكون قادرًا على التعامل مع الحالة الوبائية العالمية وهنا تجدر الإشارة أن ألمانيا من أوائل الدول على مستوى العالم في المجال الطبي والرعاية الصحية.

وقد وقع اختيار شولتز على كارل لوترباخ ، عالم الأوبئة والسياسي الاشتراكي الديمقراطي ليكون وزيرًا للصحة ذاك الرجل الذي انتقد تعامل إدارة ميركل مع الوباء، ويسعى لفرض إجراءات أكثر صرامة في هذا الشأن للوصول إلى نتائج إيجابية حيث يعمل على جعل الحصول اللقاح إجباريًا للوصول إلى مستويات مناعية أعلى تساهم في خفض معدلات الإصابة والوفيات في ظل ظهور متحور أوميكرون والذي أشارت بعض التقارير أنه ربما يُعيد الدول إلى المستوى (صفر) بسبب قدرته السريعة على الانتشار.

  • الخلافات السياسية الحزبية

إن من بين التحديات والقضايا الأساسية التي تواجه شولتز هى الخلافات بين الاحزاب السياسية الألمانية والتي ينتهج كل منهما أجندته الخاصة، ويعمل على تنفيذها ولذلك فإن قدرة شولتز على التوفيق بين هذه الاختلافات ويجعل الأمور مستقرة نسبيًا هو تحدٍ كبير أمامه ولكن أمر حتمي يجب فعله لضمان استقرار السياسة الألمانية.

  • الاقتصاد الألماني

بناءً على تقارير مكتب الإحصاءات الألماني بشأن الاقتصاد، فإنها توضح عجز القطاع العام في ألمانيا حيث بلغ 189.2 مليار يورو في 2020 بسبب جائحة كورونا، وهو أول عجز منذ 2013 والأعلى للميزانية منذ إعادة توحيد ألمانيا.

وطبقًا لموقع Statisches Bundesamt  الإحصائي فإن الناتج المحلي الإجمالي انخفض بنسبة 1.8% في الربع الأول من عام 2021 جرّاء أزمة كورونا كما انخفض الإنفاق الاستهلاكي النهائي للأسر بنسبة 5.4% في الربع الأول من ذات العام،  وفي جميع القطاعات الاقتصادية تقريبًا انخفض الأداء الاقتصادي عن العام السابق، وتشير هذه البيانات أنه على تشولز أن يتخذ حزمة إجراءات اقتصادية تحاول استدراك الوضع الاقتصادي الراهن.

  • قضايا الهجرة

إن قضية الهجرة تكمن على رأس أولويات ملف شولتز حيث أعلن مساندة بولونيا في أزمة المهاجرين التي افتعلتها بيلاروسيا على الحدود، فستكون المعادلة صعبة أمامه في هذا الأمر.

  • التغير المناخي

تولي ألمانيا وعلى مدار سنوات أهمية خاصة للتغير المناخي فقد اشتركا ميركل وشولتز على قولهما بأن : ” ألمانيا يجب أن تكون قدوة في الكفاح ضد تغير المناخ ، وأنه ، كدولة صناعية رئيسية ، يجب أن “تأخذ زمام المبادرة”، في حين أن شولتز أكد : ” ألمانيا تتحمل مسؤولية كبيرة لإنجاح هذا العمل”.

رابعًا- ملامح السياسة الألمانية الجديدة

كما تم ذكر القضايا التي تواجه ألمانيا حاليًا فإن في ذلك السياق سوف يتم التطرق إلى ملامح عامة للسياسة الألمانية الجديدة المتوقعة كالتالي:

  • تجاه روسيا والأزمة الأوكرانية

تتميز العلاقات بين ألمانيا روسيا بالتوتر الأمر الذي يزيد الحذر بشأن ذلك بوجه الخصوص مع تولي شولتز والذي حذر روسيا قائلًا : ” موقفنا واضح جدًا، نريد أن تكون حرمة الحدود محترمة من قبل الجميع، وأن يفهم كل طرف أن في حال لم يحصل ذلك فستكون هناك عواقب”، مضيفًا: “سنفرض عواقب على خط الغاز “نوردستريم 2 “في حال غزت روسيا أوكرانيا”.

  • العلاقة مع الصين

إن شولتز في وضع صعب بالنسبة في علاقته مع الصين حيث أن عليه الموازنة بين معادلة صعبة فالصين هى أهم شريك للاتحاد الأوروبي وأكبر شريك تجاري له وتجمعهما علاقات قوية ولكن في الوقت ذاته فإن رئيسة الدبلوماسية الالمانية الجديدة  والعضوة بحزب “الخضر” أنالينا بربوك أطلقت تصريحًا خطيرًا بعد تسلمها مهامها في مقابلة مع صحيفة TAZ الالمانية ، موضحة: ” أنها لن تواصل مسار السياسة الخارجية لميركل” ، منتقدة معاملة الصين للأويغور في شينجيانغ، قائلة :” علينا نحن الأوروبيين أن نستخدم هذه الرافعة في السوق الداخلية المشتركة للاتحاد الأوروبي”.

وهذا التصريح أثار قلق الصين حيث دعت السفارة الصينية في برلين، السياسيين الألمان الأفراد للنظر في العلاقات الصينية الألمانية بموضوعية و”تكريس طاقتهم أكثر لتعزيز التعاون العملي بين الجانبين”، مطالبة بـ: “ببناء الجسور بدلاً من اقامة الجدران”.

وبالتالي فإن شولتز يواجه مشكلة محاولة ضبط المعادلة بين رئيسة الدبلوماسية الجديدة والحفاظ على الصداقة الهادئة مع الصين.

ميركل وشولتز
  • العلاقات مع الولايات المتحدة

يجمع البلدان علاقات قوية على المستويات الأمنية والاقتصادية كالتحالف في شمال الأطلسي واتفاقية التجارة الحرة ورُغم أن العلاقات بينهما قد أصيب بهزة في عهد الرئيس السابق ترامب إلا أن الرئيس بايدن عمل على عودة مسار العلاقات بشكل جيد مرة أخرى ومن هذا المنطلق تسعى الإدارة الأمريكية الضغط على ألمانيا للوصول إلى حل في الأزمة الروسية الأوكرانية ومن ثم يمكن أن يؤثر على مستوى العلاقات بينهما.

  • السياسة الألمانية تجاه منطقة الشرق الأوسط

في ظل تراجع دور الولايات المتحدة تزداد فرص ألمانيا في الظهور كلاعب مهم في قضايا الشرق الأوسط وهنا يتم التوضيح أن العلاقات الألمانية – الإسرائيلية هى أخطر ما يكون في منطقة الشرق الأوسط حيث تجمعهما علاقات وطيدة منذ سنوات وكانت المستشارة السابقة ميركل على علاقات قوية بإسرائيل وتستمر هذه السياسة بعد مجيء شولتز حيث جرى بين المستشار الألماني الجديد ورئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت اتصال هاتفي يعكس مدى حرص الطرفين على التأكيد على مصالح كل منهما وبالأخص التأكيد على دعم ألمانيا لإسرائيل تجاه موقفها مع البرنامج النووي الإيراني، مؤكدين على أهمية الجهود المبذولة لمنع إيران من الحصول على أسلحة.

وشدد الطرفان على: ” أهمية العلاقة العميقة بين إسرائيل وألمانيا ، واتفقا على مواصلة التعاون المثمر بين البلدين في مجموعة واسعة من المجالات – الاقتصادية والسياسية والأمنية”.

المستشار ميركل

خلاصة القول هنتك تشابه بين سياسة ميركل وسياسة شولتز وهو ما يمكن اعتباره أن السياسة الألمانية سياسة مستمرة بغض النظر عن أن كلا من ميركل وشولتز يجمعهما طابع برجماتي، ويمكن استخلاص أن شولتز يواجهه أزمات متعددة على المستوى الداخلي والتي تؤثر بالطبع على نهج سياسته الخارجية، وفي هذا السياق يستنتج التقرير أيضًا أن هناك دولًا تجمعها علاقات قوية مع  ألمانيا كالصين والولايات المتحدة إلا أنه من المتوقع أن تضطرب هذه العلاقات بسبب الاختلافات على بعض القضايا كقضايا حقوق الإنسان والملف الأوكراني إلا أن علاقاتها مع إسرائيل تكون على نفس المستوى من القوة.