رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

اليمن.. بؤرة نشطة للصراعات والأسلحة

نشر
الأمصار

على مدار سنوات يعيش اليمن صراعات شديدة تتوسع أطرافه من حين لآخر ومن ثم يزداد تفكك اليمن، فمنذ عام 2011 واندلاع الاحتجاجات الشعبية المنادية بإسقاط الرئيس اليمني علي عبد الله صالح والذي عان الشعب اليمني خلال فترة حكمه من أوضاع اقتصادية متدنية كالفقر والبطالة والذي انتهى الأمر بتولي الرئيس عبد الربه منصور هادي.

ورُغم ذلك انجرف اليمن داخل أزمات وصراعات متتالية لم تهدأ بعد  فلا يزال الاحتدام في خريطة الصراع السياسي قائمًا فلقد بدأت الحرب تشتعل بين الحوثيين من جهة والحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا من جهة أخرى يكون الخاسر الوحيد فيها هو الشعب اليمني الذي يتكبد الكثير من المعاناة والعواقب الوخمية لتلك الحرب وأصبح اليمن بعدها مقرًا للفقر والمرض وانتشار الأسلحة، ومن هذا المنطلق تعرض هذه الدراسة رؤية عن الأوضاع التي وصل إليها اليمن في التالي:

الأطراف المشتركة في خريطة الصراع اليمني

ثمة أطراف مختلفة في الصراع اليمني يتمسك كل منهم بأهدافه ويشرع في تنفيذها وذلك دون الالتفات إلى المصلحة العليا للبلاد وتتمثل أطراف الصراع فيما يلي:

الطرف الأول: الحكومة الشرعية

هو الحكومة الشرعية اليمنية وهى حكومة الرئيس عبد الربه منصور والتي تحظى بدعم دولي وتضم أيضًا تحتها العديد من القوى والتي تسيطر في الوقت نفسه على ما نسبته 75% من مساحة اليمن ولكن بشكل اسمي فقط؛ حيث أن السيطرة الفعلية ليست تحت سيطرتها بالمعنى الصحيح حيث:

  • يتواجد أعضاء الحكومة في العاصمة السعودية الرياض علاوة على ذلك هناك تعثر في إيجاد مكان لانعقاد البرلمان.
  • تخضع عدن بشكل كامل تحت سيطرة المجلس الإنتقالي الجنوبي والذي يفرض سيطرته على لحج منذ أغسطس عام 2019، إضافة إلى ذلك يسيطر على أرخبيل سقطرى منذ يوينو 2020.
  • يغلب على مأرب وشبوة وحضرموت بشكل جليّ (حزب التجمع اليمني للإصلاح )، وإلى جانب ذلك محافظة المهرة والتي يتصارع عليها أطراف داخلية وقوى خارجية كالتدخل الخليجي وهو ما ظهر في التدخل العُماني المباشر فيها حيث ترها بعدًا استراتيجيًا لها، وإلى جانب ذلك التدخل السعودي الناتج عن مخاوف الرياض الأمنية والاقتصادية، علاوة على ذلك تدخل الإمارات العربية المتحدة.
  • تعد بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية من القوى الدولية المتدخلة في محافظة المهرة أيَضَا، حيث حددت الولايات المتحدة ثلاث أولويات لها في اليمن وهى معالجة الأولويات الإنسانية والاقتصادية العاجلة، وإعادة بدء العملية السياسية، والاستفادة من الإجماع الدولي.

وفي هذه السياق أفاد نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، إن إدارة الرئيس جو بايدن ملتزمة التصدي لـ”التهديد الإيراني”، وذلك بعد أن صادرت الولايات المتحدة عشرات الصواريخ الموجَّهة المضادة للدبابات، وآلاف البنادق الهجومية، ومئات المدافع الرشاشة، وقاذفات القنابل الصاروخية، من سفن كانت متجهة إلى اليمن هذا العام.

وأضاف: “يمثل تهريب الأسلحة من إيران إلى الحوثيين انتهاكاً صارخاً لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وهو مثال آخر على أن النشاط الإيراني الخبيث يطيل الحرب في اليمن، ودعم إيران للجماعات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة يهدد الأمن وقواتنا وموظفينا الدبلوماسيين ومواطنينا في المنطقة، وشركائنا في المنطقة وأماكن أخرى”.

الطرف الثاني: الحوثيين

يتمثل هذا الجانب في جماعة الحوثيين التي تستند إلى هُوية دينية مذهبية شيعية والتي تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء ومناطق عدة وهى صعدة وعمران وحجة والجوف وذمار وإب البيضاء وأجزاء من الحديدة وتعز، وغالبًا ما تعمل هذه الجماعة عن طريق تصريحات إعلامية تثير الجدال والانفصام ومثال على ذلك تصريح القيادي الحوثي حسين العزي عن: ” دعمه للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي في صراع مع حكومة هادي في جنوب اليمن”.

يحاول الحوثيون السيطرة على مأرب والتي تعد منطقة ارتكاز استرتيجي لها ولكن باءت محاولاتهم بالفشل وهو ما يعكس أنها ليست بقريبة للسيطرة على اليمن بشكل كامل.

وبين هذه الأطراف المتصارعة يسعى كل طرف من ذلك لغرس أفكاره وتحقيق أهدافه سواء الحكومة الشرعية أو الحوثيين أو القوى الخارجية العربية والغربية المتدخلة في الأزمة اليمنية.

الطرف الثالث: التحالف العربي

وهو تدخل عسكري عن طريق ائتلاف عدة دول عربية بقيادة السعودية وقد نفذ عملية عاصفة الحزم ضد الحوثيين في مارس 2015 استجابة لطلب الرئيس منصور بعد هجوم الحوثيين على العاصمة المؤقتة عدن

بيئة خصبة للأسلحة والجرائم   

يحتل اليمن المركز الأول عربيًا في التلسح وذلك حسب تقرير  منظمة “Small Arms Survey” ، وذلك بمعدل 52.8 قطعة لكل 100 شخص، ولقد ازاد الوضع سوء حيث توسعت تجارة الأسلحة في اليمن من الأسلحة البيضاء إلى أسلحة البنادق والآر بي جي فضلًا عن الصواريخ المحمولة وارتبط بذلك ارتفاع معدل جرائم القتل حيث أوضحت تقارير حديثة عن زيادة جرائم القتل في اليمن حتى وصل الأمر إلى قتل أفراد الأسرة الواحدة بعضهم البعض.

وفي هذا السياق يقوم التحالف العربي بعدة عمليات لوقف انتشار الأسلحة وهو ما يتضح في إعلانه مؤخرًا عن تنفيذ عملية في صنعاء بعد مهلة منحها لجماعة الحوثي وذلك لإخراج الأسلحة من مدينة الثورة الرياضية وهو ما أوضحه في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية متضمنًا: “راقبنا عمليات نقل أسلحة وجار العمل على تدميرها في العاصمة صنعاء”، مضيفًا أن ” تنفيذ العملية العسكرية يأتي استجابة للتهديد الحوثي ويأتي انطلاقًا من مبدأ الضرورة العسكرية”.

وفي إطار تبادل التصريحات بين الجانبين نفى القيادي الحوثي محمد علي الحوثي وجود أي أسلحة في ملعب “الثورة” مؤكدًا أن “اتهامات التحالف العربي في هذا الشأن كاذبة”.

وأضاف: “سيتجه الإعلام للتصوير من داخل الملعب لكشف كذبة دول العدوان الأمريكي البريطاني السعودي الإماراتي وحلفائه”، مطالبًا بـ”لجنة أممية تنزل إلى الملعب لتفتيشه، مضيفا: “إذا وجدوا فيه طائرات مسيرة أو صواريخ كما يدعون وهي التي تخيفهم فنحن نسلمها للأمم المتحدة مباشرة وأن كان لا يوجد أي شيء فيلتزموا بالتوقف عن القصف نهائيا”.

ويقوم التحالف أيَضًا بقصف طائرات تابعة لجماعة الحوثي، وفي إطار الحديث عن الأسلحة في اليمن فإن إحدى المنظمات الدولية وهى المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، قالت إن بعض الأسلحة التي تمد بها إيران جماعة الحوثي التابعة لإيران تصل  إلى الصومال عبر خليج عدن.

موضحة أنها “رصدت أكثر من 400 قطعة سلاح في 13 موقعا في مختلف أنحاء الصومال يعد وجودها هناك بمثابة “بصمة إصبع” تشير إلى تهريب أسلحة إيرانية من اليمن إلى هذا البلد”. مسردة: “هذه الأسلحة شملت بنادق 56-1 وهى نسخة صينية عن بندقية كلاشنيكوف الروسية”.

مشيرة إلى: “وجود أدلة متعددة على أن إيران تزود الحوثيين بالسلاح، على الرغم من نفي طهران أي ضلوع له في مثل هذه الأنشطة”، لافتة إلى: ” أنها قارنت أرقام تلك البنادق مع نحو 5.2 ألف بندقية مماثلة عثر عليها في ستة مواقع ما بين أغسطس 2018 ومايو 2021″.

انتشار الأسلحة في اليمن

معاناة متضاعفة

إن معاناة الشعب اليمني مركبة حيث لم يكتف فقط بالأزمات السياسية والصراع المسلح بل يزداد الأمر سوء بالأزمات الاقتصادية حيث انتشار الفقر والجوع ونقص الوقود والطاقة ودخل في دائرة نقص الأمن الغذائي فضلًا عن الخدمات الطبية والصحية في ظل انتشار وباء عالمي أخذت كل حكومات العالم جميع الإجراءات الممكنة لاحتوائه.

فمنذ نهاية شهر أبريل الماضي، عادت  الإصابات بأمراض الكوليرا وحمى الضنك والملاريا في اليمن إلى الارتفاع بشكل كبير، في أكثر من 70 بالمئة من أنحاء اليمن.

وأوضحت وكيلة وزارة الصحة في اليمن إشراق السباعي أن: “اليمن لا يزال يعاني نقص المياه الذي يعد أحد أسباب تفشي مرض الكوليرا”، مشيرة إلى أن أغلب المناطق التي تقع تحت سيطرة ميليشيات الحوثي، خاصة محافظة صنعاء، سجلت عددًا كبيرًا من الإصابات، وهو ما يعيق إمكانية السيطرة على انتشار المرض”.

ناهيك عن الحديث عن وضع الأطفال حيث أن البيئة اليمنية على مدار هذه السنوات غير أمنة نفسيًا للأطفال فهم محرمون من أبسط حقوقهم وهى الاستقرار النفسي والأسرى والالتحاق بالمدرسة والتعلم، إضافة إلى انتهاكات التي تحدث ضد المرأة اليمنية.

معاناة الشعب اليمني من الأمراض الفتاكة

مصير الشعب اليمني مرهون بانتهاء الصراع

سيصبح وضع الشعب اليمني أفضل في حين انتهى الصراع وهو ما أوضحته نيرفانا شوقي، المديرة الإقليمية لمنظمة “كير” بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مطالبة: ” مجلس الأمن أن يتذكر أن احتياجات الشعب اليمني بسيطة، مسردة :”أنهم يريدون أن يكونوا قادرين على الذهاب إلى السوق بأموال كافية لشراء الطعام. يريدون أن يكونوا قادرين على تعليم أطفالهم بدلاً من إرسالهم للعمل، أو القتال أو التسول، أو الاضطرار إلى تزويجهم”، مشجعة المجلس على معالجة أولويات ثلاث هى:

  • الاستقرار الاقتصادي؛ للسماح لليمنيين بالخروج من الفقر والعيش  بكرامة كأمر مسلم به في أماكن أخرى.
  • يجب أن يتم تمويل الاستجابة الإنسانية، والتي تعد شريان الحياة لملايين الأشخاص، بشكل كامل.
  • سد فجوة التمويل البالغة أكثر من ملياري دولار، موضحة : “في حين أن تحسين وصول المساعدات الإنسانية هو ضرورة مطلقة، ويجب على أعضاء مجلس الأمن السعي لمساعدتنا بها، يجب علينا دائما إعطاء الأولوية لاحتياجات أولئك الذين ليست لديهم بدائل للمعونة الإنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة”، مبينة:” على مجلس الأمن أن يمارس مسؤوليته لإنهاء هذا الصراع المروع بشكل نهائي، ودعم اليمنيين لاستعادة السلام والاستقرار والازدهار”.

خلاصة القول: إن اليمن بلد ذو أزمات متداخلة فمشهدها السياسي معقد للغاية ووضعها الاقتصادي متفاقم فهى ساحة للحرب بين قوى لا يهمها سوى تحقيق اهدافها ولو على حساب الشعب الذي يدفع ثمن تلك الصراعات غاليًا، علاوة عن كونها أصبحت سوقًا مفتوحًا لتجارة الأسلحة وأصبح الأفراد العاديون يمتلكون أسلحة حربية، فمصير اليمن يدخل في مصير مجهول وظلمات تلو الأخرى كمصير عدد من الدول العربية الأخرى.